الحكومة فى نظامنا الحالى هى الذراع التنفيذية لرئيس الجمهورية، فهو الذى يصدر لها التوجيهات العامة والتعليمات، كما أنها من الممكن أن تقدم له اقتراحاتها فى حل بعض المشكلات التى تطرحها بعد ذلك على مجلس الشعب، فإذا وافق عليها أصبحت قوانين تقوم الاجهزة المختصة بتنفيذها، وقد سارت الأمور خلال الستين سنة الماضية على أن تقتصر مهمة الحكومات المتتابعة على تنفيذ توجيهات الرئيس، دون أن تقوم هى باقتراحات أو مبادرات من جانبها لتسريع التقدم أو لحل المشكلات، وكانت النتيجة أن التــقدم لم يتحقق.
كما أن المشكلات تحولت إلى أمراض مزمنة يكاد يصعب أو يستحيل حلها، وكان السبب الرئيسى فى ذلك هو التزام الحكومة بخط السير الذى رسم لها، والذى كان يغلب عليه الكثير من الدعاية والمظهرية والتبجح بإنجازات وهمية لم يكن لها أى انعكاس على أرض الواقع، والأمثلة على ذلك كثيرة وفاجعة، فوزير النقل يصرح بأن الأمور فى قطاعه تجرى على ما يرام، بينما يعانى المواطنون من تهالك القطارات، وعدم انتظام مواعيدها، وسوء حالة السكة الحديد، التى كانت تؤدى إلى كوارث بشرية تنتهى بدون تعويضات، ووزير التعليم العالى ومن قبله يتحدثان بصوت عال عن تطوير التعليم الذى مازال متخلفا حتى اليوم، والذى يصل عدد التلاميذ فى الفصل الواحد إلى ما يزيد عن مائة، وفى الجامعات ما يزيد المدرج الواحد عن ألف، وهذا غير موجود، بل غير معقول فى أى جامعة محترمة فى العالم!
أما وزيرا المالية والتخطيط فإنهما كانا يتحدثان عن زيادة النمو، والسيطرة على التضخم، فى حين تتورط الحكومة فى الديون الداخلية والخارجية، ونهب أموال المعاشات والتأمينات لتدارى عجز الموازنة، حتى تظهر أمام الرئيس أولا، ثم الشعب ثانيا أنها موازنة متوازنة، فى حين أن العالم الخارجى كان هو الذى يعلم حقيقة الأمر المؤسف، ويدرك جيدا أن الجنيه المصرى يتأكل، ويكاد ينقـرض بين العملات الأجنبية! أما حكومتنا الحالية فقد تفاءلت بها خيرا، لأنها جاءت بعد ثورة يناير المجيدة، ولأنها من اختيار رئيس منتخب لأول مرة من الشعب المصرى، وهنا لابد أن تكون الحقائق واضحة، والشفافية مطلوبة، والمبادرة بحلول مبتكرة مفتوحة أمامها.. لكننى فوجئت بأنها تشكل لجنة لبحث مشكلة البطالة، وبالطبــع سوف يتطلب البحث عدة شهور، وربـما سنوات.. كما أنها لا تتحدث أبدا عن التعليم بكل مستوياته، ولا عن نظام يمكن استيراده ببساطة من أى دولة محترمة فى العالم فى مجال الصحة.. وكل ما يهمها حاليا هو أفضل أسلوب للحصول عن قرض البنك الدولى، وكيف تدارى عن الشعب شروطه المرذولة.. كذلك فإن رئيس الوزارة يقوم بنفسه بزيارة مفاجئة لبعض المرافق المتدهورة، وكان هذا يعنى إصلاحها!! أبدا..
الإصلاح يتطلب خطة مدروسة، وقرارا حاسما، ثم تنفيذا ومتابعة مستمرة، ولو أن رئيس وزراء الصين، الذى يدير شئون مليار وثلاثمائة مليون نسمة، كان يزور المواقع بنفسه لما توفر له الوقت ولا الجهد، ولا حتى العين الفاحصة.. وهنا أتساءل: أين الموظفون الإداريون المسئولون عن قطاعات الدولة؟ وماذا يفعلون؟ وإذا قصروا ماذا يحدث لهم؟! ويقال إن رئيس الحكومة لا ينام، وقد أصدقه فى ذلك، لكن وزراءه ينامون ويبدو ذلك من حالة الارتياح التى تظهر عليهم حين يطلون علينا فى التلفزيون!
وفى الختام أقول أن الحكومة التى نحتاجها فى الظروف الحالية ينبغى أن تكون كتيبة متجانسة الأفراد، صحيحة الجسم والعقل، لديها القدرة على حل المشكلات بنفسها، مع تصحيح مسارها بما يقدمه لها الإعلام الجاد، والنقد البناء، الذى ينبغى ألا تغضب منه أبدا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة