هذا السؤال فى غاية الأهمية، وخصوصًا فى هذه المرحلة الحرجة والنوعية فى تاريخ مصر الحديث، بعد مرحلة من المعاناة والفساد السياسى والاقتصادى، بل والاجتماعى والثقافى والإعلامى أيضًا لعشرات السنين، وخروج شعب عظيم بثورة تاريخية لم تكتمل معالمها بعد لتغيير هذا الواقع بشكل سلمى شهد به العالم أجمع، ولكننا نلحظ فى الوقت ذاته أن الكثير من أصحاب المصالح والمحسوبين على النظام السابق مازالوا يعملون عملهم فى الساحة المصرية بكل الوسائل والطرق والأساليب، وخصوصًا على المسار الإعلامى، من تشويه لصورة الثورة والثوار وصرف الناس عن القضايا الأساسية التى تشغله إلى قضايا جدلية - فى كثير من الأحيان - لا تغنى ولا تسمن من جوع. ومازال هناك الكثير من رموز النظام الفاسد السابق وأعوانه فى كل مؤسسات الدولة، وبعض الذين ينادون بالديمقراطية، ولكنهم يريدون ديمقراطية حسب مزاجهم وأهوائهم.
وعلى الجانب الآخر نجد أن المجلس العسكرى الذى تولى الفترة الانتقالية بتكليف من الشعب لم يحقق المطلوب منه فى هذه المرحلة، وما وعد به فى بياناته أو تصريحاته، من تسليم للسلطة فى أقرب وقت ممكن، وحدد ذلك فى الإعلان الدستورى فى 30 من مارس الماضى، ولكن لسوء الإدارة والتباطؤ فى الأداء لم يتحقق المأمول، ولم نصل إلى ما نربو إليه جميعًا من تحديد الفترة الزمنية للانتقال السلمى للسلطة بجميع مراحلها، مع عدم إجراء حوار حقيقى مع كل القوى الموجودة فى الشارع المصرى بشكل متوازن، بالإضافة إلى توتير الساحة السياسية بقضايا خارج سياق الزمن، مثل وثيقة المبادئ الدستورية التى أحدثت انشقاقًا واضحًا بين القوى السياسية.
كما نلحظ أيضًا استمرار الجدل والخلاف بين القوى السياسية المختلفة سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو علمانية أو يسارية، حول قضايا فرعية لا تشغل المواطن العادى البسيط فى كثير من الأحيان، والانصراف عن المهمة الكبيرة والأساسية التى يشترك ويتفق عليها الجميع، وهى التحول الديمقراطى والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى كحد أدنى للمرحلة الانتقالية، وانشغل كل فصيل باستقطاب البعض هنا وهناك، وفى النهاية وقع ما لم نكن نتمناه جميعًا من العودة مرة أخرى إلى المربع صفر، وكأننا لم نقم بثورة حقيقية غيرت مسار العالم كله!
ويؤكد هذا الكلام ما شهدناه جميعًا فى ميدان التحرير يوم السبت وما تلاه حتى يومنا هذا، من اعتداء غاشم وحشى غير مبرر من قِبل قوات الأمن والشرطة على المتظاهرين سلميّا بشكل هستيرى، واستخدام نفس الوسائل التى استخدمها النظام البائد، كل هذا أعاد للذاكرة ما كان يحدث أيام النظام المخلوع، وهذا أدى بدوره إلى استشهاد العشرات وإصابة الآلاف، وهذا أمر يؤسف له. ونجد الشعب المصرى - فى المقابل - بكل أطيافه وفئاته يراقب الموقف عن كثب ويتفاعل معه من حين لآخر، ويشعر بالضيق من القوى السياسية والنخب والأحزاب بشكل عام، لعدم توحدها للدفاع عن قضاياه.
إذن على الشعب المصرى أن يقوم بدوره فى التغيير المأمول، وأتصور أن بداية هذا الطريق هو ما نحن بصدده يوم الاثنين القادم 28 / 11 من إجراء للانتخابات التشريعية، ونأمل ألاّ تحدث تغييرات حول هذا الموضوع، لأن ذلك سيدخلنا فى نفق مظلم - لا قدر الله - لا تُـحمد عواقبه.
يا شعب مصر العظيم أنت صاحب السلطات، وعليك أن تقوم بدورك التاريخى فى هذه المرحلة، اذهب إلى صندوق الانتخابات، وادع غيرك، اختر من تشاء، ومن تراه يساهم ويساعد فى تخطى هذه المرحلة العصيبة، وينقل مصر إلى وضعها الطبيعى الرائد فى المنطقة على جميع المستويات، فأنت قادر على تخطى الصعاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة