"مجموعة من القواعد التى تضمن تنظيم العلاقة بين الأفراد من ناحية، وبينهم وبين الدولة من ناحية أخرى، بما له من قوة القهر والإجبار".. هكذا قدم لنا الأكاديميون تعريف القانون، وهكذا يدرسه طلاب الحقوق ويعرفه الباحثون عن أمنهم واستقرار بلادهم.
وفطنت الدول المتقدمة وفطن معها مواطنوها إلى أهمية تلك القواعد، وحافظوا عليها وطبقوها، ليس خوفاً من قوة القهر والإجبار، ولكن إيمانًا بحقهم فى عيش آمنٍ وبلد مستقر، فسما القانون، وارتفعت أهداف الدولة فوق المصالح الخاصة فتحققت أهداف الجميع باحترام قواعد بسيطة، فنعم المواطنون بالأمن وواصلت بلادهم التقدم حتى سادت العالم.
أما عندنا فى مصر، فالقانون يعانى تخمة نصوص مستنسخة، تفرعت إلى مواد، وبنود، وفقرات، فضلا عن التعديلات التى لا تنتهى، حتى شغلت نصوص القوانين مساحات تفوق حيز التطبيق، ورغم تعددها وتشابكها وتفريعاتها، لم تفلح فى تحقيق لا أهداف المواطن ولا أهداف الدولة.
فبدلا من أن يرتقى القانون بالبلاد والعباد، هبط المجاهرون بمعصية الوطن بمصالح الدولة إلى أسفل سافلين، وارتقت مصالح الفرد على أهداف الجماعة، وتم اغتيال حق البلاد فى الاستقرار حتى دخلت إلى منعطف خطير.
والعجب – كل العجب – أن معصية القانون أصبحت عرفًا، وتطبيقه صار استثناءً، وكاد قانون الغاب أن يحكم العلاقة بين الأفراد وبينهم وبين الدولة، بعد أن نجح المجاهرون بالمعصية فى اقتلاع أنياب القانون حتى فقد قوة القهر والإجبار.
ومن أسف أن القائمين على تطبيق القانون نسوا – أو تناسوا- حقوق الدولة وحقوق الأفراد أيضا، واكتفوا بالمتابعة تارة وبالعفو تارة أخرى، وقدموا مبررات تبدو فى ظاهرها الرحمة، ولكن فى باطنها العذاب بعد أن أضاعوا هيبة الدولة فى عدم التطبيق.
صحيح أن الحقوق تسبق الواجبات، والتشريع لابد أن يسبق التنفيذ، ولكن فى أحيان أخرى لابد أن يكون هناك التزام بالواجبات والتنفيذ حتى يمكن الحصول على الحقوق كاملة دون نقصان، وهو ما ينطبق على حالتنا فى مصر، فنحن فى حاجة إلى التزام بواجب حب الوطن والحفاظ على مقدراته حتى يحصل المواطن على حقه كاملا، نحن فى حاجة إلى تطبيق رادع للقانون لكل من تسول له نفسه الخروج على النظام، أو يهدد الأمن العام، لم نعد فى حاجة إلى "طبطبة" والاعتماد على سياسة المجاملات والقوانين التى تخدم المصالح الخاصة دون النظر إلى صالح عامة الشعب.
فمنذ تفجرت أحداث يناير من العام الماضى، وتمر بلادى مصر بمنعطف سياسى خطير من المفترض أن تنتقل بعده من نظام سياسى استبدادى عنيد ظل جاثما على صدور المصريين ثلاثة عقود من الزمان، إلى نظام ديمقراطى وليد فى حاجة إلى رعاية واهتمام خاصين بما يتطلبه ذلك من وحدة الهدف والإجماع على إبقاء مصلحة مصر عليا.
ورغم مرور عام كامل إلا أن رياح السياسة مازالت تهب علينا بفئات وأفراد وجماعات مازالت عاجزة عن فهم مفردات تلك الأحداث وأجمعت على أنها مرادف للفوضى وعدم احترام البلاد والعباد وسيادة القانون والدولة ويجاهرون بمعصية الدولة صباح مساء.
وسعى هؤلاء بفهمهم الخاطئ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، إلى الصدام وافتعاله مع الدولة وأجهزتها وهم يظنون ظن السوء أنها مفككة وأنها بلا ضابط أو رابط، وأن إضراباً هنا أو هناك أو حملة تنديد من بعيد أو من قريب من شأنها الضغط على نظام الحكم الذى يمثله المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتلبية رغباتهم.
ومن أسف أنهم لجأوا لاستخدام من يؤيد فهمهم الخاطئ وأفكارهم البالية ولوكانوا أدباء مأجورين أو صحفيين منحرفين، كما أنهم لم يتذرعوا فى استخدام كفاءات علمية وطنية فى الضرب تحت الحزام لتأليب الشعب ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهذه ثلة من الشباب تسب المجلس، وتلك قوى سياسية تصف أعضاءه بأنهم يفتقرون القرار السياسى، وقلة من المنتفعين يصفونهم بالجهل القانونى، حتى شاعت الفوضى وضاعت وحدة الهدف وانشق الصف وتخلف الجمع عن ركب الديمقراطية.
وأظن – ظن العارفين المتيقنين – أن الذين يؤمنون بهذه المرادفات هم أبعد ما يكون عن الصحة السياسية وإصابتهم الأفكار المختلة والآراء المعوجة، فدورهم فى الحياه السياسية كدور البكتيريا والجراثيم فى إعطاب الثمار وإمراض الأبدان فهؤلاء وأولئك لايمكن أن يرتكن إلى آرائهم التى تحولت إلى شذوذ عن الديمقراطية ينبغى أن يباد.
لم أفهم حتى الآن سر التهاون فى إعلاء دولة القانون وممارسة حق الدفاع عن هيبة الدولة، كما لم أفهم أيضا سر الإصرار على هدم دعائمها والتعامل مع الدعوات الصريحة لذلك على أنه جزء من تسالى العصارى، ولماذا تجاهل حقيقة أن إغفال تطبيق القانون يضر بسمعتى الحاكم والمحكوم على حد سواء، فالجرائم واضحة والأركان مكتملة، ولكن يبدو أن القاضى فى إجازة حتى إشعار آخر.. ولك الله يامصر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
طبيبه مصريه
انا قريت مقالك مرتين
عدد الردود 0
بواسطة:
مدام / جيهان
هذا هو الكلام ... شكرا لك