عبدالرحمن الأبنودى: المستقبل مخيف.. وعلى الثوار أن يتحدوا فى مواجهة التيارات الدينية المتطرفة.. وعيب أن يصبح من حررونا من الطاغية سجناء لـ«الفيس بوك»

الخميس، 21 أبريل 2011 11:39 م
عبدالرحمن الأبنودى:  المستقبل مخيف.. وعلى الثوار أن يتحدوا فى مواجهة التيارات الدينية المتطرفة.. وعيب أن يصبح من حررونا من الطاغية سجناء لـ«الفيس بوك» عبدالرحمن الأبنودى
حوار- وائل السمرى - تصوير: عمرو دياب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ لن أنتخب عمرو موسى لأنه صورة طبق الأصل من مبارك.. والبرادعى لديه وعى سياسى كبير ولا يعيبه أنه عاش بأوروبا كثيراً
◄◄ حمدين صباحى.. يتمتع بمكانة كبيرة وعليه أن يتجه إلى حيث الجماهير.. وهشام بسطويسى رجل محترم لكنى كلما حدثت أحداً بشأنه قال لى: مين ده؟
◄◄ مبارك كان يتصل بى فى مرضى ويسألنى عن سبب المرض فأرد: «السن له أحكام».. فيفزع قائلا: «سن إيه وبتاع إيه إحنا مكبرناش»
◄◄ أحيى المجلس العسكرى على مواقفه المحترمة ومتفائل بحكومة شرف وتوجهها إلى أفريقيا ورجال النظام السابق تركوا عمقنا الإستراتيجى لأنهم كانوا مشغولين بسرقة الشعب

حينما «عدى النهار» كان حاضرا، ينير ليلنا ويهدهد أيامنا لتأمن وتطمئن، وحينما كانت «المغربية جاية بتتخفى ورا ضهر الشجر» أحضر قمر شعره ليهدينا ويرشدنا إلى السكة بعد أن شالوا من «ليالينا القمر» كان صوتا فردا شدا بعد نكسة 67 ليبشرنا قائلا: إحنا بلدنا للنهار.. بتحب موال النهار، لما يعدى فى الدروب ويغنى قدام كل دار» هو شاعر حقيقى يرى النور فى عز العتمة، ويفزع من السوس وهو ينخر فى قلب الشجر، «يغرف» من قلبه الصافى، وينثر على محبيه ومتابعيه، من حين لآخر يتصل بى يسألنى فأسأله، ويجيب عنى وعنه، علاقته العجيبة بمصر وتاريخها وشعبها، جعلتنى أستشيره فى كل فترة، فيما يستجد من أحداث، وحينما يسود الضباب ويعم ويفقد الجميع البوصلة ترى الأبنودى يعرف ويدل ويرشد.

فى السادس والعشرين من يناير اتصلت به لأحكى له عما حدث فى مساء الخامس والعشرين فوجدته متألما وحزينا ومنكسرا وصاخبا، من شدة انفعاله تخيلت أنه كان معنا بالأمس، ونال ما نلنا من ضرب وسحل واعتقال، قال لى والله لولا المرض لكنت جيت معاكو، فاستأذنته فى أن أنشر رأيه فيما حدث وأن يوجه كلمة للشباب والنظام الذى أصبح فيما بعد بائدا فقال لى بس كده؟ استنى اكتب ورايا، فكتبت: يا أيها الشباب أنتم أمل هذا البلد العظيم، والتجارب أثبتت أن الشباب إذا ما انتفضوا لا يعودون إلى منازلهم إلا ليستريحوا أو ليناموا ساعة ثم يعودون إلى واجبهم الوطنى، ويجب أن تنتبه الدولة لخطورة ما صنعته سابقا بشعبها وما تصنعه الآن بشباب مصر الطاهرين، فهؤلاء الشباب الذى حوصروا وضربوا واعتقلوا وأصيبوا وماتوا لم يذنبوا فى شىء، وكل همهم أن يروا بلدهم فى أحسن حال.

مش قادر أستنى
قال الأبنودى ما اعتبره الكثيرون تحريضا مباشرا على الاستمرار فى الثورة، وكان سباقا فى تأييدها ومناصرتها من اللحظة الأولى محذرا النظام من نفاد صلاحية اتهاماتهم للشباب بالعمالة والخيانة، قائلا فى نهاية الحديث فيما يشبه النبوءة: الشارع فى النهاية لأصحابه وأصحابه هم شباب مصر الطاهرون، وأثناء اشتعال الثورة وانقطاع الإنترنت، كان الأبنودى يحدثنى عبر التليفون ليعرف التفاصيل من أرض الواقع لأنه كما قال مش قادر أستنى أشوفها فى التليفزيون، وفى يوم السبت الذى أعقب جمعة الغضب هاتفته وأنا تقريبا شبه منهار مما حدث من انفلات أمنى وتهريب مسجونين وانتشار الحرائق فى كل مكان فقال لى وقتها ليطمئننى: لا تخف فكل هذه تمثيليات معروفة وهكذا دائما حال الثورات، وقال جملته التى كنت أرددها طوال أيام الثورة: سيب البلد تطلع أوسخ ما عندها عشان لما تنضف تنضف بجد، وحينما انشغلت عنه بتعاقب الأحداث وانشقاق الناس بعد خطاب مبارك الثانى وما تبعه من موقعة الجمل وجدته فى التليفزيون يهدى قصيدته «الميدان» لشباب التحرير، وهكذا كان الأبنودى أحد أكبر المساهمين فى الثورة بقلبه ورؤيته وشعره ووجدانه، فلما صدر قرار حبس مبارك، اتصلت به قائلا: مينفعش تليفونات بقى إحنا لازم نتقابل فرد: البيت بيتك تعالى فى أى وقت.
سألته : كلامك قبل الثورة يتعدى فكرة النبوءة، فكيف كنت ترى كل هذه الأحداث، خاصة أنه كان معروفا أن الشعب المصرى لا يثور ويصبر على جار السو يا إما يرحل يا إما تجيله مصيبة؟ فقال: التنبؤ نوعان الأول يأتى بناء على القوانين الجاهزة، كفانا الله شرها، والثانى يكون نتيجة من الالتصاق بالوطن والشعور به وكأنه فى مقام قلبك أو عقلك، إذا ما تألم تألمت، وإذا فكر نفذت، وتأكيدى قبل اتضاح معالم الثورة أن هذه المظاهرات ستكون فارقة فى تاريخ مصر أتى من متابعتى الدائمة لكل الأحداث فى مصر، فأنا أنام وأصحو على أخبار هذا الوطن ولمحت من جزئيات بسيطة متناثرة فى الواقع أن الأمور غير عادية، وهذا ناتج من تمرسى للشعر فالشعر هو الذى يلملم العادى ليفاجئك فى النهاية بما هو غير عادى، وحينما حدثتنى وقلت لك ما قلت لم أكن ألقى كلاما على عواهنه، وكنت أرى نهايتهم رأى العين، وكنت أعرف أن مظاهراتكم هى بداية النهاية.
الوضع فى المستقبل مخيف، فالثورة سرقت لكن الفرصة مازالت قائمة لاستردادها، هذا ما يراه الأبنودى مؤكدا أن السبيل الوحيد للخلاص هو: التحام كل الكيانات الثورية الوطنية المخلصة فى مواجهة التيارات الدينية المتطرفة التى تسعى للاستيلاء على مصر فى هذه الفترة الحرجة من التاريخ مستغلين جهل البسطاء وحبهم للدين الذى يقدمونه بما يتماشى مع مصالحهم، ويرهبون الناس من مخالفتهم مبشرينهم بعذاب أليم، وهذا طبعا كذب وتحايل على الدين، فيجب على كل فرقة من الثوار الحقيقيين أن تبادر فى البحث عن الفرقة الأخرى والاتحاد معها لأنه «مفيش وقت» وأوصيكم بعدم تضييق النظرة وتخيل أن القاهرة هى كل شىء، فهناك هيمنة كبيرة لهؤلاء المتطرفين خارج القاهرة مستغلين قلة أعداد المتعلمين، وابتعاد الناس عن وسائل الإعلام الحديثة مثل الإنترنت والفيس بوك، فيجب أن يتكاتف الجميع وألا يقعوا فى الأخطاء القديمة التى وقعنا فيها فى شبابنا حينما كان كل أربعة يشكلون تنظيما مستقلا، فأُكلنا كلنا دفعة واحدة، وأطالب شباب مصر أن يستمروا فى مطالباتهم ومظاهراتهم حتى يحصلوا على كل ما يطالبون به، وألا ينتظروا أحكام القضاء لأن قانون الثورة أكثر حسما وسرعة فى تحقيق المطالب، ومع احترامى الكبير للمجلس العسكرى وفخرى بهم وتحيتى لهم، إلا أننى أرى أن التربية العسكرية تختلف عن الروح الثورية، فالثوار يحكمهم الدفق والنبض المتسارع والصواب والخطأ، أما العسكريون فمن شيمهم أن يدرسوا ويحللوا ويختبروا ثم يتخذوا القرار، وميزة الثورة أن الذين قاموا بها بشر طبيعيون، ولهذا لابد أن يحافظ شباب الثورة على حيويتهم، وأن يختاروا من يتحدث باسمهم أو من يمثلهم بالشكل الذى لا يسىء إليهم، ولازم الناس تحبنا، وتعرف أننا بشر وإنسانيون، ونجاح الثورة جاء لأن الناس أحبت «بتوع التحرير» بإفيهاتهم وحركاتهم ورسوماتهم وضحكهم حتى فى أحلك الأوقات وأقصاها، فهذه ثورة شديدة الإنسانية فلازم الناس تحبكوا عشان تكره المتزمتين المتربصين بالثورة، فثورتنا رقصة محبة إنسانية كبيرة لا يلزم فيها أحد أحدا ولا يملك أحد أن يعاقب أحدا، وبالتالى حين قمنا بالثورة لم يكن لنا من يفرقنا أو يجمعنا إلا الفكرة، ولذلك أصبحنا نتسول مطالبنا وتأتى حكومة وتذهب حكومة حتى أكرمنا الله برجل شريف مثل شرف وقيادة صادقة مثل المجلس العسكرى، لكن ماذا بعد؟ جارى الفلاح لا يفهم الثورة إذا لم تغير له الوجوه فى الجمعية الزراعية لأن موظفيها هم حكامه الحقيقيون، وما عدا ذلك فهو لا يفهمه؛ لذلك وجب الغوص فى المجتمع، ووجب علينا اكتشاف الواقع والخروج من شققنا ومن ميدان التحرير أيضًا. يجب أن نلتصق بالبشر الحقيقيين وأن نزحف بهم إلى أهدافهم، فعيب على شبابنا الذين حررونا من الطاغية أن يصبحوا سجناء للفيس بوك، والشعب «التحتى» معذور فى عدم فهمه للثورة لأنه فى العصر البائد لم يلتق شريفًا واحدًا يرفض الرشوة أو ينصحه بصدق، أو يترك مطرحه ليلبى له خدمة، فكيف نريد منه أن يزحف معنا نحو مستقبل لا يعرف عنه شيئًا ولا يستوعبه فى ظل سيطرة إعلام مصر المريض المخادع والكاذب على رأسه من ناحية وشيخ الجامع الذى يملك أن يرهبه من الآخرة وعذاب القبر، ويحرضه ضد الثائرين ويشككه فى نواياهم من ناحية أخرى.
عن الثورات العربية يقول: أرشح اليمن لأن تكون التالية فى البلدان العربية المحررة من الاستعمار الداخلى، هذا ما قاله الأبنودى متوقعا أن تنضم اليمن قريبا لنادى العرب الأحرار، وقال «إخوانا اليمنيين شادين حيلهم أوى»، أما فى ليبيا فألمح خيوطا لتآمر الغرب على الشعب الليبى وأشعر أن أوربا وأمريكا باعت ثوار ليبيا وعقدت ما يشبه الصفقات السرية مع نظام القذافى ضد الثوار وهذا ما يفسر موقف الناتو المتذبذب من حماية الثوار ومساعدتهم، ولهذا أرى أن ليبيا بها مشكلات، فالناتو «بعد ما نزلو جامد» انتابتهم حالة من التراجع المريب، وقلبى مع كل المنتفضين فى اليمن وسوريا وليبيا، لكنى فخور بالثورة التونسية وسعيد بها كثيرا، وفرحتى بها لأنه لم يكن أحد يتوقعها، لكنى أحذر الشباب المصرى والعربى من أن تقطع قوى الشر العالمية وفيها الصهيونية الطريق على ثوراتنا.

والنبى مش عيب
يرثى الأبنودى لحال الأغنية الآن، خاصة الأغانى التى صنعها البعض بعد الثورة، ويقول والنبى مش عيب أن فيه أغنية تقول إن شهداء 25 يناير ماتوا فى 25 يناير، أمال يعنى عايزهم يموتوا فين، فى ديسمبر يا أخويا، لكنه يبرر ذلك بأن معظم المغنين غرقوا فى الأغانى الاستهلاكية وحينما جاءتهم الثورة وهم بلا وجهات نظر ولا معرفة سياسية لم يدروا ماذا يفعلون، فمثلا عمرو دياب مفاتش على غناه لعلاء وجمال مبارك شهور، فعايزه والنبى يغنى للثورة ويقول إيه، وهذا ما يعطيك دلالة غاية فى الأهمية، وهى أن المعظم ليسوا صادقين فى فنهم، وعليك أن تنظر إلى الأغانى القديمة وجرعة الصدق بها، فقد كنت ترى مصر فى كل الأغانى التى نكتبها ونلحنها، لذلك حينما كتبنا عن الثورة كان الأمر سهلا، لأنه كان فيه قيم، وكان حتى حينما يذكر الشاعر اسم عبد الناصر فى أغنية أو يذكر محاسنه كان صادقا والدليل أن عبدالناصر بعث حيا فى التحرير، وصوره ارتفعت وأغانيه كانت هى الأغانى التى يرددها الشباب، والتى تصف إنجازات الثورة وتمجدها بما لها من عمق وأثر فى الداخل والخارج، وأنا أرى أنه آن الآوان لمصر أن تسترد مكانتها الضائعة فمصر لم تحقق هذه المكانة بالأونطة، فعبد الناصر أسهم فى كل الثورات برغم فقرنا وقتها لكننا كنا أغنياء بعطائنا، وحتى الآن نحن لم نهن بما نستحق على انسحابنا وتخاذلنا فى القضايا العربية، لأن ثمة إنسانا حكمنا فى يوم اسمه عبد الناصر ولولاه لبطش بنا الجميع، وأنا متفائل بحكومة شرف والثورة ووعيها فى التوجه إلى أفريقيا وإلى السودان، وهو ما ترك أثرا كبيرا فى نفوس هؤلاء الجيران، وأناشد الدكتور شرف والمجلس العسكرى ومن سيأتى بعدهم أن يستعيدوا هذا الدور الذى فقدناه، فلم يكن حكامنا فى السابق ليشغلوا بالهم بعمقنا الإستراتيجى لأنهم كانوا مشغولين بسرقة شعبهم ونهب ثروات مصر وتهريبها.

من يصلح؟
سألته: فى وسط كل هذا الزخم من مرشحى الرئاسة من تراه يصلح لقيادة مصر فى المرحلة المقبلة، فقال ضاحكا: أنا كل يوم واحد يكلمنى ويقولى خلى بالك معايا عشان أنا مترشح للرياسة، ولما حد يسألنى هتنتخب مين أقوله أى حد بشرط أنه ميكونش منوفى، لأننا جربناهم مرتين وكان أنيل من النيلة، فكررت عليه السؤال مرة أخرى فقال: يا سيدنا سيبنا نهزر شوية، أنت مضايق نفسك ليه، خلاص يا سيدى هقولك، أنا مش هنتخب عمرو موسى أبدا لأنه صورة طبق الأصل من مبارك، وأحد رجاله وفيه كل مساوئه، وبعدين مينفعش بعد 25 يناير أن نفكر فى شخصيات من النوعية دى، أما البرادعى فهو رجل على وعى سياسى كبير وطيب الخلق ولديه خلفية سياسية رائعة، ولا يعيبه أنه عاش بأوربا كثيرا، وإن كان يعيب عليه بعض الناس أنه ليس على علاقة حميمية بالمجتمع المصرى نتيجة إقامته بأوربا كثيرا، فمن الممكن أن يستعين بمستشارين ووزراء ينفذون سياسته ويكونون قريبين من المجتمع المصرى ويعرفونه بالشكل المناسب.
أما حمدين صباحى فهو صديقى ويتمتع بمكانة كبيرة عندى، فهو إنسان مشهور فى مناطقه وفى أوساط المثقفين والسياسيين وبين أهل دائرته، لكنى لا أظن أن الناس فى القرى والنجوع سيخرجون من بيوتهم لينتخبوا حمدين، إلا لو بدأ منذ اليوم فى السعى إليهم بنفسه فى كل شبر فى مصر من أقصاها إلى أقصاها، عليه من الآن ألا يضيع وقتا وأن يتجه إلى حيث الجماهير، أما هشام بسطويسى فهو رجل فاضل ومحترم وصاحب فكر موزون ومعتدل، ولكنى كل ما أحدث أحدا بشأنه من بلدنا يقول لى: مين ده؟
أسأله عن مبارك الذى عرفه عن قرب من خلال بعض اللقاءات التى جمعت بينهما فيقول: لم يتسن لى معرفته عن قرب فلقاءاتى به كانت معدودة، مرة فى منزله ومرة فى رئاسة الجمهورية ومرتين فى معرض الكتاب ولم أحضر اللقاء الأخير، لكن كان يهاتفنى كلما أمرض، وكنت أخطئ كل مرة يكلمنى فيها ويسألنى عن سبب مرضى فيقول لى: ومالك بقى فيك إيه؟ فأرد بعفوية: والله السن له أحكام يا ريس وإحنا كبرنا، فيفزع ويهب فيا قائلا: أحكام إيه وبتاع إيه إحنا مكبرناش ولا حاجة، وفى كل مرة كان يسألنى نفس السؤال فأنسى أنه لا يحب الكلام عن موضوع السن ده، وأقول له «السن» فيفزع نفس الفزع، وعن سبب اقتصار مكالماته على أوقات المرض يقول الأبنودى هو كان حريصا على التحدث إلى الكثير من المشاهير فى لحظات المرض لأنه يعتقد أنها لحظات ضعف مؤثرة، فكان يبادر بالاتصال لأسر من يهاتفه والاستحواذ على امتنانه، وهذا طبعا شىء وعلاقتى بمصر شىء تانى بدليل أننى لم أتوقف عن مهاجمته ولا مهاجمة عصره وما به من فساد وانحطاط، وأريد منك أن تراجع حوارى معك منذ سنتين وقبله عشرات الحوارات والمقالات لتعرف أنى أفصل جيدا بين تعاملى مع الدولة وتعاملى مع الأشخاص الذين كانوا يمثلونها والذين عاديتهم ولاقيت من تعنتهم الكثير جراء ذلك، فأنا دائما أعتمد على الناس وأحصل منهم على قوتى، «والشعب المصرى ده مينضحكش عليه أبدا» وعن علاقته ببعض رموز النظام السابق قال: لم تكن لى علاقات شخصية بأى منهم باستثناء فاروق حسنى الذى كان صاحبى من الستينيات أى قبل أن يصبح وزيرا للثقافة بعشرين سنة، ولم أطلب منه طلبا شخصيا بدون حق أبدا، وأهو عايش ويقولك، وكل ما كنت أطلبه منه كان لبعض المثقفين الذين يعانون من المرض أو الفقر أو يعانى أولادهم بعد مماتهم من متاعب الحياة، فكنت لا أخجل من أن أطلب منه شيئا للذين يمنعهم حياؤهم من أن يعبروا عن عوزهم أو يقولوا آه فكنت أقول الآه لهم بالنيابة عنهم، والشهادة لله لم يكن يتأخر فى مثل هذه الأمور، ومع ذلك هاجمته كثيرا وكان أقربها وقت ترشحه لليونسكو واعتذاره لليهود.

الميدان
أعود به إلى قصيدة «الميدان» وكيفية كتابتها فى وقت كانت النهايات غير متوقعة فيقول: هذه القصيدة هى قصيدة البهجة الأولى، خرجت من صدرى تلقائيًا كما خرجت الثورة من ميدان التحرير بتلقائية، أى وكأنها خرجت للدنيا من تلقاء نفسها، وكتبتها بعد المشاهدات الدامية ليلة الجمعة الرهيبة، وكنا بالطبع فى أول الثورة، وحين رأيت الموقعة التاريخية وبسالة شبابنا وجدت نفسى وقد كتبت رباعيتين، وفى الصباح اصطحبت أوراقى إلى خارج البيت الريفى الذى أقيم فيه، وحافظت زوجتى كعادتها على هذا الانفراد وبعد فترة وضعت أمامى فنجان القهوة التى أحبها دون أن أشعر بقدومها، وهكذا على جدار أتخذه مكتبًا أحيانًا انطلقت قصيدة «الميدان» كأنى كنت أحفظها، وفى العادة أترك القصيدة يومين لأعود لها بعقل بارد، فإذا رضيت عنها دفعت بها للنشر، ومن دواعى فخرى أن احتفى بها الثوار حفاوتهم المعروفة، وإننى لفخور أنهم أدخلوا جزءا منها فى أغانيهم، بل يقولون إنها الآن غلفت بموسيقى جيدة وتملأ الإنترنت، برغم عدم التفات النقاد إليها.
سألته: هل تتابع حركة الشعر العامى خاصة توهجها فيما بعد الثورة وظهور أكثر من شاعر ملقب بشاعر الثورة فقال: متاخدش فى بالك من الفقاقيع اللى بتطلع دى، لكن هناك من الشعراء الذين أحبهم وأتابعهم وأنتظر إبداعاتهم شاعرا ينشر قصائده فى روزا اسمه أسامة عبد الصبور، هذا الشاعر أشعر أنه «طالع من صدرى» أشعر فيه بنفسى فى الشعر، ويحمل الكثير من «لغتى» لكنه يطورها «على جديد أوى» وبحبه، لأنه شاعر مستقل وكأنه بيكتب للهوا أو لنفسه كأنه فيض، وكمان هيثم دبور الذى أعتبره شاعر القصائد القصيرة، وأفضل ما فيه أنه اللى فى عينه على لسانه وبيشوف كويس جدا، وشعره أكبر من سنه وأكبر من حجمه، بالإضافة إلى الشاعر الجميل عمرو قطامش الذى رأيته فى المسابقة فكان قلبى بيرقص زى الحمامة عليه، لأنه واد موهوب بجد، وشاعر شديد الذكاء وأرسل رسائل سياسية كبيرة جدا فى ثوب الشعر الحلمنتيشى، وهؤلاء هم «الكويسين» اللى موجودين على ساحة شعر العامية الآن، وغير كده كلام هجايص، وعلى كلٍّ علينا أن نترك الجميع فى الطريق لأن الطريق قاس، والشعر فى النهاية يختار جنوده ورجاله فقد كنا فى الستينيات أكثر من مائتى شاعر، ولم يتبق منهم إلا من رحم ربى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة