قال الدكتور شاكر عبد الحميد، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، إن الأدب النوبى خصب وثرى ومتعدد الأنواع والفنون، وحدث به مؤخرا ما يشبة الطفرة، حيث أصبح من الملامح الأساسية والبارزة فى التراث المصرى الحديث، إلا أنه لم يلق ما يستحقه من اهتمام من جانب النقاد، وهذا شئ طبيعى لأن الدولة بشكل عام قصرت مع أهالى النوبة.
وأضاف عبد الحميد خلال الندوة التى عُقدت مساء أمس الخميس، بالمجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان "الأدب النوبى وأثره فى الثقافة المصرية"، والتى نظمتها جمعية "قورتة النوبية"، أنه قرأ كثيرا من الأعمال الأدبية النوبية لأدريس على ومحمد خليل قاسم، ويحى مختار، شريف عبد المجيد، وسمر نور، واكتشف أن هذا الأدب شديد الثراء، قائلا: الأدب النوبى به ملامح من النادر أن تجدها فى أى أدب آخر، كالاحتفاء بالحياة والفن، والحنين للماضي، ومن وجهة نظرى أرى أن الثقافة النوبية هى ثقافة فرح بالحياة والإنسان وحلم وأمل وتطلع للمستقبل وللأفضل.
وتعهد عبد الحميد أن يعقد سلسلة ندوات خاصة بالأدب النوبى للتعريف بتلك الثقافة، وقيام المجلس بطباعة أعمال خاصة بهذا النوع من الأدب.
وقال الروائى النوبى حسن نور، أن الأدب النوبى لم يظهر إلى السطح، ولا يعرفه الناس إلا بعد نشر رواية "شمندورة" مسلسلة فى مجلة صباح الخير، للكاتب الراحل محمد خليل قاسم وأصبح بعدها الأدب النوبى راكدا لمدة 20 عاما، بعد ذلك ظهرت العديد من الأعمال الأدبية النوبية مثل مؤلفات الراحل إدريس على الذى حصل على العديد من الجوائز، وحجاج أدول ويحيى مختار وهناك أعلام أدبية نوبية أخرى مثل إبراهيم شعراوى وعبد الدايم طه ومحمود شندى وزكى مراد.
وأضاف نور أن الكتاب الجدد لا يمكن القول إنهم يصنوف ضمن كتاب النوبة، ذلك لأن كتابتهم تعكس أجواء البيئة القاهرية وليست النوبية، وعلاج هذا أن يسافر هؤلاء الشباب إلى بيئتهم الأصلية، ويعيشون فيها فترة حتى يتسنى لهم أن يكتبوا عنها، وتعجب نور من عزوف النوبيين عن حضور الندوات الثقافية النوبية، والتى من المفترض أن تعمق جذور الهوية عند أولادهم وأحفادهم.
وقال الشاعر النوبى فيصل الموصلى، إن الثقافة النوبية بمثابة عنق التاريخ المصرى، ذلك لأن الثقافة ليست مجموعة من التقاليد المكتسبة فقط، بل نظام حياة شامل مأخوذ من مؤثرات داخلية وخارجية فى البيئة، وتتمتع النوبة بتاريخ حضارى كبير يتسم بالثراء والتنوع، وله خصوصيته التى تميزه عن غيره من الفنون، والأدب النوبى بمثابة رافد من روافد الثقافة المصرية، وأكد الموصلى على أن النوبيين يعانون من التهميش ولكن بالرغم من ذلك لا يسعون للانفصال عن جذورهم، أو تكوين مجتمع منعزل عن مصر.
وقال المترجم الدكتور حامد أبو أحمد أستاذ اللغة الأسبانية بكلية الترجمة فى جامعة الأزهر، وعضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، أن أدب النوبة فريد وله خصوصياته وجذب الأنظار إليه لأنه مرتبط بشكل شديد وواقعى بأهل النوبة، لذلك نراهم يعكسون بيئتهم النوبية وأعمال التهجير، وأضاف أبو أحمد أن أدب النوبة غرس نفسه فى التربة المصرية، وهناك خصائص مهمة لهذا الأدب، وهو يدل على ارتباط أهل النوبة بوادى النيل، لذلك نشعر أمام كتاباتهم أننا أمام ثراء جديد، وأشياء كثيرة تضاف للقارئ، إضافة إلى ثراء آخر فيما يتعلق باللغة ولابد لأهالى النوبة أن يحافظوا على هذه اللغة، لأنها جزء من التنوع الثقافى فى هذه المنطقة، بجانب اللغة العربية التى يكتبون بها.
وقال الكاتب أحمد أبو العلا، لا أفضل أن أطلق على الرواية التى تُكتب عن النوبة مُسمى الرواية النوبية، ذلك لأنها رواية مصرية أولا وأخيرا ومن الخطورة أن يتم تقسيم الأدب وفقا للمنطقة الجغرافية، وفى نسيج المجتمع النوبى هناك عروق متأصلة فى الثقافة المصرية لا يمكن أن نغفلها، فعندما نتحدث عن الإبداع نجد أسماء كثيرة ومهمة.
وأضاف أنه كان يتم تسليط الضوء على القاهرة باعتبارها العاصمة الأولى والإسكندرية فيما تم تجاهل المحافظات والأقاليم الأخرى وكأننا نريد أن نهمش بقية المدن والأمكنة، ومسألة التهميش التى لا يوجد لها سبب سوى التشيع للمركزية، جعلتنا لا نعرف شيئا عن النوبة، وفى النهاية يدفع الثمن أهل الأماكن المهمشة.
وتابع: الأدب القصصى والروائى الذى كُتب عن النوبة هو الذى كشف أهمية هذا المكان، العامر بالإنسانية، ومن وجهة نظرى أرى أن الأصوات التى تنادى بالانفصال أو تدعى ذلك على النوبيين هى مجرد أصوات ومشكلات مفتعلة، لأن النوبيين يعبرون دائما سواء فى إبداعاتهم أو تواجدهم أنهم جزء من نسيج هذا الوطن ولا يمكن أن ينفصلوا بل طالبوا بأن يكون لهم حق العيش فى وطنهم، وهذا لا يغفله أى إنسان، وهى قضية الانتماء للمكان.
وأكد أبو العلا على أن الإبداع متأصل عند أبناء النوبة على الرغم من أنهم لم يحظوا بالاهتمام الكافى، وتابع: وأنت تقرأ أدب النوبة تجد هناك نوعا من الرصد للعادات البالية، التى كانت موجودة وثارت عليها أجيال جديدة. وفى الأعمال التى ترصد علاقة الشمال بالجنوب نجد الكاتب إدريس على كمثال متمرد على الجنوب ومنحاز للبيئة القاهرية، على عكس الروائى حسن نور على سبيل المثال الذى يعكس فى أعماله محاولات الطرد التى يتعرض لها أبناء الجنوب حين ينزحون إلى الشمال.
وأكد على أن أدباء وأبناء النوبة لديهم من القدرة والإرادة ما يجعل أدبهم عالميا، داعيا إلى ضرورة التركيز على هؤلاء الأدباء وترجمة أعمالهم بدلا من التركيز على أدباء بعينهم فقط، قائلا: أعتقد أنه عندما تزول هذه الفترة الشائكة سيكون أدباء النوبة فاعلين فى الوسط الثقافى الحالى، ذلك لأن أدب النوبة جزء لا يتجزأ من الأدب العربى المعاصر، وينبغى أن يأخذ أدباء النوبة حقهم لأنهم مثلما عبروا عن أدب الجنوب عبروا أيضا عن أدب الشمال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة