يعد استمرار إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية بعد الثورة، انتهاكاً للحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة، لا يجوز أن يستمر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ثورة الحرية والتحرر من القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية والعودة إلى حقوق المواطنة ودولة سيادة القانون، فقد كانت المحاكم الاستثنائية وإحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى إحدى سمات عصر حسنى مبارك، ولكن على العكس من ذلك استمر هذا الأمر بعد الثورة، فقد بلغ عدد القضايا التى أحيلت إلى القضاء العسكرى بعد الثورة نحو 12000, أى أن «اثنى عشر ألف مواطن» من المدنيين للمحاكمات العسكرية فى قضايا مختلفة، وتم الحكم على أكثرهم رغم أن القضاء الطبيعى هو المختص بنظر تلك القضايا.
وبشكل عام، نلاحظ أن قانون الأحكام العسكرية يخرج على المبادئ العامة المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمحاكمات الغيابية من بطلان ما تم من إجراءات المحاكمة أو الحكم إذا سلم المتهم نفسه أو ألقى القبض عليه، قبل انتهاء المحاكمة بما يستتبعه ذلك من إعادة محاكمته أو إعادة الإجراءات بعد صدور الحكم، وهو ما تختلف عنه قواعد قانون الأحكام العسكرية والتى لا تنص على بطلان الإجراءات فى حالة المحاكمات الغيابية بل تلزم المقبوض عليه من المحكوم عليه غيابيا بتقديم التماس إعادة نظر وللمحكمة العسكرية أن تقبله أو ترفضه. يضاف إلى ذلك خروج قانون الأحكام العسكرية على قانون الإجراءات الجنائية فى عدم تحديده أقصى مدة للحبس الاحتياطى، بينما يحدد قانون الإجراءات الجنائية مدة أقصى للحبس الاحتياطى.
كما أن إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية يشكل حجبا للقضاء العادى فى بسط ولايته على الوقائع التى يرتكبها المواطنون المدنيون وتمثل افتئاتا على حق المتهم فى المثول أمام قاضيه الطبيعى واعتداءً على حق المجتمع فى الحفاظ على استقلالية القضاء ونهوضه بالمهام المنوط به أداؤها، وبالتالى فإن إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية تثير العديد من الإشكاليات الخطيرة المتعلقة بالحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة وهو من الحقوق المستقرة قانونا، يكاد لا يخلو نص من المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان من التأكيد عليه وتنص عليه أيضا أغلب الدساتير والتشريعات الوطنية، فى مختلف دول العالم ومن هذه الإشكاليات: مدى استقلالية القضاء العسكرى وكيفية تشكيله وكفالة حق الدفاع.
والخطير فى الأمر أيضا هو أن الأحكام الصادرة بالإعدام من قبل المحاكم العسكرية خلال عشر سنوات، تساوى عدد الأحكام الصادرة من قبل القضاء الجنائى العادى فى حوالى 50 عاماً تقريباً. ومن المؤسف أن التوسع فى عقوبات الإعدام يأتى فى الوقت الذى يشدد فيه المجتمع الدولى على ضرورة الحد من عقوبة الإعدام تمهيدا لإلغائها وتكتسب عقوبات الإعدام هذه مزيدا من الخطورة.
أما بالنسبة لما يردده البعض من كون القضاء العسكرى هو إحدى أبرز صور العدالة الناجزة وهو أمر مردود عليه بأن سرعة الفصل فى القضايا ليست المعيار الوحيد على عدالة الحكم وصحته، بل إن سرعة الفصل فى القضايا قد تمثل فى أغلب الأحيان إخلالا بحق الدفاع وإضاعة فرصته فى إثبات براءة المتهمين، وهناك ادعاءات من قبل العديد من المحكوم عليهم من قبل القضاء العسكرى وأسرهم بأن الاتهامات الموجهة لهم غير صحيحة، ويدعى أغلب هؤلاء أنهم لم يتمكنوا من إثبات براءتهم نظرا لسرعة الفصل فى القضايا وعدم استطاعتهم إثبات ما يدعونه أو إحضار شهود إثبات أو عدم الأخذ بالأدلة المقدمة منهم، فضلا عن حقيقة أخرى هى أن المحاكمات العسكرية لم تقض نهائيا على الجرائم التى تحاكم مرتكبيها أو تمثل صورة من صور العدالة الناجزة. وهنا يجب قول: إن المحاكم العسكرية يجب أن تكون متصلة بالجرائم التى تتم من قبل العسكريين فقط، أما المدنيون فيجب أن يتم محاكمتهم أمام القضاء الطبيعى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة