إلى أين تتجه ليبيا بعد التحرير من حكم الراحل معمر القذافى؟ هل تتجه إلى حكم إسلامى أم ليبرالى؟ وهل ستشهد الأيام المقبلة تبدلاً فى وضعية القبائل الليبية، ليختفى من كان ملاصقا منها لحكم القذافى، لتظهر أخرى ظلت طيلة السنوات الماضية فى طى النسيان? وهل يستطيع المجلس الانتقالى الليبى القضاء على المعوقات التى قد تفسد التحول الديمقراطى فى ليبيا? كلها أسئلة مطروحة للنقاش حاليًا فى الشارع السياسى الليبى، خاصة مع تأكيد البعض أن الأمور مازالت ضبابية فى ليبيا، فالمستقبل غير معلوم، والتوجهات ليست معروفة، حتى المشاركين فى صناعة القرار فى ليبيا فى الوقت الحالى بدأت الحيرة تقتلهم، فالسؤال دائم التردد على أذهانهم هو «إلى أين نسير؟».
اليوم السابع فتحت كل الملفات العالقة فى ليبيا فى محاولة لرصد المشاكل وطرح الحلول إن أمكن ذلك، فى ضوء تصورات مختلفة يضعها الليبيون أنفسهم.
ليبرالى إسلامى هو الحل
البداية كانت بشكل الحكم المستقبلى فى ليبيا، فمع البدء فى اختيار الحكومة الليبية وظهور بوادر المرحلة الانتقالية فى البلاد التى من المقرر أن تنتهى بوضع دستور جديد يحدد معالم ليبيا الجديدة بدأت التساؤلات والتكهنات تدور حول طبيعة الحكم القادم.
المؤشرات الأولية تؤكد أن النموذج الإسلامى هو الأقرب إلى التنفيذ، خاصة بعد تصريحات مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالى الليبى، التى أكد فيها أن الحكم فى ليبيا سيكون وفقًا للشريعة الإسلامية، قائلاً: «نحن كدولة إسلامية اتخذنا الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع، ومن ثم فإن أى قانون يعارض المبادئ الإسلامية فهو معطل، وهناك نية صادقة لتقنين كل القوانين المصرفية بالذات، نسعى إلى تكوين مصارف إسلامية بعيدة عن الربا».
وبالرغم من أن هذه التصريحات أثارت بعض التخوفات الغربية فإن البعض أكد أن الحكم الإسلامى فى لييبا سيكون وسطيّا.
قال الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، المفكر الليبى: إن الشعب سيكون مصدر السلطات فى الفترة المقبلة، ولن يكون لأى أحد حق الاحتكار أو الإقصاء مهما كان التيار الذى ينتمى إليه، لأن هذا ما قامت الثورة من أجله، مشيرًا إلى أن كل الأطياف السياسية ستتبارى وتتنافس، لافتًا إلى أنه حتى فى حالة أن يتم اختيار الحكم الإسلامى سيكون وسطيّا وعن طريق صناديق الاقتراع، ومن الممكن أن يحدث تحالف بين الإسلاميين والعلمانيين.
فى حين قال أحمد العبود، المحلل السياسى الليبى وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازى أن الحكم فى ليبيا يتجه إلى أن يكون إسلاميّا ليبراليّا، لافتًا إلى أنه لن يكون هناك تشدد فى الحكم خاصة أن ليبيا عانت لعقود طويلة.
بينما اعتبر العبود أن فكرة الحكم القبلى مستبعدة إلى حد ما؛ لأن كل القبائل سيتم توحيدها فى الحكومة الجديدة وسيكون لكل قبيلة دور محدد فيما بعد الثورة.
«السلاح» و«المصالحة
تصور مستقبل ليبيا الجديدة لن يتم تنفيذه بسهولة، خاصة أن هناك عوائق وصعوبات أساسية تقف أمام أى نموذج للحكم فى ليبيا سواء كان إسلاميّا أو ليبراليّا أو قبليّا.
انتشار السلاح يعد العائق الأكبر لقيام دولة ليبيا، وربما يعد الملف الأمنى الليبى منطقة شائكة يتحسسها المجلس الانتقالى بهدوء، لأنها قنبلة موقوتة يمثل انفجارها كارثة بكل المقاييس، فبعد سقوط طرابلس كان لعبدالحكيم بلحاج، الحاكم العسكرى فى طرابلس، المحاولة الأولى فى دعوته لجمع السلاح، إلا أن المجلس قرر تأجيلها ليجدد المحاولة مرة أخرى خلال الشهر الحالى لتجد صدى أفضل إلى حد ما، حيث قامت بعض الكتائب بالاستجابة وتسليم أسلحتها.
ياسين البركى، المحلل السياسى الليبى، قال إن السلاح فى ليبيا يشكل خطورة إلى حد ما، قائلاً «لا يوجد بيت فى ليبيا بدون سلاح»، ولكنه أشار فى الوقت نفسه إلى أن المجلس الانتقالى يتعامل بحكمة فى هذا الشأن.
ولفت البركى إلى أن هناك ثلاثة من الكتائب العسكرية سلمت أسلحتها بالفعل إلى المجلس العسكرى والجيش الوطنى الليبى، مشيرًا إلى أنه مع تشكيل الحكومة ستبدأ عملية جمع السلاح من ليبيا بشكل أفضل.
وأضاف البركى أن التخوف سيكون فى حالة رفض بعض الكتائب تسليم أسلحتها، موضحًا أن ذلك سيتطلب تدخلاً قويّا من المجلس العسكرى.
ثانية الصعوبات التى تواجه ليبيا الجديدة تتمثل فى قيادة ملف المصالحة الوطنية بين القبائل الليبية، خاصة أن عددًا كبيرًا من الشعب الليبى يرفض تمامًا التعامل مع كل التابعين لنظام القذافى، وهو ما يهدد بتحول ليبيا إلى صراع أهلى يتمثل فى تخوين بعضهم البعض بتهمة الانتماء إلى عهد القذافى أو الانتماء إلى الثورة.
وفى إشارة إلى محاولة إقصاء كل التابعين للقذافى ترددت بعض الأنباء عن اقتراح مشروع قانون تقدمت به 16 مؤسسة مدنية ليبية من مختلف التوجهات الفكرية إلى المجلس الوطنى الانتقالى باسم «الوفاء للشهداء» يبعد ولمدة عشر سنوات من تولوا أى منصب خلال حكم العقيد الراحل معمر القذافى ما بين 1969 و2011، من ممارسة العمل السياسى أو الإدارى.
من جانبه قال على عطية المنصورى إنه لم يسمع عن مثل هذا القانون، معلنًا رفضه أى قوانين من شأنها أن تقصى الليبيين، وأضاف المنصورى قائلاً: «الإقصاء فى حد ذاته ضد مبادئ الثورة الليبية، وأى شخص تابع لنظام القذافى إذا ثبت أنه متورط فى قضايا أو ما شابه يحال للمحاكم، أما البقية فيتم دمجهم فى المجتمع، وأنا شخصيّا أعرف ناسًا غرر بها أو ورطت فى اللجان الثورية أو ما شابه».
كما أشار المنصورى إلى أن ملف المصالحة الوطنية فى تقدم، لافتًا إلى أن القبائل الليبية كان لها تجربة سابقة بعد خروج الليبيين من المعتقلات، كان هناك من الليبيين من يساعد ويعذب الليبيين مع الإيطاليين، ولكن بعد الخروج تناسى الليبيون كل ذلك ودمج الجميع فى مجتمع واحد.
«عبدالجليل» و«جبريل» و«الترهونى» فى حالة أن يعبر الليبيون بسلام من المرحلة الانتقالية فى الحكم سيتمكنون خلال 20 شهرًا من إعلان تحرير البلاد من إجراء انتخابات تنتقل بهم نحو عصر جديد من الحرية والديمقراطية، وتمكنهم من ممارسة حق انتخاب واختيار رئيس الجمهورية، ذلك الحق الذى غاب عن الأرض الليبية على مدى 42 عامًا من حكم الديكتاتور معمر القذافى.
وعلى الساحة الليبية الآن برزت بعض الأسماء والوجوه التى من الممكن أن تتنافس، أولها مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالى، والمسؤول بشكل أساسى عن إدارة المرحلة الانتقالية، أحد أبرز الشخصيات التى من الممكن أن يختارها الشعب الليبى لرئاسة البلاد، فهو أول من أعلن انشقاقه عن نظام القذافى وانضمامه للثورة، ويحظى بشعبية واسعة وسط الليبيين، إلا أن له أيضًا نقط ضعف واجهها أثناء هذه المرحلة أبرزها قضية اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس، رئيس المجلس العسكرى فى بنغازى، والتى بدأ التحقيق فيها منذ شهر يوليو الماضى ولم تظهر أى نتائج حتى الآن.
وبالرغم من أن عبدالجليل أكد أن كل أعضاء المجلس لن يرشحوا أنفسهم للرئاسة فإن ترشيحه قد يأتى بناءً على رغبة الشعب نفسه وبدعوة منه، وهو ما ظهر بالفعل من خلال تأسيس بعض الصفحات على الموقع الاجتماعى الفيس بوك للمطالبة باستمرار عبدالجليل فى إدارة البلاد لمدة أربع سنوات.
إلى جانب عبدالجليل يأتى محمود جبريل، الذى تولى رئاسة الحكومة الليبية خلال الثورة، ويحظى بدعم دولى كبير، وظهر بشكل إيجابى فى بداية الثورة لدوره فى تدويل القضية الليبية.
إلا أنه بدأ يفقد بعض مؤيديه، مع خلافات تشكيل الحكومة الليبية واتهامات البعض له برغبته فى تعيين أكبر عدد من قبيلته «الورفلة» فى الحكومة الجديدة، ولكنه خرج من هذا المأزق بذكاء بعد إعلانه الاستقالة تمامًا من المجلس الانتقالى، وهو ما جعله يتخلص من الانتقاد إلى حد ما، ويمكنه فى الوقت نفسه الترشح للانتخابات الرئاسية لأنه لم يعد عضوًا فى المجلس.
على الترهونى مسؤول النفط والمالية وحامل خزائن وأسرار الدولة الليبية هو الآخر من أقوى الوجوه المرشحة للرئاسة تركزت عليه التوقعات برئاسة الحكومة الليبية قبل أن يتم الإعلان عن اختيار عبدالرحيم الكيب، وهو المتخصص فى الاقتصاد، وعاش فى أمريكا أربعة عقود وعاد إلى بنغازى بعد تحريرها مباشرة، وسرعان ما كلف بمنصب مسؤول النفط والمالية فى المكتب التنفيذى التابع للمجلس الانتقالى.
وبالتأكيد الأيام المقبلة ستفرز أسماء جديدة على الساحة الليبية تدخل فى دائرة الصراع للوصول إلى كرسى الرئاسة.
لعبة القبائل
بعد نجاح الثورة الليبية وإعلان التحرير الكامل تبدلت لعبة القبائل قى ليبيا ما بين صعود البعض وهبوط البعض الآخر، كل حسب مدى مشاركته فى الثورة، فمثلاً قبيلة القذاذفة التى ينتمى إليها العقيد الراحل معمر القذافى عاشت طوال سنوات حكمه فى المركز الأول هى ومعظم قبائل مدينة سرت مسقط رأسه.
لكن بعد الثورة الليبية تغيرت المعادلة، فالبعض يرى أن القذافى حول سرت من قرية أو مدينة صغيرة إلى عاصمة، وحظيت القبائل الرئيسية فيها وهى القذاذفة وأولاد سليمان الحصون والفرجان والمعادن، على اهتمامه خلال الأربعة عقود الماضية، إلا أن التوقعات تشير إلى أن دورهم سيتراجع إلى حد كبير، خاصة أنهم أصروا على دعم القذافى للنهاية.
تنضم إليهم قبيلة الورفلة، فبالرغم من انشقاق عدد من أعضائها عن نظام القذافى إلا أن مدينة بنى وليد التى تتركز فيها القبيلة كانت أكبر العوائق أمام الثوار الليبيين ليقضوا فيها وقتًا طويلاً قبل التمكن من اختراقها ودخولها بعد فشل المفاوضات تمامًا مع شيوخ القبيلة فيها.
فى المقابل يأتى الدور الآن على بعض القبائل الليبية للظهور واحتلال الواقع الأولى على الساحة، خاصة بعد الدرو الذى لعبته فى الثورة، ويأتى فى مقدمة هذه القبائل قبيلة العبيدات التى ينحدر منها اللواء عبدالفتاح يونس، رئيس المجلس العسكرى، الذى اغتيل فى بنغازى شهر يوليو الماضى، فقد قدمت أغلى ما لديها والقائد الرئيسى بها فداءً للثورة الليبية، وهو ما يجعلها فى المقدمة، وتنضم إليها قبيلة ترهونة التى تقع فى غرب ليبيا ويتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، والتى تعد أولى القبائل المنضمة للثورة رغم قربها من العاصمة طرابلس، حيث أعلنت القبيلة بعد أقل من شهر من قيام الثورة الليبية على لسان عبدالحكيم أبو زويدة المتحدث باسمها أن شيوخ قبيلته، التى تشكل ثلث سكان العاصمة طرابلس، وجميع قبائل ترهونة أعلنوا تبرؤهم من النظام وانضمام هذه القبائل للمتظاهرين ضد ما وصفوه بـ «الطاغية» ودعوا أبناء القبائل للانضمام إلى الثورة، مؤكدًا أن شيوخ القبيلة التى ينتسب إليها معظم جنود الجيش سعوا إلى توعية أبنائها خاصة الجنود بتاريخ قبيلتهم وجميع القبائل بعدم الانسياق وراء الفتنة التى دعا إليها سيف الإسلام بعد أن قام النظام بتسليح العديد من أفراد القبائل.
فاتورة الحرب
لم يمر وقت طويل على فرحة الليبيين بنجاح ثورتهم حتى بدأ الحديث الذى يعكر صفو هذا النصر إلى حد ما عن تكلفة الحرب فى ليبيا واستعداد كل دولة لأخذ نصيبها، خاصة أنه من الطبيعى أن مساعدة الناتو والدول الأوروبية لليبيا لم ولن تكون مجانية.
الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أن تكلفة الحرب الجوية للجيش الأمريكى فى ليبيا وصلت 608 ملايين دولار. فى حين قال وزير الدفاع الفرنسى، جيرار لونجيه، إن العمليات العسكرية لحلف «الناتو» ضد قوات العقيد الراحل معمر القذافى بلغت تكاليفها أكثر من 300 مليون يورو، مشيرًا إلى أن هذا المبلغ يمثل ما يقرب من ثلثى الموازنة المخصصة للعمليات الخارجية للجيش الفرنسى لعام 2011.
فى هذا الشأن قال آدم جويلى، الناشط الحقوقى لـ «اليوم السابع»، إن ضريبة الحرب فى ليبيا مرتفعة جدّا. مشيرًا إلى أنها تتجاوز الـ 11 مليار دولار.
وتوقع جويلى أن تكون فرنسا المستفيد الأكبر من تقسيم الكعكة الليبية قائلاً إن هذه الكعكة أبدع الطاهى فى إنجازها بطريقة أمريكية ونكهة ليبية. فى إشارة منه للسيناريو الذى أعده الدكتور محمود جبريل ونجح فى ترويجه وتسويقه.
ووصف جويلى الصفقة فى ليبيا بأنها أغرب ما يكون، لافتًا إلى أن الثوار على الأرض من أهل البلاد ليس عندهم حقوق، والناتو والدول التى تلعب دورًا سياسيّا ضمنت حقوقها فى البترول والغاز إضافة إلى الصفقات التجارية.
وحتى الآن لم يفصح المجلس الانتقالى الليبيى ممثلاً فى على الترهونى، مسؤول النفط والمالية الذى يملك كل أسرار هذه الحقبة المهمة عن أى اتفاقيات تم إجراؤها، وبالرغم من تأكيده أنه لن يوقع على اتفاقيات مع أى من الدول لأن المجلس ليس بسلطة منتخبة، ولكن بمرور الوقت فوجئنا به يضع استثناء، مصرحًا بأنه لن يوقع إلا الاتفاقيات الضرورية للشعب الليبى. ومن المؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف طبيعة التعامل فى هذه القضية، بعد أن تحددت معالم الحكومة الليبية مع انتخاب رئيسها عبدالرحيم الكيب، الذى سيلعب دورًا رئيسيّا فى وضع هذه المخططات لإدارة كل الملفات المتعلقة بالثورة، ولاسيما ملف تكلفة الحرب.
ليبيا تائهة بين الحكم الإسلامى والليبرالى.. د. أحمد إبراهيم الفقيه: الشعب سيكون مصدر السلطات فى الفترة المقبلة ولن يكون لأى أحد حق الاحتكار أو الإقصاء مهما كان تياره السياسى
الأحد، 06 نوفمبر 2011 01:39 م
مصطفى عبد الجليل
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
القراءن والسنة والراشدين والسلف الصالح والاجماع هما منهج ليبيا وكل الدول العربية
القراءن والسنة والراشدين والسلف الصالح والاجماع هما منهج ليبيا وكل الدول العربية