كنتُ أحد الذين سعدوا للغاية عندما تولى الدكتور حازم الببلاوى، موقعه الحالى فى الوزارة، وكانت بداية إعجابى وتقديرى للرجل، إشادة بعقليته الاقتصادية، قرأتها على صفحات مجلة العربى الكويتية بقلم المبدع الراحل أحمد بهاء الدين، فى الثمانينيات على وجه التقريب، ثم زاد إعجابى الشديد بما طرحه من حل لمشكلة المجانية فى التعليم أمام مؤتمر منتدى الفكر العربى بعمان عام 1990، لإعلان وثيقة مستقبل التعليم فى مصر، مما دفعنى لدعوته إلى إحدى الندوات التى كنت أنظمها تحت مظلة رابطة التربية الحديثة أوائل التسعينيات، وقت أن كان مديرا لبنك تنمية الصادرات، حيث تلخصت فكرته، بأن هناك ثلاثة أنواع من السلع، سلعة عائدها يعود على الوطن بالدرجة الأولى، فيجب أن يدفع هو تكلفتها، مثل الخدمة العسكرية، والسلع الخاصة باحتياجاتنا الشخصية، مثل المأكل والملبس والمسكن، حيث يعود عائدها على كل منا، فيجب أن يدفع هو تكلفتها، أما التعليم، فهو سلعة يعود نفعها على صاحبها بالترقى فكريا واجتماعيا ووظيفيا، لكنها فى الجملة تعود على الوطن، مما يوجب أن يشارك المجتمع مع الفرد فى دفع تكلفتها.
من هنا فإننى أتوجه إلى عالمنا الكبير، مُذَكّرا بما يعلمه جيدا، وربما أكثر منى، أن علماء الاقتصاد قد كشفوا منذ نصف قرن على الأقل أن التعليم ليس «خدمة» ننفق عليها بغير عائد، ولكنه «استثمار» طويل الأجل، كل ما يُنفَق عليه يعود مرة أخرى أضعافا مضاعفة، ومع ذلك، فإننا نشهد أمرين متناقضين فى حياتنا المصرية:
أولهما، أننا منذ عشرات السنين، ونحن نحرق البخور، وندق الطبول، ونكتب مئات البحوث والمقالات، ونعقد عشرات المؤتمرات، ويخطب مسؤولونا عشرات المرات، اهتماما بالتعليم، وتقديرا له، ووعيا بأنه لا قيام للنهضة الوطنية إلا بنهضة تعليمية. بل إننا نؤكد وعينا وإدراكنا بالتذكير بخبرات بعض الدول، مثل اليابان، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، برهنة على عظمة فعل التعليم فى نهضتها ورقيها.
ثانيهما، أن واقعنا الاقتصادى والثقافى والسياسى، لا يتسق أبدا مع هذه المكانة التى نوليها – قولا وخطبا – للتعليم، بدليل واحد، وبرهان مؤكد يعرفه القاصى قبل الدانى، ألا وهو سوء حال التعليم، وتراجع مركزه، حتى أننا نكاد نقول كلما جاء وزير جديد للتعليم – شفقة عليه-: « إيش تعمل الماشطة فى الوِش العكر»؟!
ومع ذلك، فإن الأجواء التى تعيشها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير2011، تحتم ألا نستسلم لليأس، فالشعب الذى استطاع أن يحطم أغلال نظام جثم على صدورنا ثلاثين عاما، بل الذى فتح الأبواب على مصاريعها كى لا تتكرر أخطاء العهد الملكى، وأخطاء ثورة يوليو 1952، جدير بأن نفكر له، ومعه فى تعليم يكون جديرا بالفعل أن يكون «زناد» نهضة، فأنهُر الأحاديث التى نغرق فيها منذ يناير حتى الآن عن الحرية والديمقراطية والكرامة والعدل، يمكن أن تصبح نقشا على الماء، إذا لم يواكبها عمل دؤوب، وهذا لن يتحقق إلا بتحويل هذا الذى نقول ونتمنى إلى «سلوكيات» و «ممارسات»، و«عادات» و«تقاليد»، والطريق إلى هذا، القيام بعملية ثورية مماثلة على أرض التعليم، فى مدارسه ومعاهده وجامعاته ومراكز بحوثه، وطلابه ومعلميه ومسؤوليه، فى مناهجه وكتبه ومعامله وقاعاته التدريسية.
صحيح أن أمر التطوير منوط بوزيرين للتربية والتعليم العالى، لكنهما يصبحان عاجزين، دون تمويل كاف لعمليات النهوض التعليمى. ومن هنا فإنى أعلق الجرس فى رقبة الدكتور الببلاوى..
صحيح أن كل فئة فى مصر، تتطلع إلى مزيد من التمويل، وكل قطاع، لكن عالمنا الكبير، لابد أن يعلم جيدا «منطق الأولويات» الذى يفرض على كل عين بصيرة، وعقلية راجحة، ووطنية مستقبلية، أن تضع التعليم على رأس القائمة، بما هو معروف عنه من تشكيله «مفتاح» التقدم الحقيقى، ولا يكون كذلك إلا إذا كان: أ- منتشرا لا يفلت منه مواطن، ب- جيدا للغاية، كى ينتج ويثمر.
إننى أتطلع إلى دور تاريخى للدكتور ببلاوى فى هذا الشأن، ولابد أن تتكاتف عقول، وتتآزر إرادات، للتوصل إلى حل، لا يُلقى العبء كله على كاهل الدولة، بل يشارك فى ذلك المجتمع كله.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
m
يا دكتور ببلاوى.. نوصيك بالتعليم خيراً؟!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
السياسة و التوريث افسدوا كل شىء
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد متولى
أين مكانة المعلم الإجتماعيه
عدد الردود 0
بواسطة:
العمده
التعليم هو قاطرة الدول
عدد الردود 0
بواسطة:
البرنس
أين مكانة المعلم الإجتماعيه
عدد الردود 0
بواسطة:
متولى
هل حقا ما قمنا به كان ثوره
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد اسماعيل شحاته
اغيثونى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
اتقوا الله
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم كمال
منظومة التعليم فى مصر تحتاج إلى إصلاح عاجل و جذرى