منذ ما يقرب من «52» عاما، بعد تخرجى فى آداب القاهرة عام 1959، وأنا أشرف بالانتساب إلى عالم التعلم والتعليم، مدرسا فى الإعدادى، ثم الثانوى، فعضو هيئة تدريس بتربية عين شمس منذ عام 1962 حتى الآن. أقول هذا، دون أن أُثقل على القارئ، لأبين أننى إذ أخاطب المعلمين اليوم، فلا أخاطبهم كواحد ممن يقفون خارج الدار، فمن غير مبالغة، علّمنا آلاف المعلمين المنتشرين فى ربوع مصر، وبعض البلدان العربية. وإذا قيل إن طلاب كليات التربية، هم تحت الإعداد لم يذوقوا ما يذوقه العاملون فى المدارس، أقول بأن تلاميذنا فى «الدبلوم الخاص»، والماجستير والدكتوراه، هم من العاملين فى المدارس بالفعل، فلسنا غرباء إذن عما يقاسيه المعلمون.
ومنذ وقت مبكر، عام 1974، صدر لى كتاب «أوضاع المربين العرب»، كان يركز على الحالة المصرية، حيث فيه فضح أوضاع المعلم الاجتماعية والاقتصادية، إلى الحد الذى طالبنا فيه، فى مناسبات وفترات مختلفة، أن يقف المعلم على رأس القوى البشرية العاملة، أجرا وتكريما، إلى درجة المناداة بأن يتقدم المعلم ُ القاضىَ وضابطَ الشرطة والجيش.
لقد ظُلم المعلمون طويلا، كما ظُلم ملايين من المصريين، عبر عقود، وما من طائفة إلا وهى ساخطة على وضعها.. وبدون إذاعة أسرار، يكفى أن يعلم القارئ أن كاتب هذه السطور، الأستاذ الجامعى منذ خمسين عاما، مرتبه الآن لا يتجاوز الثلاثة آلاف وسبعمائة جنيه، لكن لا أفكر فى اعتصام وإضراب، لماذ؟ لا رضى بالحال، وإنما لأننى أعلم ما عليه حال البلاد منذ يناير الماضى...تراجع شديد فى العمل والإنتاج، وتزايد مستمر فى الإنفاق والخسائر والتراجع المالى.
إن مثلنا مثل أب، لا يدخل له شهريا إلا ثلاثمائة جنيه، مثلا، فهل يجوز لأبنائه أن يطالبوه بكذا وكذا مما يفوق ما يدخل له؟! ومن هنا فقد شعرت بأسف شديد أن يقوم أبنائى من المعلمين بالإضراب، ومتى ؟ فى أول العام الدراسى!! فإذا كان المعلمون يشعرون بالغبن الذى وقع عليهم ويريدون رفعه، فمن يدفع الثمن؟
إن ملايين من أبنائنا، هم الذين دفعوا الثمن بالحرمان من التعلم؟ فهل نسعى إلى رفع ظلم، بأن نُوقع من لا ذنب لهم فى ظلم آخر؟ أفليس هذا الإضراب أيضا فيه إيقاع الأذى بملايين من الآباء والأمهات الذين لا ذنب لهم؟ هل نستدعى إلى الذاكرة المثل الذى يقول «مقدرش على الحمار، اتشطر على البردعة»؟! وفى أى وقت؟ فى وقت تشتعل فيه الحرائق فى الوطن، حيث ما إن تطفئ الحكومة حريقا منها حتى تجد حريقا قد اندلع فى مكان آخر، فى حركة متتابعة ومستمرة، إلى الدرجة التى قد لا تسمح بتوفير وقت للتفكير فى الشأن العام، ولا تسمح بالتفكير فى المستقبل، وهو ما قد يتيح الفرصة لاحتمالات اتهام المضربين بأنهم «ينتهزون» الفرصة، وإدارة الدولة ضعيفة، والوطن كله جريح، لإملاء المطالب الخاصة!! كلنا مررنا من قبل بمرحلة التعلم صغارا، وكلنا يذكر كيف كنا ننتظر بداية العام الدراسى بقدر غير قليل من الفرحة، أن سنتقابل مع أصدقاء وزملاء أعزاء أحببناهم وأحبونا، فكيف طاوعت قلوب المضربين أن يميتوا الفرحة السنوية المنتظرة فى قلوب الملايين، فلذات أكبادنا التى تمشى على الأرض؟
لكننى فى الوقت نفسه، لا أعفى الإدارة الحكومية من المسؤولية، فقد كان من المهم أن يحدث اجتماع مبكر بين وزيرى التربية والمالية، ورئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، مع مجموعة من ممثلى المعلمين، ليضع وزير المالية الحقائق كاملة، بكل ما فيها من مرارة، ويضع هؤلاء الممثلين للمعلمين فى موقف يتخيلون فيه أنهم يمسكون بزمام المالية، فماذا يفعلون؟ ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد من المكاشفة، وإنما لابد من اتفاق مشترك، على خطة الإصلاح والتغيير، مجدولة زمنيا، حتى لو توصل المجتمعون إلى أن يحصل المعلم على أقل القليل، لكن - مرة أخرى – بالتدريج وبالتوالى عبر خطة زمنية، تعلن للجميع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
المسعودي
دكتورنا الجليل
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام
تلميذك
عدد الردود 0
بواسطة:
معلم مصرى
يسقط التعليم
عدد الردود 0
بواسطة:
معلم مصرى
يسقط التعليم
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد راشد
مصر فيها فلوس كتيرررررررر
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح غانم
المفروض يبقى اضراب من كل الفئات
عدد الردود 0
بواسطة:
قارئ
الفساد كبير فى المدارس والادارا ت التعليمية والمدريات