سليمان الحكيم

تضليل الحاكم وتدليله

الخميس، 03 فبراير 2011 05:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى واحدة من مسرحياته يتخيل الكاتب السورى الراحل سعد الله ونوس إن انقلابا قد وقع بإحدى الدول العربية، وبعد استقرار الأمور فى يد الحكام الجدد، قاموا بمحاكمة رموز النظام المخلوع واحدا بعد الآخر، وحين جاء الدور على وزير الإعلام سأل المحققين عن السبب فى محاكمته فجاءه الرد بأنه كان وزير الإعلام فى نظام الديكتاتور المخلوع الذى كان يقوم بعملية تسويقه لدى الجماهير والترويج لسياساته، بممارسة التضليل والكذب عبر أجهزة الإعلام والصحف، كما كان يدافع عنه بالباطل لتصويره لدى الناس على غير حقيقته .. فرد عليهم وزير الإعلام بأنه إذا كان قد فعل ذلك فهو يستحق المكافأة وليس العقوبة ... فلولا ما قام به ما كان الناس قد كرهوه وتمنوازوال حكمه، وإذا كان هذا الانقلاب قد نجح فى إزاحة هذا الديكتاتور عن السلطة فالفضل يرجع فى ذلك إليه كوزير للإعلام وإلى سياساته الإعلامية التى تسببت فى كراهية الجماهير للنظام المخلوع وتمنى سقوطه والخروج لتأييد الحكام الجدد!

يريد سعد الله ونوس أن يقول إن ما يعتقد الديكتاتور أن فيه مصلحته من سياسات وممارسات هو فى واقع الأمر على العكس من ذلك، فإذا اعتقد مثلا أن القبضة الأمنية المستحكمة ، وكبت الحريات وخنق الأصوات، وتزوير الانتخابات فى صالحه أو فى خدمة الاستقرار الذى ينشده لنظام حكمه، فهو الوهم بعينه لأن ذلك كله من الأسباب الرئيسية للاحتقان الشعبى وململة الجماهير وشعورها بالظلم الذى يولد لديها مشاعر الغضب والرغبة فى التغيير وطلب الإصلاح .

وإذا نظرنا إلى ما حدث فى تونس أو فى أى بلد آخر يماثله لن نجد الأمر مختلفا عما صوره سعد الله ونوس فى مسرحيته، فقد ظلت أجهزة الإعلام التونسية طوال عقدين من الزمان أمضاهما زين العابدين بن على فى الحكم تحرق البخور لنظامه وتنفخ فى الأبواق ترويجا لسياساته وتجميلا لممارساته التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فهو الزعيم الملهم والمحنك صاحب ثورة الإنقاذ والتصحيح، وهو الذى وضع تونس على خريطة العالم بعد أن كانت دولة تحتل مكانها على الهامش منها، وهو صاحب المعجزة التونسية التى بلورها فى مشروعات اقتصادية فى مجالات السياحة والصناعة والبنية التحتية وفى نظام تعليم يتسم بالحداثة .. باختصار هو تونس الحديثة . وتونس الحديثة توحدت فى شخصه.

هكذا حاول الإعلام الذى كان يسيطر عليه بن على ونظامه أن يرسم صورة لتونس غير الصورة التى يكابدها الناس فى حياتهم العادية من بطالة وفساد وظلم واختناق، إلى آخر ما كان يعانيه المواطن التونسى من شظف فى حياته المعيشية.

ولعل المسافة الكبيرة التى تفصل بين تونس وبن على فى الإعلام الرسمى وتلك الصورة فى الواقع المعاش، هى المساحة التى تقدم إليها المواطن التونسى ليشغلها بكل مشاعر الغضب والحنق والرغبة فى التغيير والإصلاح.

وكلما كان الإعلام الحكومى يتقدم فى تصوير الأوضاع بوردية زائدة عن الحد كان المواطن يتقدم بدوره لملء الفراغ خلفه بالمزيد من الغضب والرغبة فى الثورة، حتى جاء الموعد وحان الوقت حين أصبحت الأكاذيب والأضاليل أكبر من قدرة المواطن على احتمالها، فسقط النظام التونسى وسقطت رموزه تحت أقدام الجماهير الزاحفة نحو الخلاص، فأسقطت فى طريقها كل ألوان الزيف والخداع فوجد الجميع أنفسهم وجها لوجه مع الحقيقة، التى لخصها زين العابدين بن على فى كلمتين قالهما فى لحظته الأخيرة "لقد ضللوني" .. وإذا كانت الصحافة وأجهزة الإعلام التونسية قد نجحت فى تضليل ابن على فإنها لن تنجح فى تضليل الشعب ، وما حدث هو خير دليل على ذلك.

ترى هل يستحق وزير الإعلام التونسى وصحفيو السلطة المكافأة على ما قاموا به.. أم يستحقون العقاب ؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة