جمال دربك

"المحتسبون" الجدد

السبت، 31 ديسمبر 2011 10:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأ عدد من الناشطين السلفيين عبر الإنترنت فى الدعوة إلى تأسيس هيئة لما يعرف بالأمر بالمعروف والنهى على المنكر فى مصر، ورغم أن حزب النور وبعض السلفيين نفوا علاقتهم بهذا التحرك. ومهما كانت تلك الدعوة لجس النبض أو للتمهيد أو حتى حقيقية، فإنها تعتبر بوابة جديدة لأشد أنواع الفتن التى تحاك للوطن، والتى لا يجوز الوقوف أمامها بهدوء أو لا مبالاة أو حتى بتعقل إذا لزم الأمر، كونها ليست دعوة للتخلف فقط، ولكنها محاولة لتكوين جماعات دينية تفرض سطوتها على الناس، وتفتش الضمائر، وتحول كل المواطنين والمواطنات إلى متهمين بالمطلق، وعلى كل فرد أن يثبت براءته أمام شخص "المحتسب"، الذى هو وكيل الله والشرع والأخلاق فى الأرض.

تلك الدعوة، ولو كانت عبر الفيسبوك، إلا أنها تتجمّع من أجل تكوين فصائل من أدعياء الحسبة الجدد، الذين لو أعطوا لأنفسهم الحق فى تطبيقها على أرض الواقع تحت أى مسمى أو شعار، فإن التصدى لهم بالقوة يصبح فرض عين على كل مواطن يريد أن يحيا بكرامة فى هذا الوطن، أو فليذهب الوطن كله إلى الجحيم.

فعندما طرح السلفيون أنفسهم على الساحة السياسية بعد الثورة، وإبان الانتخابات الأخيرة، اختارهم الكثيرون للعمل من أجل خدمة الوطن والمواطن، وليس لينقلوا لهم تجارب عتيقة وفاشلة، لم تعد تصلح لأى مجتمع يحكمه القانون. ولكن ربما كانت تصلح لزمن غابر، كانت تعيش فيه مجموعات بدائية تتفق فيما بينها على طريقة للعيش، وتبحث عن من يقوّمها أو يراقبها أخلاقيا، حيث لا يوجد قانون واضح وواحد ومكتوب يحكم الجميع، وينظم العمل بينهم.

فعندما طرح السلفيون أنفسهم لخدمة الشعب، لم يخبروه بأنهم يريدون نقل "المدرسة الشكلية" فى تطبيق الشريعة الإسلامية، من خلال جلبابهم وغطرتهم غير المصريتين، وفرض بعض "المظاهر" بالقوة، منها غلق المحلات أثناء الصلاة، وفرض الحجاب على المرأة، وما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والتى لا تخضع لقانون مفهوم، وإنما لوجهة نظر صاحبها، وهو ما قد يثير الفوضى و"البلطجة الدينية"، ولا تحقق النظام أو حتى الأخلاق، التى لا تُفرض، بل يجب أن يُربّى عليها المسلم.

ولا أعتقد أننا فى مصر بعد ثورة يناير مازلنا نحتاج لأن نخدع أنفسنا بأنظمة أو بأخلاق صورية لا تناسبنا، ولكننا فى أشد الحاجة إلى تحقيق دولة القانون الذى يسود الجميع، ويحولهم إلى مواطنين، وليس إلى رعايا، أو إلى قُصّر يحتاجون إلى التقويم والتأديب والتهذيب والإرشاد.

فهل من المعقول أن يقوم المصريون بثورتهم، التى ضحوا فيها ومازالوا يضحون بمئات الشهداء وآلاف المصابين، من أجل فئة من الماضويين المشتاقين للسلطة، يريدون أن يمارسوا سطوتهم على البلاد والعباد تحت أى شعار كان حتى لو كان إسلاميا؟؟

فهل خرج المصريون فى يناير من أجل أن يطأطئ الرجل رأسه أمام جاهل، أو حتى عالم، بجلباب قصير أو حتى بجينز يأمره بأن يغطى وجه (المَرَة) زوجته منعا للفتنة، أو يسوقه بالعصا كالنعجة إلى المسجد حتى يصلى، تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟؟

هل ينقل المصريون كرامتهم من فاسدين انتهكوها لسنوات، إلى متخلفين يسحقونها، مع تبديل الشعارات أو المسميات؟

فلم ينمُ إلى علمى من قبل أن هناك فى الإسلام كهنة، يفرضون الدين على الناس، أو يفتشون فى ضمائرهم ويحددون لهم سلوكهم وما يصنعون. فلا كهانة فى الإسلام، ولا أصحاب فضيلة أو عصمة سوى الأنبياء، الذين رحل خاتمهم صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 14 قرناً من الزمان، ولن يأتى نبى غيره بدين جديد لنقبله، ولا يملك أحد أن يغير فى هذا الدين القويم الذى جاء به، أو يملك أن يزيفه أو يتاجر به، أو يزايد فيه أو يتنطع. لأننا ببساطة لن نسمح لهم بذلك، ولو ادعوا جهاداً من أجل الدين، فهناك الملايين ممن على استعداد أيضا أن يجاهدوا من أجل عدم تحريفه، أو نشر فكر التنطع فيه.

أعلم جيداً أن ما أطرحه الآن سوف يلاقى بالسب والقذف والدعاء والغمز واللمز والهمز، وهو ما يليق بالغوغاء، وربما بالتهديد الدنيوى، طلباً لكسب الأجر فى تغيير المنكر، أو حتى التهديد بجهنم باعتبارهم امتلكوا مفاتيحها، وهو ما يليق بالجهلاء.

ولأننى لا أخاف من هؤلاء أو أولئك، فإننى أقول أن تماديهم أو تجاهلهم لفترات طويلة قد يغريهم بالسفه، وإن لم توضع قوانين واضحة فيما بعد تمنع كل من هب ودب للاستحواذ على الدين واحتكار الحديث باسمه، فإن المجتمع مهدد كله بالخطر، حيث لن يقبل أحد تغيير هوية مصر أو المصريين أو مسخها، ولو كان الحديث الآن عن تدارك الموقف والتعامل معه بجدية هو نوع من التعقل والحلم، فإن تجاهله أو التقليل منه هو تهاون يؤدى إلى خطر، يشير إليه قول الشاعر: إن لم يكن حلم الحليم بنافعٍ.. فصِدامُ الجهل بالجهل أنفع.





مشاركة




التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

المصري الأصيل

أنتهت ثورة 25 يناير

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

مفيش دخان من غير نار

عدد الردود 0

بواسطة:

د/ ابراهيم صبرى

نحن نعيش حالة مستمرة من المراهقة السياسية

عدد الردود 0

بواسطة:

يحيي رسلان

نحن اشد ما يكون لدولة القانون

عدد الردود 0

بواسطة:

اسامة

كان فى صفحة على الفيس بوك تدعوا الى مظاهرة للشواذ .. لم نرى الدنيا تقوم ولم تقعد

عدد الردود 0

بواسطة:

بكار

كنتم خير أمة أخرجت للناس

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسين سعيد

عندك حق

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة