◄◄ عم حسين يخاف أن يأتى يوم لا يجد فيه ما يطعم به طفلته شيماء
عم حسين بائع طماطم على عربة يد فى سوق المنيرة بإمبابة، يشترى 10 أقفاص طماطم يومياً ويبيعها لينفق من المكسب على زوجته وأبنائه الأربعة.
عم حسين أشهر بائع طماطم فى سوق المنيرة، ليس لأنه الأكبر تجارة أو الأحلى طماطم أو صاحب الموقع الأميز، ولكن لأنه لا يصمت غالبا، فهو طوال يرفع صوته الجهورى إما بالنداء على طماطمه المجنونة أو بمعاكسة زبوناته معاكسة دمها خفيف، حتى لو كان زوج الزبونة معها، أو بالهزار مع جيرانه وزملائه البائعين، وخصوصا سيد فتلة بائع الشاى.
عم حسين يوم 25 يناير كان يبيع الطماطم فى سوق المنيرة ككل أيام حياته، وحين انتهت الطماطم ورجع إلى البيت لم يشعر بشىء مختلف، وفى يوم 28 يناير فى جمعة الغضب لم يتأخر عم حسين عن نصب بضاعته كما يفعل كل صباح، لكن الأجواء كانت لا تنذر بخير، وبعد صلاة الجمعة مباشرة غطى كل الباعة بضائعهم وأغلقوا السوق ورجعوا إلى بيوتهم.
لأول مرة ظل عم حسين صامتاً طوال اليوم، وإذا ناداه أحد لا يرد، لم يكن يستوعب شيئاً مما يحدث.
أمضى عم حسين ثلاثة أيام فى بيته لا يخرج، وحين خرج وجد أن طماطمه تعرضت لأعمال سلب ونهب وتخريب، وهى كل رأس ماله ومهنته.
عم حسين لم يكره الثورة رغم الخسارة، لأنه فكر فى ابنته الصغيرة شيماء ذات الأعوام الثلاثة وتوقع أن يمر الأمر سريعاً، وأن تكبر وتدخل المدرسة فتتعلم تعليماً محترماً، لأن عم حسين ليست لديه نقطة سوداء تضايقه فى حياته سوى أنه أخرج ابنته الكبرى رباب من التعليم وهى فى رابعة ابتدائى.
عم حسين بعد تنحى مبارك سافر البلد واقترض من أخيه الأكبر ثلاثة آلاف جنيه حتى يقف على رجليه مرة أخرى، واشترى طماطمه من جديد، ووقف فى السوق ينادى ويمزح مع المارة ويقول: «أنا أحسن من حسنى مبارك، واقف ببيع أوطة بكرامتى، لكن أبوعلاء اطرد طردة الإنجليز».
عم حسين انهمك فى شراء الطماطم وبيع الطماطم، وكملايين المصريين البسطاء يرى أنه «كفاية ثورة بقى، ونسيب البلد تمشى»، لأنه يخاف جداً أن يأتى يوم لا يجد فيه ما يطعمه لشيماء الصغيرة، فطعامها اليومى أهم بكثير لديه من مدرستها المستقبلية.
عم حسين لعب دوراً مهماً فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حين أعطاه سيد فتلة القهوجى مجموعة أوراق أخذها من شيخ سلفى شاب تدعو لقول «نعم» فى التعديلات، عم حسين وزع الأوراق على كل من كان يشترى منه، وهو ينصحهم: «قولوا نعم عشان الإسلام ينتصر، قولوا نعم عشان ربنا بيقول لنا قولوا نعم».
عم حسين فى النهاية لم يذهب إلى الاستفتاء لأن الطابور كان طويلاً، ولم يجد من يقف مكانه على عربة الطماطم حتى يغمس إصبعه فى الحبر الفوسفورى ويقول «نعم».
عم حسين تراجع تماماً عن موقفه المؤيد لنعم، حين أخبرته أن الموضوع لا علاقة له بالدين، وأن احتمالات عودة «الوطنى» وسيطرة «الإخوان» على البرلمان القادم هى أقرب وأوضح نتائج «نعم»، وقتها خاف عم حسين على طعام شيماء ومدرستها معا، وقال: «يبقى الحمد لله إنى مرحتش إديت صوتى»، ثم أضاف: «بس بقول لك إيه يا أستاذ، الطماطم دلوقتى بقت بـ8 جنيه وكل الخضار سعره رفع فى السما، عاوزين نعمل حاجة ترجع الأسعار زى ما كانت، أو حتى ترخص أكتر مادام الحرامية الكبار اتحبسوا، اتصرفوا يا أستاذ لحسن أنا خايف الناس ترجع تصرخ وتقول: فين أيامك يا أبوعلاء!»
حتى لا يصرخ عم حسين بائع الطماطم: فين أيامك يا أبوعلاء؟
الخميس، 31 مارس 2011 09:16 م
أسعار السلع.. المعادلة الصعبة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة