كان النظام السابق يمنع مؤتمرات اتحاد علماء المسلمين، الذى أنشأه ورأسه د. القرضاوى، من الانعقاد فى مصر.. ومنذ أسبوعين عقد اتحاد علماء المسلمين، بالتعاون مع الأزهر الشريف، مؤتمره الأول بأحد الفنادق بجوار ميدان التحرير بالقاهرة ليدشن عودة الاتحاد مرة أخرى إلى مصر قلب الإسلام والعروبة.. والتى خرج منها رئيس الاتحاد د. القرضاوى وأمينه العام السابق، والذى شغل المنصب سنوات طويلة د. سليم العوا.. وقد غاب الفارسان عن هذا المؤتمر لأن الأول مريض مرضًا شديدًا، والثانى مشغول بانتخابات الرئاسة المصرية.
وقد عُرض فى هذا المؤتمر قرابة عشرين بحثًا تدور كلها حول الخطاب الإسلامى، سواء الدعوى أو الفقهى أو السياسى، أو مع الآخر، أو فى التنمية، أو قضايا المرأة والطفل والأسرة.
وقد عرضت بحثًا لى فيه عن خارطة طريق للدعوة الإسلامية بعد ثورة 25 يناير، وقد عُرضت فى أبحاث المؤتمر قضايا مهمة وطُرحت فيه معانٍ إسلامية راقية مهمة ينبغى على كل أطياف الحركة الإسلامية أن تهتم بها.
وقد قارنت بين عدد الحضور القليل جدّا فى هذا المؤتمر العلمى، الذى جمع ثلة كبيرة من علماء المسلمين، وبين بعض اللقاءات الجماهيرية التى يغلب عليها الوعظ ودغدغة المشاعر والتى يحضرها عشرات الآلاف.
فقلت فى نفسى: «إن الحركة الإسلامية أحوج ما تكون إلى هؤلاء العلماء أكثر من حاجتها إلى أى شىء آخر».
وقد أشرف على المؤتمر الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين د. على قرة داغى تلميذ د. القرضاوى، والذى حيّا مصر وثورتها السلمية المشرفة.. ومصر صلاح الدين الأيوبى الذى أشرف بالانتماء إليه.. ومصر قطز صاحب الاستغاثة المعروفة «وا.. إسلاماه».
ثم بكى د. قرة داغى، وهو يقول: «إننا اليوم متفائلون بأن نشارك يومًا ما فى تحرير القدس».
ولكن يؤسفنى أن معظم الخطاب فى بلادنا ينحصر فى أمرين:
-1 إما خطاب الغلو: وهو خطاب يرفضه الإسلام ويأباه.
-2 وإما خطاب الانفلات والرغبة فى الانصهار فى بوتقة الغير.
ولكننا نريد خطابًا يتميز بخاصيتين:
-1 يجعلنا نتمسك بالثوابت
-2 لا يغرقنا فى الجزئيات.
ثم تحدث العلامة أ. د. حسن الشافعى، نائبًا عن شيخ الأزهر، وأفاض فى معانٍ رائعة تحتاجها الحركة الإسلامية اليوم، حيث فرق بين الداعية والعالم.. والواعظ والمفتى، وشيخ التوجيه وشيخ الإفتاء، وأنه لابد لمن يشتغل بالشأن الإسلامى أن يلم بأطراف العلم الشرعى ولابد من النضج الهادئ لشخصية الداعية والعالم ليس على نار ولكن على نور.
والنضج الهادئ هو سر الأسرار فى الأزهر.. وهو الذى ميز الأزهر عمَّا سواه.. وهو الذى كون وسطية الأزهر التى أشاد بها الجميع.
وشدد العلامة د. حسن الشافعى على التكوين الخلقى والروحى للداعية والعالم والمفكر والواعظ الإسلامى، وأن أكثر من اهتم بالتكوين الخلقى والروحى هم علماء الصوفية الذين يرفضون البدع ويطهرون القلوب فى الوقت نفسه.
وذكر أن 90 % من شهداء الوطنية فى آسيا والقوقاز وروسيا كانوا من الصوفية.. حتى يعرف الناس الصوفية الحقة، التى تبذل وتجاهد وتعطى وتعرف حق الأوطان.
ود. حسن الشافعى من أعظم علماء الأزهر.. وقد أحسن د. أحمد الطيب حينما أنابه عنه فى مثل هذا المؤتمر، فقد حظى بالترحاب والتكريم والإجلال من الجميع.
وقد ذكر المؤتمر بنموذج معاصر من علماء الصوفية وهو د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، الذى كان لا يجمع بين حذاءين ولا ثوبين، رغم أن الدنيا كلها كانت بين يديه إذا رغب فيها.
لقد كان هذا المؤتمر يحتاج إلى إعلان وتعريف، وهذا ما ينقص اتحاد علماء المسلمين اليوم، حيث يحتاجون إلى فريق إعلامى قوى يعرف المسلمين بقيمة ما يقال فى مثل هذه المؤتمرات، وينشرها فى كل مكان، فقد كانت معظم القنوات شبه غائبة.. وهى التى يلهث معظمها وراء بعض التوافه والأشياء المثيرة التى لا تنفع الأمة.. بل قد تضرها.