كل ما أرجوه من الدكتور سمير رضوان وزير المالية أن يقلل من حجم تشاؤمه ومخاوفه التى يكررها علينا فى كل برنامج فضائى يظهر فيه أو حديث صحفى يدلى به عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فى مصر منذ قيام ثورة 25 يناير.
وعليه أن يتذكر أن الأوضاع الحالية ليست نبتة شيطانية تسببت فيها الثورة، فقد كان مسؤولا فى وزارة الاستثمار فى ظل النظام السابق ويدرك تماما رغم كل الأرقام المعلنة فى السابق عن النمو والتنمية أن عوائد تلك التنمية لم ينعم بها فى مصر إلا حفنة أشرار من الفاسدين نزلاء سجن طره، ومن أصحاب المصالح والنفوذ، وأدت الى إفقار أكثر من 40 %، وزيادة معدلات البطالة، وفقا لتقارير البنك الدولى، وصندوق النقد، واحتلال مصر أدنى المراتب فى تقارير التنمية البشرية والشفافية. وصندوق النقد كشف فى تقريره الأخير أن معدلات البطالة بلغت فى سنوات ما قبل الثورة 35 %، كما زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتفاقم الشعور بعدم المساواة فى الحصول على الفرص الاقتصادية، خاصة فى العقد الأخير.
التقرير أيضا أضاف أنه من مساوئ النظام السابق أيضا تفاقم حجم الدين الحكومى، والعجز المالى، كما استمرت معدلات التضخم فى ارتفاع متجاوزة حاجز الـ10 %، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما كان له أكبر الأثر على الفقراء. وحتى لا يتم تفسير الأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد الآن وإحالتها بقصد وسوء نية إلى تداعيات الثورة، فإننا نذكر بأزمات السولار وأنابيب البوتاجاز فى السنوات الماضية وفى عهد النظام السابق، إضافة إلى ارتفاع الأسعار الجنونى لمعظم السلع الغذائية، وتردى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى، فعندما تنقطع الكهرباء، وتطفح المجارى، وتنقطع مياه الشرب، فالثورة ليست هى المسؤولة عن كل ذلك.
ندرك جميعا أن الوضع الاقتصادى الحالى صعب، بل سيئ للغاية، وهذا ليس بجديد على الاقتصاد المصرى الذى مرت عليه ظروف مشابهة، وفى أوضاع طبيعية، ولكن سياسة التخويف ونشر الأرقام المفزعة عن الأوضاع الراهنة قد تأتى بنتائج عكسية وسلبية، وتضيف مزيدا من الإحباط، وتدفع بأعداء الثورة للترويج لفكرة أن هذا ما جنيناه من 25 يناير.
بالنسبة لى فأنا متأكد من النية الحسنة للدكتور سمير رضوان وزير المالية عندما يستعرض فى كل مرة الوضع الاقتصادى الصعب التى تمر به البلاد فى الوقت الراهن، ولكن كما يقال فإن الطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالنوايا الحسنة، فإذا كان استعراضه لإظهار خطورة الوضع الناتج عن توقف عجلة الإنتاج، وانعدام الاستقرار الأمنى، وحث فئات الشعب المختلفة على الهدوء والانخراط فى العمل لإنقاذ الاقتصاد المصرى، فنحن معه بكل تأكيد، لكن عليه أن يحترس من تكرار نبرة التشاؤم المتزايدة فى الأيام الأخيرة، فهو أول من يعى أن الثورات يصاحبها دائما حالة من عدم الاستقرار فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهنا تقع المسؤولية على حكومة تسيير الأعمال التى عليها أن تعمل بمبدأ «التاجر القديم لما يفلس».