منصور حسن رئيس المجلس الاستشارى محل إجماع على احترامه من جميع القوى السياسية على اختلاف اتجاهاتها، وهذا الأمر لا تجده إلا قليلا ببلادنا.. وعندما طلبت منه أن يحكى لـ«اليوم السابع» أياما من عمره ابتسم ابتسامة واسعة كأنه يتذكر الماضى الجميل.
أبى أنجبنى بدرى جدا!
تنتمى أسرتى إلى مدينة أبوكبير بالشرقية، أنجبنى والدى بدرى جداً وكان عمره 17 سنة فقط! أما أمى فكانت فى الخامسة عشرة من عمرها، وهى تنتمى إلى أسرة متدينة كبيرها الشيخ «منصور أبوهيكل» وكان عالما أزهريا، وهو جدى الأكبر.
ويقول منصور حسن: أبى رحمه الله محمد محمود حسن له أعظم الأثر فى حياتى، والدى طراز معين متطلع للعلم رغم أن تعليمه كان متوسطا، واسع الأفق جدا وصاحب ذكاء حاد استطاع الارتقاء بنفسه من مجرد تاجر بالشرقية إلى رجل صناعة، ومال حيث دخل فى صناعة الأدوية وتأسيس البنوك مثل بنك القاهرة، وأصبح بفضل اجتهاده من رجال الأعمال المرموقين، وعلاقتى به كانت دوما طيبة وكنا أصدقاء وليست مجرد علاقة بين أب وابنه.
الشيخ عبدالبديع صقر
أرسلنى أبى وأنا صغير السن إلى مدرسة ميزتها الأساسية أنها «خطوتين» من البيت!! لكن تأثيرها كان ضخما، حيث تولانى برعايته ناظر المدرسة الشيخ عبدالبديع صقر رحمه الله، وهو من قيادات الإخوان المرموقة فى ذلك الوقت وما رأيته فى شخصيته جعلنى أبحث دوما عن مثله طيلة حياتى وفى كل تعاملاتى.. كان محترما ومستقيما وفاضلا وجعلنى أحب هذه النوعية من الناس.
مفاجأة كبرى
قرر أبى الحبيب إرسالى إلى الإسكندرية لأدرس فى أشهر مدرسة إنجليزية فى ذلك الوقت واسمها فيكتوريا.. ولقى هذا القرار اعتراضا شديدا لأسباب عدة أن الإنجليز كانوا أعداءنا، وهى مدرسة إنجليزية بحتة، ومعظم الأساتذة خواجات، بالإضافة إلى أننى سأسافر بعيداً عن أهلى وأعيش داخل المدرسة بالقسم الداخلى بها وكأننى فى ملجأ، لكن والدى صمم على رأيه: عايز لابنى أفضل تعليم فى الدنيا وانتصر رأيه فى النهاية.
مدرس اسمه محمد عزازى المسيرى
ويقول منصور حسن: ذهبت إلى هناك وعمرى أقل من عشر سنوات فأنا من مواليد سنة 1937، ولم أستسلم للثقافة الأجنبية.. جذورى بأبوكبير وتأثير أستاذى الشيخ عبدالبديع صقر ساعدتنى فى عدم الذوبان فى ثقافة الأجنبى وفى سنة 1948م جاء إلى المدرسة مدرس مصرى اسمه محمد عزازى المسيرى وهو أمر استثنائى لأن معظم المدرسين كانوا أجانب، لكن شطارته فرضت نفسها، واتضح أنه زميل أبى بالدراسة ومن ذات محافظته، فحدث تقارب كبير بيننا، وكان فضله كبيرا على الجميع، ومن نتائج وجوده معنا بالمدرسة أن بعض الطلاب وكنت من بينهم تجرأنا وطلبنا من الإدارة الإنجليزية السماح لنا بصلاة الجمعة أثناء فترة الاستراحة بين الحصة الثالثة، وبالطبع رفضوا وتكرر الرفض «فقررنا التحدى وخرجنا من المدرسة يوم الجمعة، وذهبنا إلى أقرب جامع بعد نصف ساعة مشى!!، وصلينا هناك وعدنا من جديد وتفهمت المدرسة موقفنا ولم توقع علينا عقابا، كما كنت أنتظر، وأصبحت صلاة الجمعة حقا لنا، وكانت الدراسة مستمرة يوم الجمعة حيث العطلة يومى السبت والأحد.
أغلقت مدرسة فيكتوريا
ويضيف السياسى الكبير قائلا: إذا كانت المدرسة قد تسامحت معى فى موضوع صلاة الجمعة دون استئذان ورضخت فى النهاية، فإن موقفها كان صارما عندما تأكدت الإدارة أننى أقوم بتوزيع منشورات ضد الإنجليز داخل المدرسة أطالبهم فيها بالجلاء عن مصر، وكان ذلك سنة 1953 وعمرى وقتها ست عشرة سنة فصلى نهائيا من المدرسة.. وكانت مفاجأة قاسية لوالدى رحمه الله الذى لم يكن يعلم شيئا، وفوجئ بدخولى إلى المنزل، وأنا أحمل حقائبى، لكنه تقبل الأمر بهدوء كامل، وسألنى: إذا كنت قد تناولت غذائى أم لا؟! وهكذا كان يواجه كل الأمور بأعصاب حديدية.
وقررت الأسرة رفع دعوى قضائية ضد المدرسة وحكم القاضى لصالحنا وما زلت أتذكر اسمه إلى اليوم «راغب الهوارى»، أما المحامى الذى وكله أبى فهو أحمد رشدى والد الصحفية المعروفة إنجى رشدى التى كان تتعمل بالأهرام! واستشارت الإدارة الإنجليزية محاميها مصطفى مرعى، وكان أكبر المحامين فى زمانه فأكد ضرورة تنفيذ هذا الحكم إلا فى حالة واحدة أن تغلق المدرسة أبوابها!! وهذا ما حدث بالفعل يوم ذهابى إلى المدرسة تنفيذا للحكم القضائى، فقد وجدتها فى إجازة!! وفى النهاية تمكنت من أداء الامتحان بناء على حكم جديد صدر من محكمة النقض.
طالبت بتأميم صناعة أبى!!
وبعد حصولى على الثانوية العامة دخلت كلية التجارة، حيث كان قسم العلوم السياسية موجودا بها فى ذلك الوقت، وبالطبع لم يعجب هذا الموقف أبى فقد كان يريدنى بجانبه، بينما كنت أهوى الدراسات السياسية، وأتمنى العمل بالسلك الدبلوماسى، وحتى يغرينى والدى بالعمل معه خصص لى راتبا ضخما يبلغ 150 جنيها شهريا، وهذا المبلغ يساوى آلاف الجنيهات، وجعلنى نائبا له ومسؤولا أساسيا بالشركة وبالطبع استجبت له، وساعدته فى عمله، لكننى لم أكن مقتنعا به لدرجة أن والدى ضبطنى يوما وأن أكتب مذكرة للمسؤولين بالدولة مطالبا بتأميم صناعة الدواء!! وواجه أبى الأمر بهدوء كعادته وسألنى عن أسباب ما فعلته، وهى بالنسبة له تعنى خراب بيته إذا أخذت الدولة باقتراح ابنه!! فقلت له إن الدواء خدمة للمواطنين وليست سلعة نربح منها!! وبالطبع لم يقتنع بكلامى! ولكننى أرسلت تلك المذكرة إلى الاتحاد القومى، وكان ذلك سنة 1957، وفى سنة 1961 وقع ما كان يخشاه أبى، وتم تأميم صناعته ضمن حملة تأميمات واسعة شملت كبار الأثرياء فى مصر.
بداية السياسة مع السادات
ويقول منصور حسن: بالرغم من حصولى على شهادة فى العلوم السياسية من جامعة القاهرة، والماجستير من جامعة «ميتشجان» بالولايات المتحدة فى ذات التخصص فإننى لم أتمكن من العمل السياسى ببلادى أو ألتحق بالسلك الدبلوماسى، كما كنت أتمنى، والسبب أن أبى تم تأميم شركاته، وبالتالى فأسرته كلها موضوعة فى القوائم السوداء، لكننى استفدت بالتأكيد من رحلة أمريكا وتعرفت على الثقافة الأمريكية التى تضاهى الثقافة الإنجليزية، وهكذا أصبحت ملما بالحضارة الغربية، بالإضافة إلى اتساع معارفى عن العرب والعروبة باختلاطى بالطلاب العرب هناك، وقد رأيت مدى حماسهم للقومية العربية. والبداية الحقيقية للدخول إلى السياسة كان فى أغسطس سنة 1978 عندما اتصل بى زميلى فى مدرسة فيكتوريا محمد عبدالحميد رضوان وزير الثقافة، وقال لى: عايزينك فى الحزب الجديد الذى يجرى تشكيله، وبالفعل قابلت «فكرى مكرم عبيد» الرجل الثانى بالحزب بعد الرئيس الراحل أنور السادات ثم قابلت الرئيس نفسه مع قيادات الحزب بالمعمورة فى الإسكندرية، وسألت نفسى وأنا فى طريقى إليه كيف سأخاطبه وكانت الإجابة: «كن أنت» وإياك أن تغير شخصيتك، وهذا ما شعر به رحمه الله فقد كنت صريحا معه إلى أقصى حد! وأصبح لى بصراحتى تلك موقعا مميزا فيما بعد لأننى صريح ومعظم من حوله ينافقونه!
لحظة رهيبة
ولا أنسى يوم قيام الرئيس السادات رحمه الله بتقديم قيادات حزبه إلى الرأى العام، وكان ذلك بفندق «سان استفانو» القديم بالإسكندرية فى صيف 1978.. أخذت مكانا بعيدا عن المنصة، وأخذ الرئيس فى تقديم من حوله من الجالسين، ثم نظر إلىّ والتزم الصمت، وكانت لحظة رهيبة ومرت كأنها الدهر، وتساءلت: هل استغنى عنى بهذه السرعة، لكن يبدو أنه نسى اسمى لأنه لم يكن يعرفنى من قبل! ورأيت فكرى مكرم عبيد بيهمس فى أذنه فانطلق قائلا: وأقدم لكم منصور حسن الشاب الوطنى المثالى الذى أتمنى رؤية شباب مصر مثله.. وتنفست الصعداء بعد طول انتظار رغم أنها كانت مجرد لحظة. ويضيف منصور حسن قائلا: عملت معه ثلاث سنوات، وخلال تلك الفترة أصبحت مدير مكتبه لشؤون الحزب ثم دخلت وزارة مصطفى خليل سنة 1979 وزير دولة برئاسة الجمهورية ومسؤولا كذلك عن الثقافة والإعلام وبعد اعتقالات سبتمبر سنة 1981 التى اعترضت عليها طلبت إعفائى من كل مناصبى وهذا ما حدث بالفعل.
البقرة الضاحكة!
وعن علاقته بالرئيس المخلوع حسنى مبارك قال منصور حسن: كان موجودا عندما دخلت الحياة السياسية، حيث تولى منصب نائب رئيس الجمهورية منذ سنة 1975م، ولم يكن يحلم بهذا المنصب على الإطلاق الذى كان أكبر من كل طموحاته! وكان يعاملنى بأدب ولكن بحذر وبعد ذلك توترت علاقتنا بسبب الشائعات بأننى سأخلفه فى منصبه، وكان الرأى العام يطلق عليه البقرة الضاحكة، بينما كنت أنا محل احترام من الجميع، وزاد الطين بلة الحديث الذى نشرته مجلة الحوادث اللبنانية على سبع صفحات، ووصفت عناوينه على الغلاف تحت عنوان «الرجل القادم فى مصر»، وكان ذلك سنة 1981 فى حديث شهير أجراه معى محرر المجلة بالقاهرة «نشأت الثعلبى» وأدى ذلك إلى مزيد من التدهور فى علاقتنا، وبعد توليه منصب رئيس الجمهورية عقب مقتل الرئيس السادات رحمه الله قررت الابتعاد، ولم أتعاون إلا فى موضوع واحد فقط عندما كلفنى بالسفر إلى الأردن والاجتماع مع الملك حسن الذى كان زميل دراسة فى فيكتوريا، وقد نجحت فى مهمتى تلك، وكان الأردن أول بلد عربى يعيد علاقته الدبلوماسية مع مصر.
تكريم وتكليف!
ويختم منصور حسن حواره عن المحطة الأخيرة التى بدأت قبل فترة قصيرة أواخر السنة الماضية عندما تم اختياره رئيسا للمجلس الاستشارى.. يقول فى ذلك كانت تلك مفاجأة بالنسبة لى لأننى لم ألتقِ من قبل معظم الأعضاء واعتبرت هذا الأمر تكريما لشخصى وتاريخى، لكنه تكليف شاق أبذل كل جهدى من أجل أن أكون على مستوى المسؤولية فى خدمة الوطن.
محمد عبدالقدوس يكتب: منصور حسن يتذكر أيام مدرسة فيكتوريا مع الملك حسين.. وعلاقته بمبارك.. السادات نظر إلى قائلا: أقدم لكم الشاب الوطنى المثالى.. وأبى أغرانى بـ 150 جنيها للابتعاد عن العمل الدبلوماسى
الجمعة، 13 يناير 2012 04:31 م
محمد عبدالقدوس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام عبدالرحمن
رحم الله الشيخ عبد بديع صقر
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال مغربى قاسم القبانى قنا
رغم عظيم الاحترام للسيد منصور حسن ووطنيته فان مصر تشتاق الى مؤسسة رئاسة فقد عانت من حكم ال
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد احمد
علم من اعلام مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور ابراهيم
الشخصيات المحترمة لا تنسى
عدد الردود 0
بواسطة:
علي عبد الحليم
أنـــت فــــخــــــــر لأبــنـــــاء أبــــــو كـــبــــــــــــير
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدى عمر
المحترم الراقى
عدد الردود 0
بواسطة:
ملك
الكثير من الآراء
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد من مصر
"أنا هاقفل تليفونى يوم 28 يناير
عدد الردود 0
بواسطة:
على سعدين
فخر مصر كلها
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مخيمر أحمد
منصور حسن ابن الشرقيه كان صديقا لوالدي رحمة الله عليه