بعد يناير، حل الشارع المصرى نفسه من الأحزاب، بينما الأحزاب لم تحل نفسها، رغم أن الوقت قد أزف.
لا الأحزاب أحزاب، ولا كان لها رصيد عند الناس، لا قبل يناير، ولا بعده رغم ذلك، فإن محاولاتهم مستمرة فى استمالة الحشود بالشارع ، على أمل، مع أنه لا أمل.
المفارقة كانت دخول أحزاب " المناضلين " بعد يناير ، منعطفا شاركها فيه شخصيات ركبت على الموجة ، ودلدلت أقدامها .. فقدمت نفسها بالتى مهدت للثورة ، إن لم تكن هى الثورة .. لكن لا صور ذهنية تفرض على الشارع غصب واقتدار، ومئات الأراجوزات الذين ملئوا أرصفة الشوارع بعد يناير.. لا يضحكون أحد.
السؤال: لماذا مل الشارع الأحزاب ؟ الإجابة : لأنه مل الضحك على الدقون . ثم إن الأحزاب نفسها كانت قد سئمت الشارع قبل يناير، وزاد انفصالها بعده عن الشارع دون أن تصارح نفسها.. مع أنه آن الأوان.
وحزب "الوسط" الذى دخل النادى مؤخرا لا أمل فيه . الوسط أشهر بعد معركة قانونية ،أعادت الأمور لنصابها من الناحية الشكلية ، لكن انتصاره بالقانون ، لا يصبغ عليه بالضرورة صفة المدعوم الشعبى.
تحصل " الوسط الجديد " على الشكل الشرعى ، وهو حق ، لكن بيان شرعيته فى الشارع ليس ظاهرا حتى الآن .. ولا متوقعا .
هو مثله مثل باقى الأحزاب ، لا أثر له فى الأزقة والحوارى وعلى المقاهى البلدى حسب ما تقتضى قواعد السياسة . الفارق الوحيد أن الوسط "حزب بشرطة"، أو هو قديم ارتدى ثوبا جديدا فى العيد.
ثم إن الذين قالوا إن الوسط حزب "مستقلين" كذابون، ضحكوا هم الآخرين على مزيدا من الذقون.
فلا "الوسط " مستقلا.. ولا جديدا ، ولا إخوانه مختلفين، أعضائه يعملون منذ عام ٩٦، ناهيك على أنه لم يصف "الإخوان المسلمين" بالمستقلين سوى اثنين ، الإخوان .. ومحمد الصاوى وزير الثقافة السابق.
أحداث الناصرى والتجمع الداخلية، ومحاولات الوفد والجبهة والجيل والسلام ومصر 2000 لتغيير الاتجاه، أو النجاة، كلها حلاوة روح ، فقد تساوت المعارضة الصغيرة ، والمعارضة الكبيرة فى نفاذ الرصيد . نفذ رصيدهم ، بينما الشارع جائع لأحزاب.
وفى الناصرى ، فلا ثابت فيه إلا صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على حوائط الغرف، وفى صالونات المقرات .. بينما لا زال الناصريون مصرون على التعاطى مع الأحداث "من فوق".
رغم التغيرات الشديدة ، والتحولات الخطيرة لم تزل القيادات الناصرية مصرة على حوارها مع القوى السياسية من منطلق مسئولية السادات عن هزيمة ١٩٦٧، مع انه تولى الرئاسة عام 71 ، وإن عبد الناصر هو سبب انتصار أكتوبر 73 مع انه مات عام 1970.
وفى الوفد ، لا يكفى الشكل الحزبى وحده ، بينما لم تفلح محاولات " الجبهة" حتى الآن فى لملمة نفسه من بين الجمعية الوطنية للتغيير وما بين جبهة دعم "البرادعى" .. والذى يبدو أن الجبهة لن ينجح .
سقوط الحزب الوطنى ، لن تفلح معه محاولات إنعاش قلبه بالضغط على الصدر ، ولا حتى بالاف القبلات فى الفم . كله لن يجدى ، مثلما لن يجدى أيضا شق الحنجرة ووضع الأنابيب فى القصبة الهوائية مباشرة أملا فى إنقاذ متوفى.
ما المطلوب إذا؟ المطلوب ثورة الأحزاب على نفسها ، بنفسها ، فتتوقف عما تسميه سياسة ، وهو ليس كذلك . واجبها الان قطع دابرها بسكينها ، قبل أن تعيد تشكيل سياسى جديد اعتمادا على قواعد الشارع ، لا انطلاقا من غرفا مغلقة تستمد معرفتها من شاشات التلفزيون.. وقراءة المجلات.
لا خوف على الحركة الحزبية، وفى الوقت نفسه .. لا بشائر، فليست من توقعات بالطيب أو بالرضى، الخوف الوحيد الحالى من حزب "المطالب الفئوية " ، الظاهر الوحيد فى الشارع بعد يناير . حزب " المطالب " أكثر الأحزاب شعبية الآن، أصحابه لا يعلمون أنهم ليسوا ساسة ، ويشتغلون بالسياسة .
حزب " المطالب " دافع اساسى لهاوية ربما لا يستوعبها بعضنا .. ولا يصدق فيها آخرين . وهو التهديد الأهم فى الطريق لا ضعاف تداعيات يناير ، ومكاسب مفترضة بعد يناير ، حتى لو رأى البعض أن فى هذا التحليل ملمح من نظريات الفلول والاذناب . فلا فلول ولا أذناب ، أو على الأقل هناك من يحمل الحديث عن الفلول والأذناب أكثر مما ينبغى.
على حزب "المطالب " أن يحل نفسه هو الآخر، فالفارق بين المطالب المشروعة والفوضى لم يزل غائما فى الشارع . بينما لم يرتفع لدى كثير منا اليقين حتى الآن ، بأن يناير لا يعنى فقط ارتفاعا فى الأجور أو زيادة فى الحوافز مع .. إقالة المدير!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة