د. سعيد إسماعيل على

كلِّف يا سيدى!!

الأربعاء، 10 أغسطس 2011 04:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مثل شعبى شهير: «اطبخى يا جارية، كلِّف يا سيدى»، يحمل مفتاح الحل للمعضلة الأساسية فى أى تطوير للتعليم، ألا وهو مسألة «التمويل»، التى تزداد خطورة فى عصرنا الحاضر، مع التقدم المذهل فى التقنيات والنظم الإدارية، وطرق التعليم، والمبانى المدرسية.

ولنعلنها بصراحة شديدة: إن الجهود المخطط لها، والتى يأخذ بعضها طريقه إلى حيز التنفيذ والتطبيق، لن تؤتى أُكلها الحقيقية، ما لم نعترف بأنها بحاجة إلى ما يبث الدماء فى عروقها، ألا وهو «المال».. حيث لم يعد الأمر يحتمل أكثر من ذلك، أقصد أن يتحمل تطوير التعليم، ما تحمله منذ عام 1880، عام وضع أول مشروع قومى لتطوير التعليم والنهوض به، وها نحن، وقد أوشكنا أن ندخل العام الثانى من العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وما زال كل منا يطأطئ رأسه خجلا من تدهور أوضاع التعليم، وتخلفه.

ولنتكلم بصراحة، سنسوق مثالاً واحدًا يشكل نقطة مركزية فى قضية النهوض بالتعليم.
إن كل فصل من فصول مدارسنا يضم من التلاميذ ضِعف العدد المفروض أن يضمه كى نضمن تعليمًا حقيقيّا، وأستطيع أن أسترسل فى مقال مستقل عن جملة الأضرار والسلبيات التى تنتج عن هذا، وهذا الوضع يؤثر بالسلب على كل ما نتخذه من خطوات لتطوير التعليم، وبالتالى فإننا، إذا أردنا أن نكون جادين، فنحن بحاجة إلى مضاعفة أعداد الفصول المدرسية، وهذا بدوره يعنى مضاعفة أعداد المبانى المدرسية، وكذلك أعداد المعلمين، وما يستتبع هذا وذاك من إداريين، وفنيين، وأجهزة معامل، وأنشطة، ومستلزمات التعلم والتعليم.. إلخ.

بل لابد أن تواجه تساؤلاً محزنًا أوليّا، ألا وهو: هل يوجد شبر أرض فى مدينة مثل القاهرة كى تنشئ عليه مدرسة جديدة؟ الإجابة بالنفى قطعًا، فإذا فكرت فى خارج القاهرة واجهتك مشكلة أن الكثافة الحقيقية للسكان هى «داخل» القاهرة، مما يستلزم توفير «الحافلات»، بالمئات، كى تنقل التلاميذ من مقار سكنهم إلى المدارس الجديدة التى نفترض إنشاءها خارج القاهرة، وهذا بدوره بحاجة إلى ملايين من الجنيهات.

وإذا توافر لك هذا، فإن مضاعفة أعداد المدارس، أو حتى ربع العدد القائم يحتاج إلى ما لا يقل عن مائة ألف معلم، ولو تصورت أن كلاّ منهم ينبغى ألاَّ يقل مرتبه عن ثلاثمائة جنيه شهريّا، فمعنى هذا أنك بحاجة إلى ثلاثين مليون جنيه شهريّا، مع ملاحظة أن الحقيقة تتطلب أضعاف هذا وذاك!!

هل معنى هذا أن نقول «مفيش فايدة»؟ كلا، وإنما - مرة أخرى - يعنى أن نواجه المشكلة بكل صراحة، ولابد أن نرفع شعار شكسبير المشهور «نكون أو لا نكون»، كيف؟ هنا أيضًا لابد من أن يشاركنا رجال المال والاقتصاد فى الخروج من هذا المأزق، بل وعلماء الدين، وخاصة دار الإفتاء، بحيث نوجه إليها سؤالاً صريحًا عن جواز تخصيص جزء من الزكاة لتعليم الناس، ففتوى مثل هذه يمكن أن تفتح الباب واسعًا أمام تدفق الكثير من المال. وقبل هذا يمكن التفكير فى إنشاء «صندوق لتطوير التعليم»، تتجمع فيه التبرعات المأخوذة من الزكاة. وفضلاً على ذلك ففى أوائل ثورة يوليو 52 قالوا بفكرة ما سمى «معونة الشتاء»، جزء يسير من المال يفرض على كل تذكرة قطار درجة أولى، وكل تذكرة سينما، وكل إعلان تجارى... وهكذا، بحيث يكون هذا مصدرًا آخر. ولتشجيع أصحاب رؤوس المال على التبرع، يحذف الجزء المتبرع به من جملة الأرباح المستحق عليها ضرائب دخل وكسب. كذلك نقترح تسمية أى مدرسة يتبرع ببنائها متبرع، باسمه، أو قاعة محاضرات فى جامعة.

إنها مجرد أفكار أولية، ندق من خلالها جرسين: أولهما ينبه إلى ضرورة التيقن من أن تطوير مصر الثورة لن يُتأتى إلا بتطوير التعليم، وأن التطوير الحقيقى للتعليم بحاجة إلى مليارات الجنيهات، أما الجرس الآخر فهو أن الجهد القومى الجماعى لتمويل التعليم ليس مستحيلاً، إذا كنا جادين على طريق الثورة الحقيقية، ثورة صناعة المواطن المنشود!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة