لو أن أجمل أحلامى تجلت على شاشة عرض أجمل سينمات العالم فلن تمنحنى تلك المشاهد التى عشتها منذ الثلاثاء 25 يناير، وحتى صباح الثانى عشر من فبراير.
هى رحلة من الكفر إلى الإيمان.. الكفر المطلق بالمواطن المصرى الذى ارتكن إلى الفساد والرشوة واطمأن لفكرة السير فى ضل الحيط، والإيمان المطلق بأن المصرى هو الكائن البشرى الوحيد الذى لا يمكن تقييمه بالدراسات والإحصائيات، أو تصريحات الخبراء النفسيين. المواطن المصرى ليس كمثله مواطن، يفاجئك حينما لا تتوقع منه أى مفاجآت، ويدهشك حينما لا ترى منه أى بادرة على فعل ذلك.
فى العام الماضى ولد يحيى، ووقتها كتبت له رسالة اعتذار أخبرته فيها بمدى أسفى عن المساهمة فى إيجاده بهذا الوطن الذى لا يحكمه سوى شخص واحد يتحول بعد سنوات من الحكم إلى إله تنتشر صوره فى الميادين والصحف، وتأسفت له على إيجاده فى ذلك الوطن الذى لا يعترف بتكافؤ الفرص، كتبت الاعتذار ووضعته لكى يكون جاهزا لوضعه فى وجه يحيى حينما يكبر ويكتشف الواقع المؤلم. لم أكن أتخيل أننى سأمزق هذا الاعتذار قبل أن يحتفل يحيى بعيد ميلاده الأول بعد أسبوع من تنحى الرئيس مبارك وزوال حكمه للأبد، ولم أكن أتخيل ولو للحظة أننى سأحكى له قصة زحزحة كرسى السلطة من أسفل مقعدة الرئيس.
الآن فقط لن أخاف من يحيى حينما يكبر، ولن أخاف من سنوات العمر القادمة.. الآن أملك من القصص والمشاهد مايمكن أن أحكيه لهذا الطفل إذا سألنى فى لحظة عن فائدة وجودى فى هذا الوطن؟
سوف أحكى له عن مصر الأخرى التى لم أكن أعرفها حينما تجلت فى 25يناير، وتألقت ونورت طوال الأيام الثمانية عشر فيما بعد ذلك، سأحكى له عن الآلاف الذين تحولوا فجأة إلى إخوة ينامون على نفس الأرض، سأحكى له عن جسدى الذى جعلت منه درعا بشريا لحماية المتحف المصرى وآثاره من السرقة والنهب، وعن أشياء أخرى كثيرة اكتشفتها فى والده حينما كانت سماء ميدان التحرير تمطر حجارة أثناء معركة «الجمل»، سأخبره أيضا عن الجيران الذين عادوا للابتسام فى وجوه بعضهم، وعن الكرامة التى أنارت ملامح الوجوه المصرية بعد أن كانت كئيبة و«كشرة»، سأخبره عن عظمة أداء الشباب فى معركة كوبرى قصر النيل يوم «جمعة الغضب»، وعن آثار الخرطوش الذى أصاب منطقة حساسة فى جسدى خجلت من علاجها فى الشارع على مرأى ومسمع من متظاهرين التفوا حولى خوفا وسخرية.
محمد الدسوقى رشدى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة