لا شك أن أخطر العوائق الظاهرة التى تقف حائلا بين مصر وبين حلم بناء الدولة المدنية الحقيقية هى بوادر الانسياح والذوبان والتحلل والتلون التى يقوم بها «الإخوان» فى الشارع المصرى من خلال الوجوه المتعصبة والمتعجرفة «صبحى صالح وإخوته» والتى فى نظر الجماعة تقربهم إلى الصندوق زلفى، وقد كتبت فى نهاية مقالى المطول «الإخوان فى العراء»: «أبشر المتوجسين من الإخوان.. اطمئنوا لن تكون مصر دولة دينية ولن يحكمها الإخوان يوما لأنهم يعيشون ويتغذون على المطاردة، لكن ما لم يعهده الإخوان أن تتوقف هذه المطاردة بعد أكثر من ثمانين عاما توقفا سيكشف أنهم ليسوا إلا تجارا يبيعون الدين ويسوقونه كسلعة مطلوبة يستزيدون لها من الراغبين ليصلوا على جسدها للحكم.. وخطأ يعتقد الإخوان أن تحقيق حلم الآباء المؤسسين والكنهة الأوائل بحكم مصر قد اقترب وبات على مرمى حجر، وأقول لهم ناصحا: «أنتم فى طريقكم للزوال لو كنتم تعقلون».
وما كتبته يمثل قناعة حقيقية أؤمن بها.. إن الشارع المصرى على بساطته الحالية وفطرته القريبة من الدين – أيا كان مفهوم هذا الدين ومن يمثله وما يمثله - فى أغلب كتلته الصامتة لكنه لن يعطى الإخوان ما يحلمون به ويوحى إليهم شيطانهم أنه بات حلما يتجسد.
لذا فإنه وإن كانت مواجهة المد الإخوانى هى لب الحراك الداخلى الآن ولكن يجب أن نعى أن هذا المد على تعجرفه الظاهر ووهنه الباطن لا يمثل العائق الوحيد أمام بناء الدولة المدنية فى مصر وإن كان أخطرها.
فالعوارض فى سبيل ذلك كثيرة وعميقة ومعقدة، وليس بهذا التبسيط المخل الذى أقرأه فى كثير من الأحيان من كتاب بل أكاديميين توحى كتاباتهم أنهم يغازلون الشارع أيضا «مثل الإخوان» بكتابات أشك كثيرا فى أنها تصدر عن مثقف فضلا عن أنه أكاديمى، فالديمقراطية لا تعنى صندوقا انتخابيا نزيها فقط، والدولة المدنية ليست دولة المؤسسات فقط، وقس على ذلك كل التبسيط المخل الذى تعج به هذه الكتابات عن معنى المواطنة والدولة الثيوقراطية والدينية والدولة الإسلامية والخلافة وتطبيق الشريعة والعلمانية والليبرالية، وهذا الطوفان من المصطلحات والإيدولوجيات التى لا نخجل أن نقول إن رجل الشارع الذى سيذهب للصندوق ليحدد مسار مصر ومصيرها فى مرحلة هى أهم مراحلها التاريخية على الإطلاق، لا نخجل أن نقول إن هذا الرجل وهذه المرأة لا تعلم عن كل هذه المصطلحات والأفكار شيئا يذكر، وإن علموا فسيكون على سبيل اليقين علما مشوها من أذناب الإخوان أو السلفيين الذين يتركون كل حوارات النخبة الفكرية وتناطحاتهم وينزلون للشارع بكل بساطته وتعقيده فى آن ليفيضوا عليه من أفكارهم المسمومة والإقصائية، وهى تجربة نجحت بامتياز فى معركة التصويت على التعديلات الدستورية، وكانت «بروفة» حية لم يتنبه لها إلا القليل من الباحثين والكتاب، وكما بينت على توسع فى مقالى «الإخوان فى العراء» أن الإسلاميين وعلى رأسهم «الجماعة» المريضة كسبوا جولة الشارع فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية لأنهم أوهموا البسطاء أن «نعم» مع الله و«لا» مع الإلحاد والكفر، لذا لم يكن التصويت على كثافته يمثل ممارسة ديمقراطية بفهم واع بقدر ما كان يمثل تنفيثا لغضب طويل وحرمان فاجر من الحق بالتصويت والاختيار لثلاثة عقود فى عهد الرئيس المخلوع.
وعلى هذه الشاكلة تقترب مصر من معركة مشابهة يكون فيها الأمر على بساطته فى منتهى التعقيد، وهى معركة الانتخابات البرلمانية غير المتكافئة، فالرجل ذو اللحية الذى يزين كلماته ويفتتحها ويختمها بآيات مجتزأة ومقتطعة ومشوهة المعنى من الذكر الحكيم ثم يطعهما بحكايتين خرافيتين عن زمان العزة والخلافة وتمكن الحكم الإسلامى ثم ينهيها بسطرين حماسيين عن مواجهة الغرب وإلحاده المنتشر فى مجتمعاتنا «على طريقة صبحى صالح»، بالتأكيد هذا الرجل سيكسب رغم نفاقه وتلونه ومتاجرته بالدين، سيكسب المعركة الانتخابية مع رجل سيحدث هؤلاء عن مزايا الدولة المدنية ومعنى العلمانية الحقيقى وفوائد تطبيق المواطنة والطريق إلى الليبرالية، فماذا سيقول رجل كهذا لهؤلاء الذين تم إفقارهم فكريا وعلميا وثقافيا فى ظل أنظمة حكم فاسدة استمرت لعقود طويلة وتم تشويه مفاهيمهم الدينية وتصدير الوهابية بغلوها وغبائها وخبثها ومكرها مع بداية السبعينيات.
فبالتأكيد ستكون المعركة فى أغلبها محسومة لمن أطال اللحية أكثر.
إذن المعركة ليست مع «الجماعة» المريضة ولا مع أعلامها المنساحين فى الشارع المصرى، ولكن المعركة رغم ضيق الوقت وعدم التكافؤ هى معركة «تحديث»، وهى أولى المراحل الحقيقية للدولة المدنية ذات الأسس الراسخة، وهذا التحديث عملية مرهقة جدا ومعقدة، ولكنها أصبحت غير ملحة فقط، بل هى واجب وطنى على كتاب مصر وأكاديمييها ومفكريها وناشطيها أن يحدثوا توعية شاملة وموجزة ومبسطة لرجل الشارع، وهو الأغلبية الصامتة التى بيديها مفاتيح المستقبل فى مصر.
ولكن فى سبيل أن تكون معركة التحديث والتوعية التى يرنو إليها كل المخلصين والعاشقين لهذا البلد معركة شريفة ومتوازنة القوى فإنى أتوجه مع غيرى من المخلصين برجاء ليس شخصيا ولكنه من أجل مصر، ومن أجل الحفاظ على دورها التاريخى والإقليمى، أتوجه به للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى لا يشك وطنى مخلص فى نواياه الصادقة الخالصة تجاه مصر وشعبها، والذى بلا أى تزيد كان درع مصر وحاميها من الانزلاق إلى ما تشهده دول مثل اليمن وليبيا.
لهذا فإنى أرجو من المجلس استكمالا لدوره فى حماية مصر بكل شكل أن ينظر فى أمر تأجيل الانتخابات البرلمانية، ليس بناء على التقارير الأمنية، ولكن أملا فى بناء ساحة فكرية عادلة يتصارع فيها كل التيارات التى سوف تتحكم فى مقاليد الأمور فى مصر بعد الانتخابات، هذا الإمهال وهذا التأجيل ليس انقلابا على الديمقراطية التى نؤمن بها وندعو إليها، ولكن هو عين العدالة وروح الديمقراطية، ولا يهم كثيرا ما يقال حاليا عن البدء بتخليق الدستور الجديد أو إجراء العملية الانتخابية بالدستور المعدل لأن النتيجة واحدة، فساحة خالية للتنظيمات التى تركن إلى التخويف والمتاجرة وبالدين «الإخوان وشركائها» تعنى انتخاب مجالس نيابية سوف تسطو على الدستور كما سطت على ما قبله، وتأجيل الانتخابات ليس أيضا تقهقرا للعملية المدنية وزيادة فى مدة الحكم العسكرى، ولكنه فقط تعبيد للطريق الديمقراطية وتمهيدا لها، وبالطبع ومن مفارقات القدر أننا سنجد أول المدعين بالدفاع عن إقامة حكم مدنى وإنهاء الحكم العسكرى فى أسرع وقت هم «الجماعة» المريضة رغم أن «الإخوان» هم أعدى أعداء الدولة المدنية، ولكن المطالبة بها وسريعا وبدون ساحة عادلة بين كل الاتجاهات هى الهدية التى ينتظر «الإخوان» ويتحفزون للظفر بها وهم يعلمون أنها لو فاتت فإنها لن تعود.
لذا فأنا أعيد الرجاء للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو اليد الأمينة على مستقبل مصر وحامى الشرعية فيها دوما بالنظر فى تأجيل الانتخابات البرلمانية والبدء أولا بالانتخاب على منصب رئيس الجمهورية، حيث سيمثل ذلك الفرصة العادلة لعملية تحديث سريعة للشارع المصرى الذى لا أتهمه بشىء إلا أنه ضحية لنظام فاسد أفقره ثقافيا كما أفقره على كل الصعد، لأننا يجب أن نعى جميعا أن الديمقراطية الحقيقية سيف يحمى به الشعب نفسه من جور الحكام، ولكن هذا الشعب إن لم يتعلم فنون السيف قتل به نفسه بدلا من أن يحمى ذاته.
خارج السياق: «اليوم السابع» كانت حلما نتكلم عنه فى صالون بيت أخى وصديقى خالد صلاح، وكان خالد يتحدث عن ثورة فى الصحافة ومفهوم جديد للمواقع الإلكترونية للصحف، وكنت أحلم معه بالتنوير الثقافى الحقيقى وكتابة الحقائق غير مجتزأة، ومرت الأيام ليصبح الحلم واقعا.. جريدة أسبوعية عملاقة وموقع إلكترونى غير المفاهيم فى الوطن العربى عن المواقع الإخبارية للصحف، وها أنا الآن أكتب مقالا فى أوليات الإصدار اليومى لـ«اليوم السابع»، مبارك للرائعين وليد مصطفى وخالد صلاح، ولكل فرد فى اليوم السابع الذى تحقق كل هذا النجاح السريع بسواعدهم وإخلاصهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الله الكبر ولله الحمد
الله اكبر ونعم ااإخوان
الاخوان قادمون بإذن الله رغم أنف الحاقدين
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام
لاحول ولا قوة الا بالله
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed amin
الخوف من الحقيقة
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصرالسنه
فاسمع أذا
عدد الردود 0
بواسطة:
ramadan
تحليل لما فى المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
ضيا
الاخوان امل الامة
عدد الردود 0
بواسطة:
moudy_elshabrawy
ممنوع ركوب موجه اراء الشعب المصري
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن الاخوان
الاخوان قادمون
عدد الردود 0
بواسطة:
عابر سبيل
oshvm
عدد الردود 0
بواسطة:
اعقل مجنون
لا للاخوان
مصر مش دينية مصر وسطية