يرى د. عصام شرف أن أسباب فتنة إمبابة تكمن فيمن حققوا مصالح ضخمة فى الماضى ويريدون الحفاظ عليها . أحال رئيس الوزراء أحداث إمبابة، إلى "فلول النظام السابق" ونسى نفسه، أو نسى حكومته التى كانت سببا بشكل أو بآخر، ولو ظلت حكومة شرف على وضعها، فسوف تتسبب فى مشاكل أكثر، وأزمات عدة، دون أن تتوقف على الإحالة إلى "الفلول" و"الأذناب".
فكرة الإحالة إلى "الفلول" لم تعد منطقية، فقد وصلنا للمرحلة التى لن يكفى فيها تعليق أسباب أزماتنا الاجتماعية على شماعة أخرى، فالنظام السابق كله فى السجون، بينما الحكومة ضعيفة، ويدها قصيرة، وهى التى أسقطت هيبة الدولة، فأشعل بعضهم الشارع بدعوى "الشرعية الثورية"، وطغى آخرون على المجتمع بدعوى "حرية العقيدة ".
بالشرعية الثورية، ركب كثيرون على أحداث يناير، وغطوا نفسهم بها، وتلفحوا، ثم غيروا ملابسهم، وصبغوا شعورهم، بدعوى الإصلاح، ولما قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.
ساعدت حكومة شرف أيضا فى تفكيك "هيبة الدولة" تحت مسميات الثورية، والحرية، فانفرط العقد، وتصاعدت أحداث كثيرة، كانت الطائفية جزءا منها.
شرف الذى جاء إلى كرسى الوزارة بمظاهرة، هو الذى أقر قانونا لمنع الاعتصامات، وهو نفسه الذى ذهب إلى قنا ليبارك خروجا شديدا على القانون بالمظاهرات والاعتصامات، مطالبا الأهالى هناك بالعفو!
فى اجتماعه الأخير برؤساء تحرير الصحف، قال شرف إن الوضع الأمنى غير جيد، وقال أيضا ما معناه أن ثقافة المجتمع فى حاجة إلى مزيد من الوعى، وعول على الإعلام للخروج من الأزمة فيما بدى أنه عتاب، وكان كلاما صحيحا، رغم أن شرف لا ذكر " الفلول"، ولا تكلم عن الأذناب فى اجتماعه هذا.
ليس دفاعا عن النظام السابق، لكنها دعوة للنظر إلى الأمام، فالوقوف على أسباب المشكلات، هى نصف الطريق للحلول. أزمة إمبابة طائفية بامتياز، وتحدى الطائفية بين المصريين فى حاجة إلى مزيد من الوعى، الطائفية خلل اجتماعى، لا يمكن إنكاره، ولا التغطية عليه.
كثير من فئات الشارع نفذت إليهم الطائفية من أكثر من باب، وساعدتهم الحكومة، ومراهقة الإعلام بإطلاق رموز "التطرف الدينى" من السجون، وتحويلهم إلى أبطال على شاشات الفضائيات بحجة " عدم الحجر على الآراء والتوجهات" بعد يناير .. وكانت خطيئة كبرى.
فى اجتماعه الأخير، ناشد شرف الإعلام المساعدة، لكنه لم يلفت النظر إلى أن الإعلام الذى تملق نظام مبارك، تحول إلى تملق كل ما يحدث باسم "الثورة" فوقع فى نفس الآثام ونفس خطايا الماضى.
دافع الإعلام عن " البلطجة " وأرجعها إلى "كبت" الثلاثين عاما الماضية، ودافع عن "الافتئات على القانون"، وعلقها على شماعة "الفترة الانتقالية"، ودافع عن "رؤوس التطرف" بحجة إبراز الرأى الآخر، والإعلام الذى لفت الانتباه إلى عودة الإنتاج فى اليابان إلى ما كان عليه قبل التسونامى الأخير، هو نفسه الذى برر توقف المصريين عن العمل بحجة أنها "فترات تأمل وإعادة ترتيب أوراق".
استخدم الإعلام حيلا مشابهة لحيل د. شرف، الإعلاميون كالوا بأكثر من مكيال، بينما هرب رئيس الوزراء من الحقائق، ودفع بمسئولية "فلول السابق" عن أحداث الحاضر، رغم أن "الفلول" محبوسين، وأهل الحاضر طلقاء.
لا يكفى وصف البعض أنفسهم بموالاة "الثورة"، حتى نقتنع بصدق النوايا، كما لا تكفى الإشارات المستمرة إلى "الفلول"، لنظن أننا اقتربنا من أسباب أزماتنا، وحلول مشكلاتنا، لا تكفى تأكيدات د. شرف، من آن لآخر، على أن الحكومة ليست ضعيفة حتى نصدق، ولا تكفيه الإشارات المستمرة إلى أفعال "الأذناب" حتى نهدأ ونستقر، ونقر عينا، أزماتنا لن يحلها إلا نحن، والطائفية مرض اجتماعى لا يواجه إلا بحزم .. ويد قوية، لكن يد الدولة "رخوة "!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة