هل كانت مصادفةً أن تذيع القناة الثانية لتليفزيون الاحتلال حلقتها الأخيرة (المسجلة) مع الرئيس الفلسطينى – المنتهية ولايته - محمود عباس أبو مازن فى اليوم الثانى من نوفمبر بالتحديد، الذى يوافق ذكرى وعد بلفور المشؤوم سنة 1917؟!
ربما لا تكون فى الأمر أية مصادفة، إذا استعرضنا دلالة ما قاله أبو مازن مع تليفزيون الاحتلال على نحو دقيق.. وبغض النظر عن أن إجراء مقابلة مع تليفزيون الاحتلال أصلا هو فضيحة فى حد ذاتها لا يجسر عليها إلا رجل خفيف السمعة، فإن ما قيل فى هذه المقابلة كان أخطر من ذلك بكثير. ماذا قال محمود عباس فى المقابلة؟
قال: "إن فلسطين فى نظرى هى حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، هذا هو الوضع الآن (وإلى الأبد).. هذه هى فلسطين فى نظرى، إننى لاجئ، لكننى أعيش فى رام الله، أعتقد أن الضفة الغربية وغزة هى فلسطين، والأجزاء الأخرى هى إسرائيل". وقال: "إننى ليس لى حق العودة إلى قريتى التى طردت منها وأنا طفل سنة 1948، لى حق رؤيتها، ولكن ليس لى أن أعود إليها، لأنها الآن أراضٍ إسرائيلية". وقال: "إننى لن أسمح باندلاع انتفاضة ثالثة، وخصوصاً إذا كانت مسلحة ضد إسرائيل، طالما كنتُ فى منصبى، حتى لو فشلت الجهود الفلسطينية فى الحصول على عضوية بالأمم المتحدة"..!
أى أن الرجل يخدم العدو مجانًا..!! أو كأنه يقول لهم: فقط احتفظوا بى فى السلطة، وكل شىء سيكون على ما يرام..! لا يا أبا مازن.. إنك لا تملك الحق فى أن تبيع أراضٍ ومنازل وذكريات ملايين اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم فى أرضهم التاريخية مقابل كرسى من قشّ وحطام سلطات، إنه من العار أصلا على شخصٍ مثلك انتهت ولايته الدستورية على الشعب الفلسطينى ولا يحكم إلا بشرعية سلاح العدو وقنواته التليفزيونية التى تجرى معه المقابلات بوصفه رئيساً مزعوماً أن يدعى قدرتَه على التنازل عمّا لا يمتلك، أو أن يصادر حق الشعب الفلسطينى فى الأمل المسلح بالمقاومة والثورة.
إن أمثالك يا سيادة الرئيس المزيف يحرجون كل داعٍ للاصطفاف الوطنى ونبذ التخوين، إذ إن العربى العاقل الأخير على الأرض قبل انقراض العرب.. أو قبل انقراض العقلاء.. أو كليهما، إذا سمعك تتنازل عن حق العودة بهذه البساطة، وتعرض خدماتك على العدو مجانا بهذه السلاسة.. ولم يخوّنك.. فهو إذن خائن..!ظللتَ وأمثالك تكلموننا عن التسوية.. التسوية.. حتى ظننا أن القضية قد دخلت الفُرن وأن هذه "التسوية" هى طريقة جديدة فى شواء القضايا بدون دم..!ودوختمونا وراء المفاوضات، وحل الدولتين والثلاث دول والسبعين دولة.. ثم ماذا بعد هذا الهم كله؟ ماذا لدينا اليوم؟ لدينا رئيس منتهية ولايته فى الضفة الغربية وحكومة مقالة فى غزة..! أى أن العالم كله يمارس لعبة "حاوى" كبيرة مع الشعب الفلسطينى ويصبر جوعَه إلى الوطن برغيف من الهواء الطازج المحشو بطبقة شهية من شرائح الهواء النقى..!! مجرد أى كلام فارغ..! العدو يعيش على ظلال مدافعه ولا يأبه بهذا الكلام كله.. وإن العتو المفرط الذى وصل إليه الصهاينة فى هذا الزمان، لا يدفعنا أبدا إلى التنازل عن حقوقنا، وإنما إلى القبض على جمرة الحق حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، والتاريخ يخبرنا أنه لا يميلُ أبدًا فى كفة واحدة، وإنما هو كبندول الساعة، الذى يترنح ذهابًا وإياباً.. لا يعرف ثباتًا ولا دواماً، ولو أمكن لأحدٍ أن يفرض بقاءه إلى الأبد بالسلاح لتوقفت عجلة الزمان عن الدوران منذ أمد بعيد، ولكنا اليوم نعيش فى القرون الوسطى على أقصى تقدير.. لكن حتى العدو نفسه يعلم أنه لن يبقى بهذه الطريقة إلى الأبد، ولذلك يلحُّ على فرض السلام بالأمر الواقع مع شعوب المنطقة التى لا تقبل رائحته..! ويلح على التآمر على كل الشعوب العربية لإبقائها رهينة حُكام محمود عباسيين، شعارُهم: أبقونا فى السلطة، وخذوا ما تشاءون..!!ولكننا إذا كُنا سنتعلم شيئًا واحدًا من الأعوام الستين الماضية، ومن المذلة التى ضُربت علينا وألزمتنا سماع السفهاء يدّعون الإمارة فى أرضنا، فإننا نتعلم أننا أكبر من عدونا بكثير، وأننا فقط إذا عملنا بنصف ما يعمل العدو لحققنا كل ما نصبو إليه..إن نجاح الثورة العربية الكبرى التى بدأت فى 2011، وقدرتنا على بناء ديمقراطية صلبة وعنيدة، والتمترس خلف حقوقنا المشروعة بكل السبل السلمية واللاسليمة أسهل بكثير جداً، ويتطلب مجهوداً أقل جداً.. من الذى بذله العدو فى انتزاع الوعد بتأسيس دولته، وإحياء لغة ميتة، ولمّ شتات نفسه من العالم. أما أنت يا سيد محمود، فإننى أشفقُ اليوم عليك وعلى أمثالك، لا من قراءةٍ فى الغيب – لا سمح الله - ولكننى فقط أتذكر عبارةً كتبها الأديب الفلسطينى الخالد غسان كنفانى على لسان بطل فى إحدى قصصه القصيرة، يقول: إذا بعتَ الأرض.. فسوفَ يقتُلُكَ الفلاحون..!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
لماذا لم تشير إلي موقف المرسي ؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مرسي مرسي
لقد اقتربت الساعة