لا العلمانيون كفرة، ولا السلفيون وحدهم أحباب الله، العلمانية اتجاه فكرى، واعتبارها لفظا مضادا للدين أمر غريب وعجيب، يشير إلى فساد التعليم فى مصر خلال الستين عاما الماضية.
التعليم وكثير من الثقافة الشعبية هى التى أدت ببعض المصطلحات فى الشارع المصرى إلى مناطق حمراء، صارت محرمة فيما بعد، فالعلمانية صارت موازية للكفر، أو هى الكفر، مع إن هذا ليس صحيحا، الثقافة الشعبية أيضا هى التى أدت إلى اعتبار السلفيين هم وحدهم أهل الله، مع إن هذا لم يكن صحيحا أيضا، فالسلفية اتجاه فكرى، يجوز أن يظهر الخطأ فى بعضه، كما يجوز أن تظهر أخطاء فى كثير من الأفكار العلمانية.
لكن العلمانية مبدأ عام، يمكن اعتباره مرادفا لمفهوم المواطنة، أو مدنية الحكم فى دولة ما، والعلمانية على هذا الأساس صيغة أشمل من صيغ الحكم، فالفكر السلفى دينى، والاتجاه العلمانى مدنى، والفكر الدينى خاص بأتباع الدين الواحد، بينما العلمانية اتجاه عام لاستيعاب كافة أبناء البلاد على اختلاف الأديان، واختلاف الاتجاهات الفكرية، لم يقل أحد أن الحكومة العلمانية هى بالضرورة حكومة كافرة، ولا علاقة لما يرتبط فى الشارع من تهويمات وخيلات حول مفهوم العلمانية بالواقع، يجوز أن يكون أعضاء الحكومات العلمانية مؤمنين مسلمين كانوا أو مسيحيين أو يهود، ويجوز أن يكونوا ملاحدة، فلا علاقة للديانة فى النظم العلمانية، بأداء أعضاء الحكومة.
والفارق بين الحكم المدنى، والحكم الدينى، كبير، فالدولة المدنية تسعى لاستيعاب كل مواطنيها، باختلاف أديانهم، بينما الدولة الدينية تسعى لفرض اجتهادات دينها على مواطنين لا يؤمن كثير منهم به، النتيجة خصام وصدام، ودماء لو لم يأذن الله بالعفو.
العلمانية ليست طائفية، لكن الدينى بالضرورة كذلك، فسن قوانين إسلامية فى دولة ما، ثم إلزام غير المسلمين بتنفيذها، لابد أن يؤدى بالضرورة إلى صراع بين "طائفتين"، الأولى تعتبر مصدر إلزامها للثانية إلهيا، بينما تسير الأخرى نحو الكبت داخلها لحين الانفجار.
ثم إن الفكر السلفى ليس قاصرا على المسلمين وحدهم، ففى المسيحية هناك من يمكن اعتبارهم "سلفيين"، وفى اليهودية أيضا، فالسلفية كاتجاه يقوم على إحياء ما كان يقوم به الأوائل فى بداية عصر الرسالة، يعنى التمادى فى التمسك بعادات بولس الرسول "سلفية"، لأن بولس الرسول من "السلف الأوائل" للديانة المسيحية، والإصرار على أداء "عادات" يوشع بن نون، هى "سلفية يهودية"، ويجوز اعتبار ما كان يقوم به السلف فى عصور الأديان الأولى اجتهادا، وتقربا من الله على طريقتهم، لكن لما تغيرت الأزمان، وجدت العصور، يجوز للخلف، الذين هم نحن، أن نعبد الله بطرق عصرية دون مخالفة الأصول، فيجوز لنا الاجتهاد بما يخالف اجتهادات السلف، دون أن نكون لا كفرة ولا طغاة، فقد شرع الله الأديان للاستمرار، بينما عادات واجتهادات السلف موقوفة على أزمانهم وعصورهم، وثقافاتهم، وهو ما ليس عيبا فى السلف، ولا نقيصة فى الخلف أن يتدبروا أديانهم، مستوعبين تغير العصور، واتساع الثقافات.
أبو بكر الصديق (رض) كان سلفا للأمام الشافعى مثلا، وكان الشافعى خلفا لأ بوبكر، مع ذلك لم يقدم أبو بكر من الفقه الإسلامى مثلما قدم الشافعى، ولا قدم عثمان ابن عفان (رض) للمسلمين، مثلما قدم مالك وأبو حنيفة من اجتهادات فى فقه البيوع والرهن والارتفاق، وعدالة الشهود، وعدالة الرواة.
ليس عيبا فى "السلف" أبو بكر أو عثمان، ولا هى درجة أعلى للخلف، الشافعى وأبو حنيفة، إنما تغير الزمن، واتساع الرؤية فى الفترة الزمنية بين أبو بكر (رض) وبين الإمام الشافعى هى التى أتاحت للأخير استيعابا أكثر، ورؤية أوسع للدين.
المعنى مرة أخرى، أن السلفية ليست هى الدين، وهى مرفوضة إذا كانت سوف تتسبب فى إغلاق باب اجتهاد "الخلف" تمسكا بآراء "السلف"، هذا من جانب، الجانب الآخر أن "السلفية" فقه دينى، لا يجوز إلا أن يحكم من يرتضى الدين أولا، وهى بهذا المعنى مخالفة للعلمانية، التى لا تنظم المجتمعات حسب الدين أو اللون.
السلفية الدينية آفة العصر الحديث، سواء مسيحية أو يهودية، فالدين لله، والوطن للجميع، والذين قالوا إن الهجوم على السلفية لقطعهم أذن مسيحى فى أسيوط، لم يعد مناسبا فى وقت قتلت فيه عائلة مسيحية ابنتها لإسلامها فى كرداسة، يزايدون، ويمارون، ولا يفقهون حديثا.
حادثة قطع أذن القبطى، مثلها مثل قتل المسلمة فى كرداسة، الحادثتان مصيبتان تؤكدان وجهة نظرنا، فالبعد الدينى واضح، والصراع الطائفى شديد الوضوح أيضا.
على العكس، حادثة قتل المسيحية المسلمة أخف وطأة، اذ أن عنصر القتل على "الشرف"، نسبته كبيرة فى ظروف مختلفة بالمجتمع المصرى، بينما قطع أذن القبطى فى أسيوط، كان إيذاء على "الهوية" الدينية!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة