حينما يقول لك أحدهم أن «فى الليلة الظلماء يفتقد البدر» فلا تعتقد أنه مجرد شعر تتناقله الألسن، ففى ليلة حالكة من الليالى الكثيرة المظلمة التى مضى عهدها، كان ثمة قمر ينير منطقة وسط البلد فى القاهرة، قمر صغير لا يزيد طوله عن 120 سنتيمترا، لكنه يحمل بداخله قلبا لا تحتمل المقاييس الذرية أن تعبر عن الطاقة الكامنة بداخله، فلن تصدق أن هاتين الذراعين الرقيقتين تستطيعان أن تحملا ألف شهيد ومصاب، دون أن تكل، لن تتصور أن هذى الأكف الصغيرة تستطيع أن تلقى أحجارا وطوبا يكفى لهزيمة أجساد الخائنين الذين سكنت البلطجة فى عقولهم، لن تصدق أن هذا الصدر يحمل بداخله قلبا يحب مصر بقدر ما أحبها جميع الشعراء، ويكره الظلم أكثر مما يكرهه ذوو العدل.
فى ليلة الأربعاء الحزينة، بعد ما سمى بموقعة «الجحش» وجدت صوته على التليفون وهو يصرخ «خيانة.. بلطجية الوطنى سدوا مداخل ميدان التحرير وبيهاجموا المتظاهرين بالمولوتوف والرصاص الحى» فكانت أنفاسه المتلاحقة كفيلة بأن تنقل لك الإحساس بمرارة الغدر من أبناء الوطن الواحد، وحماسة الجندى الذى يدافع عن قضيته وأرضه وعرضه وفكرته لآخر قطرة دماء فى عروقه وآخر نظرة حياة فى عينيه، حينها وصل الكابوس لذروته وبلغت مرارة التخزين قمتها، كما بلغت لغة التآمر وتلميحات التشويه آخر محطاتها، بعد خطاب السيد الذى كان رئيسا، حينها قلت له وأنا أعرف أننى هزمت خوفى عليه وحرضته على التماسك «اصمد يا صديقى فلو انهزمتم الآن لفسدت الثورة».. وفى نهاية الليلة جاءنى صوته فرحا مليئا بالانتصار «لقد هزمناهم يا صديقى واستطعنا السيطرة على شارع طلعت حرب وأوشكنا على استعادة مدخل طلعت حرب».
عند هذه اللحظة تيقنت فقط أن هذه الثورة ستنجح وتكتسح أمامها كل الأكاذيب التى تعيش فيها مصر منذ أعوام طويلة فهذا الشاب الصغير عاشق حتى رأسه وغارق فى الوطنية حتى أذنيه، فكيف لنظام يتداعى وديكتاتورية تهتز أن تهزم عشقا بهذا الثبات ووطنية بهذا العمق..فيا صديقى محمد البديوى تستطيع الآن أن تقول شعرا رومانسيا دون أن تشعر بالحرج.. وشكرا لأنك علمتنا الوطنية فى وقت حاول فيه كثيرون أن يتعلموا الخيانة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة