جمال دربك

كل ثورة وأنتم بخير

الجمعة، 13 يناير 2012 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اقترب العام الأول من الثورة على نهايته، ومحصلتها بالسلب على كل المستويات، ولم تشهد مصر منذ طرد المخلوع وبعض عصابته من حكم البلاد أى نمو فى أى شىء سوى فى عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وكذلك البلطجية والخارجين عن القانون. أما بقية مناحى الحياة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية فهى إلى تردٍّ متواصل، وتبقى السياسية إلى الآن مبهمة وغامضة، ولا تنذر إلا بسوء، فى ظل حكم متخبط هو الأقرب إلى معاداة الثورة من أى موقف آخر، ولو اختلف حول ذلك المختلفون.

عام مضى إذًا ولا شىء ينمو فى مصر أكثر من حملات العداء للثورة والثوار، على الرغم أن تلك الثورة المتهمة، والثوار المضطهدين، لم يحكموا البلاد ولم يديروها، ولكنهم فقط ظلوا طوال عام بكامله، يصارعون من أجل ترشيد الحكم فى الفترة الانتقالية، أملا فى مستقبل يليق بدم الشهداء، وتضحيات الجرحى والمصابين، وبتلك الصلابة التى أبدوها من أجل تحرير الوطن من اللصوص والمرتشين، ومن خونة أمنه وأمانه ومستقبله، لصالح أعدائه وكارهيه.

فرغم أن ثورة مصر أثارت دهشة العالم بكل ما حملت من تفرد وخصوصية ورقيّ، إلا أنها كانت أكثر إدهاشا –ومازالت - عندما انسحبت لتترك غيرها يديرها، وتسمح لأعدائها أن يكونوا الأكثر صوتا، والأقسى سوطا، والأعلى نباحا ونهشا فى جسدها، بينما تمسّك الثوار –ومازالوا- بسلميتهم، وبمبادئهم الديمقراطية والليبرالية والإسلامية، حتى فى وجه هؤلاء النابحين والناهشين والهادمين والمتآمرين والمغرضين، وهو ما يحوّل تلك الدهشة الأولى من مدى نبالة هذا الشعب وثواره، إلى دهشة أخرى من ثورة بلا أنياب أو أظافر، يأكلها أعداؤها قطعة قطعة، ويغرقون الوطن شِبرًا شِبرًا -عامدين متعمدين- فى الفوضى والاعتراك الداخلى، والوقيعة بين الشعب وبعضه، والتنكيل بالثوار ومن والاهم، بينما القتلة واللصوص ينعمون بمحاكمات أُفسِدت أدلتها مسبقا، وبإقامات فى سجون صورية مرفّهة، أما كبيرهم الذى علمهم السرقة وخيانة الوطن، فمستلقٍ على قفاه متمارضا، ينعم بأفخم أنواع الرعاية الطبية، والإقامة ذات الخمسة نجوم، فيما يُلقى بالثوار على "البُرش" فى السجن الحربى والسجون المدنية، والمصابون منهم تُقيد أيديهم بالأسرَّة فى أسوأ أقسام المستشفيات الحكومية الرديئة، تحت الحراسات المشددة، ورغم ذلك يتمسك الجميع بسلمية ثورتهم ونبالتها من أجل سلامة هذا الوطن، مهما كلفهم ذلك من ثمن.

وبعد تلك "الجردة" السريعة لعام كامل مر على أحداث يناير، يبرز سؤال عجز الكثيرون أن يجدوا له إجابة؛ هل ما شهدته مصر منذ عام هو ثورة، أم انتفاضة شعبية، أم هوجة يجب إخمادها ليعود كل شىء إلى سابق عهده، وكأن شيئا لم يكن، سوى سقوط بضع مئات من الشهداء الذين يشككون فى شهادتهم أصلا، وبضع آلاف من المصابين، الذين يتهمونهم بالبلطجة؟

حقيقة الأمر أن ما شهدته مصر فى يناير من العام الماضى هو ثورة حقيقية ولو كره الكارهون. ودليل ذلك أنها أجبرت كل قوى الدولة وأركان النظام الفاسد آنذاك على الانصياع لإرادتها، وتحقيق مطلبها الأول وهو خلع رأس هذا النظام، الذى لم يكن ليسقط لولا الثورة، بل وإذلاله بذلك الظهور المخزى الذى اختاره لنفسه من خلال محاكمته وأبنائه وبعض رموز حكمه الساقط. وكذلك الانتخابات البرلمانية التى حرسها الشعب وثورته ضد التزوير وضد تزييف إرادته، لتخرج انتخابات نزيهة للمرة الأولى فى تاريخ المصريين الأحياء، يوافق على نتائجها كل طوائف الشعب وقواه السياسية، حتى لو اختلفوا فكريا.

أما كل ما شهدته الحياة السياسية فى مصر عبر هذا العام، من تدهور اقتصادى وأمنى واجتماعى، فهو حصاد طبيعى لسوء الإدارة، التى لم يكن للثوار يد فيها، وبسبب المماطلة فى تطبيق العدالة منذ اليوم الأول لنجاح الثورة – مرحليا - وحتى الآن، والمحاولات المستميتة لـ"شَيْطَنة" الثورة والثوار، من خلال التآمر عليها عبر الانفلات الأمنى المتعمد، وعدم تطهير أجهزة الدولة المقصود لضمان الولاءات، وعلى رأسها جهاز الشرطة، الذى تم الاحتفاظ به كاملا، بعد التضحية ببعض قياداته على سبيل ذر الرماد فى العيون، ليظل العصا التى يُضرب بها الشعب ويُقمع ويُقتل وتُقنص أعينه، حيث لا يمكن لجيش مصر أن يقبل هذا الدور المعادى لشعبه، ولو قام به البعض منه فى ظرف ما، فلن تقوم به الأغلبية ولن تقبل بتنفيذه.

أما حملات تشويه الثورة والثوار، فمن الطريف أن أغلب من يقوم بها هم أنفسهم بهاليل الإعلام ورقاصوه السابقون، الذين لا يجيدون الإعلام فى واقع الأمر، بدليل رداءة ما يقدمونه، ولا حتى يجيدون الرقص، ولكنهم فقط يجيدون "الحَنْجَلة" على أعتاب أى سلطة متهافتة، كرئيسهم الساقط. فطهارة دماء الشهداء والمصابين، أقدس من أن يدنسها هؤلاء الأنجاس، حيث ستبقى منارة تهدى الثوار إلى أهدافهم التى خرجوا من أجلها منذ عام، وخرج وراءهم المصريون، وسقط منهم الشهداء والجرحى وهم يطالبون وينادون بها فى كافة ميادين المحروسة: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".

وإذا لم يبق من هذا النداء الآن سوى صداه يتردد فى وجدان المصريين وذاكرتهم، فلا يختلف اثنان من غالبية هذا الشعب على ضرورة تحقيقه من أجل مستقبله، الذى لن يكون آدميا بدونه، فعلى الرغم من خفوت هذا المطلب، أو إخفاته، فإنه لن يحمى تحقيقه على أرض الواقع، وتطبيقه عمليا من أجل الحاضر والمستقبل، سوى أبناء هذا الشعب المخلصين الذين بذلوا دماءهم من أجله، بل ومن أولئك الذين دُفِعوا دفعا إلى معاداة الثورة والثوار، لأن الأمر ليس كما يحاول البعض تصويره على أنه خلاف بين المصريين على فوائد الثورة من عدمها، أو انضمامهم للتحرير أو معاداتهم له، ولكن فليذهب التحرير إلى الجحيم، لتذهب كلمة "الثورة" معه إذا كانت المسميات هى سبب الخلاف عند بعض المرضى والسطحيين، ودعونا ننظر إلى تلك المطالب حتى لو جاءت من سكان كواكب أخرى؛ فهل هى محل خلاف؟ وهل يعترض أحد فى مصر على تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية له ولأبنائه؟

فإذا كانت الإجابة "لا"، فدعونا نؤيد تلك المطالب ونتمسك بتحقيقها من أجل مصر عزيزة وشامخة، مهما كلفنا ذلك من وقت وجهد واحتمال للمصاعب.. أما إذا كانت الإجابة "نعم"، فعلى مصر السلام، وكل ثورة وأنتم كما أنتم.





مشاركة




التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري جدا

الله عليك

عدد الردود 0

بواسطة:

نيللي الكومي

كلامك ياأستاذ كلام موزون أصاب كبد الحقيقه

عدد الردود 0

بواسطة:

عمرو

هى ثورة وستظل مستمرة

عدد الردود 0

بواسطة:

شةشق

بس مين

عدد الردود 0

بواسطة:

سيد ابو زهده

ميدان التحرير : قصر القبّة الجديد

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسين سعيد

مقال فوق الممتاز

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة