د. سعيد إسماعيل على

.. وما زال نجيب محفوظ يتحدث

الخميس، 08 ديسمبر 2011 03:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
.. اتصالاً بما عرضنا له من حديث مع نجيب محفوظ أجريناه فى نوفمبر 1986، وسألناه: لماذا لم يتجه، بعد انتهائه من المرحلة الثانوية إلى مدرسة المعلمين العليا، مثل كثيرين، حتى يضمن عملا، فى ظل الأزمة المالية العالمية التى كانت سائدة، كان رده: الحقيقة أننى لم أشعر بهذه الأزمة الاقتصادية إلا من الناحية النظرية فقط، أى بالاعaتماد على ما يرد بشأنها من أخبار ومقالات فى الصحف والمجلات، لكن على المستوى العملى، فقد كنا بعيدين عنها هكذا أبناء الموظفين أصحاب الدخل الثابت، ثم حدث عكس هذا عندما بدأت الأزمة فى الزوال، بدأ التحسن فى أحوال الكبار، ثم بدأت أحوال أصحاب الدخل المحدود تسوء وخاصة فى الحرب العالمية الثانية.
كانت الأصوات تظهر فى محيط الأسرة تحث على التفكير فى المستقبل الوظيفى، ويشيرون إلى هذا وذاك من أقاربى ممن كانوا يشغلون وظائف حكومية مرموقة، بمعايير ذلك العصر، ثم يتساءلون: بماذا ستفعل بدراسة الفلسفة؟ على الرغم من هذا لم يهزنى ذلك، لأن المستقبل الوظيفى لم يكن يشغلنى.. كانت مسألة الرزق لا تقلقنى.. ليأتى من أى طريق.. من أى وظيفة.. هذا لا يهم.. كنت أشعر بقدر من الطمأنينية المادية.. كان أى مبلغ يكفى الإنسان.. كان هناك زملاء التحقوا بوظائف بالبكالوريا بمرتب 7.5 جنيه، وكوّنوا أسرا.. من هنا لم تقلقنى مسألة الوظيفة، إن الذى كان يهتم بها هو الذى كانت تبهره فخامة الوظيفة، أما أنا فقد كانت تبهرنى فقط «فخامة العلم».
ثم قلت لأديبنا الكبير: هناك موقف مشهور فى رواية بين القصرين، دار فيه حوار بين الأب «السيد أحمد عبدالجواد»، والابن «كمال»، عندما حصل على البكالوريا، وأخبر والده بأنه يريد الالتحاق بمدرسة المعلمين العليا، فثار الأب متهما هذه المدرسة بأنها «غير محترمة».. هل هذا الموقف كان صدى لخبرة شخصية لنجيب محفوظ أو لأحد زملائه أو معارفه أو أقاربه، أم أنه كان مجرد خيال قصصى؟
وكان رد أديبنا: «لم نكن جيل المعلمين.. كانت «المعلمين» تقفل أبوابها عندما التحقنا بالجامعة (حيث حل محلها معهد التربية العالى للمعلمين)، ولكن هذا الموقف يعبر عن اتجاهات كنا نسمعها تتردد على الألسن، وشائعة فى الرأى العام إنها لم تكن خيالا، لأن الخيال فى الأدب ما هو؟ إنه الواقع، وقد خلق من جديد، حتى يناسب هدف الرواية، ليس هناك خيال لا يعتمد على جذور الواقع، وإلا فإنه لن يؤثر فى قارئه إنك عندما ترى (دراما) فإنك تضحك، أو تبكى.. لماذا؟ لأنها حقيقة وليست خيالا».
ثم أخطرت أديبنا الكبير، بدراسة سابقة لنا عن أدب نجيب محفوظ من الناحية «التعليمية»، وعلى سبيل المثال: موقف «محجوب عبدالدايم» فى «القاهرة 30»، عندما تضيق به الظروف الاقتصادية، وتطحنه إلى الدرجة التى تجعله لا يجد قروشا بسيطة لشراء كتاب مقرر عليه فى اللاتينية.. ونفس الشىء فى «بداية ونهاية»، عندما اضطر الأخ الأكبر أن يترك دراسته كى يعول أسرته، وكذلك فى «خان الخليلى».. كل هذه المواقف تبين أن «تكافؤ الفرص» لم يكن قائما هل نفهم بناء على ذلك أن هذا كان يعبر أيضا عن واقع فى الفترة التى عاشها أديبنا؟
وكان رد نجيب: «نعم كانت قائمة، ولها نماذجها المتعددة، ولكن لكل منها أسبابها الخاصة، فمحجوب عبدالدايم، مثلا، لم يكن أبوه موظفا، كان فى قطاع خاص، وهو القطاع الذى تأثر بالأزمة. فى «بداية ونهاية»، توفى الأب، فجاءت النكبة لأن المعاش لم يكن يكفى أحمد عاكف فى خان الخليلى، كان أبوه على المعاش، فإما أن يتعلم هو أو أخوه، وكانت التقاليد تقتضى أن يضحى الأكبر من أجل الأصغر. إذن الأزمة لم تكن تحدث بالنسبة لموظف أثناء شغله الوظيفة، إنما النكبات كانت كثيرة، والموظف كان دائما على حافة النكبات.. إذا مات.. تدهورت حالة الأسرة».
أن الحديث لم يتوقف عند هذا الحد، لكننا نكتفى بهذا القدر.





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالرحمن

روعة

والله انا كاتب محترم

عدد الردود 0

بواسطة:

ffayez

ويظل ادب نجيب محفوظ عاليا شامخا

ويتلاشى البخار

عدد الردود 0

بواسطة:

إسلام الورداني

نجيب محفوظ اديب عالمي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة