ربما كانت الحركة الإسلامية المصرية – فى نظر كثيرين – صاحبة الحظ الأوفر من مكاسب ما بعد الثورة المصرية.. إذ أتاحت لها الثورة ولأول مرة الخروج من أقبية العمل السرى والحذر التنظيمى إلى فضاءات العمل العام، فى ظل الارتكان إلى مناخ ديمقراطى آمن يختلف اختلافا ًجذريا ًمع مناخ القلق والخوف الذى عاشت فيه الحركة الإسلامية لعقود طويلة.. وأثر فى بنيتها الفكرية والحركية والتنظيمية.. مما جعلها اليوم تعيش تحديا آخر لمواكبة تحديات التحول الديمقراطى، والذى قد يكون أشد وطأة من تحديات أخرى كثيرة واجهتها.
وتأتى تحديات الوضع التنظيمى والبناء الداخلى على قمة هذه التحديات.. فقد لعبت الممارسات السلطوية دوراً مهماً فى تحول الحركة الإسلامية إلى ما يشبه «التنظيم السرى».
رغم أن البعض منها حاول الخروج إلى «فضاء» العمل العلنى.. إلا أن الجميع مارس العمل العلنى بعقلية التنظيم السرى المنغلق، الذى كان يعلم ويوقن أن الإغراق فى الانفتاح سيكلفه الكثير فى ظل نظام يعد عليه أنفاسه وسكناته ويتبع سياسة إجهاضية من الطراز الأول.. مما دفعها إلى مزيد من السرية التى أثرت كثيراً على القدرات الإبداعية الابتكارية.
كما أن العلاقة بين رأس التنظيم وبين قاعدته تحولت من المجال البشرى.. حيث الحق الطبيعى فى المناقشة والاعتراض إلى المجال المقدس.. حيث تحكمت مفردات «البيعة» و«السمع والطاعة» فى العلاقة بين القمة والقاعدة.
مما أدى إلى اختفاء روح الشورى الحقيقية وقدرة القاعدة على المناقشة الجادة والثرية للقرارات الفوقية.. والتى كانت تغلف بغلاف من «القدسية» تحت زعم «معصومية القيادة» و«الثقة فى القيادة».. مما أفضى إلى مسخ شخصية «المتلقى» و«اغتيال روح النقد البناء».
وفى ظل التحول الديمقراطى الحاصل الآن.. لابد من تعديل الصيغة التى كانت تحكم العلاقة بين «القمة» و«القاعدة» من علاقة «السمع والطاعة» إلى علاقة «الحوار والاحترام». إذ ساهمت الأولى فى غض الطرف عن كثير من الممارسات الخاطئة التى كانت تحتاج للمراجعة والتعديل.
فالشورى أحد أهم الركائز فى النظام السياسى الإسلامى، وهى ليست مجرد شكل من أشكال اتخاذ الآراء والترجيح بينها وفق نظام محدد.
ولكن الشورى قيم قبل أن تكون آليات.. تحض على التسامح والعدل واحترام حق الآخرين فى الاختلاف.. فهى منظومة متكاملة تنبثق من التوجيه القرآنى «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ».
فغياب الشورى يؤدى إلى الدوران فى فلك الأشخاص لا فى فلك الأفكار.. وهى علامة مرضية مزعجة تؤذن بالبوار والخراب.
كما أن طبيعة التحول الديمقراطى تفرض تحدياً على الحركة يتمثل فى الانتقال من «التنظيم السرى المغلق» إلى «الكيان العلنى المشرعن».
إذ إن «الشرعنة» المشار إليها كما أنها تمثل إلحاحاً داخلياً.. فإنها تمثل «ضمانة» للمجتمع حتى لا تظهر نتوءات مستقبلية يستهويها العمل السرى.. ويغريها حتى يجرفها إلى متاهات «التنظيمات السرية المسلحة».
ولكن الانتقال إلى النموذج العلنى المشرعن يتطلب تخلص الحركة من «عسكرة» بنيتها التنظيمية والفكرية.. فقد تظل الحركة تحتفظ بهذه «العسكرة» دون أن تدرى.. حتى وهى تؤكد ليل نهار أنها طلقت العنف طلاقاً بائناً وفككت أى تنظيم مسلح داخلها.
فعسكرة الفكر والتنظيم هى نمط من التفكير تلغى معها الرأى الآخر.. وتضيق ذرعاً بأى صوت مخالف من داخلها قبل أن يكون من خارجها.
ومن هنا فإن تحولات المجتمع المصرى التابعة للتحولات الديمقراطية المنتظرة ستفرض تحديا على الحركة الإسلامية، لتطوير بنيتها الداخلية ورؤيتها التنظيمية دون العكوف على البنى المتوارثة بالجمود والتقديس.. إذ إن القدرة على التطوير تعنى بكل بساطة القدرة على البقاء والاستمرار.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد ابراهيم
خارطة الطريق
عدد الردود 0
بواسطة:
على الدينارى
الحرية هى نصف الضمان