جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتطيح بالنظام السابق بعد أكثر من ثلاثين عامًا على قمة الهرم السياسى فى البلاد، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد السلطة، ليعلن بعدها تعليق العمل بدستور مصر الدائم الصادر عام 1971 والذى أجرى عليه تعديلات لاحقة فى أعوام 1980 و2005 و2007. وبعد تعليق العمل بالدستور المصرى لعام 1971 طرح المجلس الأعلى للقوات المسلحة ست مواد للاستفتاء، والتى تمت الموافقة عليها فى مارس لعام 2011 ليعلن بعدها المجلس الأعلى الإعلان الدستورى الذى سيحكم البلاد لحين تشكيل البرلمان المصرى، والذى سيتولى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التى ستقوم بدورها بسن دستور للبلاد فى المرحلة المقبلة.
ورغم اختلاف القوى السياسية حول هذا المخطط، حيث طالب العديد من القوى السياسية فى البداية أن تسير الدولة المصرية على النهج نفسه الذى سارت عليه الدولة التونسية من اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية والتى تتولى وضع دستور جديد للبلاد، ثم يلى ذلك انتخاب أعضاء البرلمان المصرى وانتخاب رئيس الجمهورية، وقد رفع أنصار هذا الاتجاه مبدأ «الدستور أولاً»، ولكن على العكس من ذلك انتصر أنصار الاتجاه الداعى إلى إجراء الانتخابات البرلمانية فى البداية، وأن يتولى البرلمان اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، ثم يلى ذلك انتخاب رئيس الجمهورية.
وهنا يجب التفكير منذ هذه اللحظة فى مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية، خاصة بعدما شهدنا ما يحدث فى تونس من الانتهاء فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التى ستتولى وضع دستور للبلاد، وهنا ما الذى سيحدث بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المقبلة والمقررة حتى نهاية مارس المقبل وتشكيل برلمان جديد؟ كيف سيتم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية؟ سنجد أنفسنا فى هذه الحالة أمام اتجاهين لا ثالث لهما، الاتجاه الأول هو حصول جماعة الإخوان المسلمين فى البرلمان القادم والحزب الممثل للجماعة، وهو الحرية والعدالة، أو القوى الليبرالية على الأغلبية، وهنا فى هذه الحالة هل ستقوم الجماعة أو فى المقابل القوى الليبرالية إذا حصلت على أغلبية المقاعد أن تشرك قوى أخرى معها فى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، أم ستقوم القوى الفائزة بالأغلبية باختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور بمفردها؟
أما الاتجاه الثانى فهو عدم حصول أى من القوى السياسية على الساحة المصرية بالأغلبية داخل البرلمان المصرى، وأن يحصل كل فصيل سياسى على نسبة معينة من المقاعد داخل البرلمان المصرى، وهنا يجب على الجميع فى هذه الحالة أن يدرك أننا أمام مرحلة فارقة فى تاريخ الدولة المصرية، وأن الدستور ليس مسألة خاصة بفصيل سياسى، بعيدًا عن فصيل آخر، بل إن الدستور هو مسألة تهم كل مواطن مصرى، وهنا وفى هذه الحالة يجب أن تتشارك جميع القوى والأحزاب تحت قبة البرلمان لصياغة دستور جديد للبلاد يعبر عن آمال وطموحات المواطن المصرى البسيط، ويقنن فى الوقت نفسه قواعد الديمقراطية والحكم الرشيد بما يفتح صفحة جديدة فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة.
وأخيرًا فهذا خطاب موجه إلى جميع الأحزاب السياسية وجميع القوى السياسية فى المجتمع، والتى تتنافس الآن على مقاعد البرلمان، فيجب أن تدرك أن مقاعد البرلمان لهذه الدورة هو أغلى مقعد برلمانى فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة، لأنهم يحملون على أكتافهم كاهل بناء الدولة المصرية الحديثة، وفى الجانب الآخر يجب على المواطنين أن يدركوا تمام الإدراك أثناء الاختيار بين المرشحين أن مصلحة هذا الوطن تأتى فى المقام الأول والأخير قبل أى أمور شخصية أو مصالح معينة، وأن اختيار المرشح يجب أن يكون بناء على اقتناع أن هذا المرشح هو الذى سيخدم البلاد، ويقودنا إلى صياغة دستور ديمقراطى للبلاد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد خلف
مبروك مقدما