فى كتابه "إخوان إصلاحيون" الصادر حديثًا عن دار دون للنشر، يكشف الكاتب المهندس هيثم أبو خليل القيادى السابق فى جماعة الإخوان المسلمين والمنشق حديثاً عن الجماعة بعد صراع طويل داخل الجماعة عن وثائق تنشر لأول حول تجارب الإصلاح الممنوعة داخل الجماعة كتبت منذ عام 1986، والتى يشير فى ثنايا كتابه إلى مدى التعسف الشديد الذى فوجئ به من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، بسبب كتابه هذا، والتى ذهبت – كما يصفها – مع الريح، لكنها ستظل فى ذاكرة الجماعة تفضح التعسف نتيجة اختلاف وجهات النظر.
ويعد الكتاب وثيقة مهمة فى مجمله، حيث يوثق بالشهادات والوقائع والأحداث تاريخ حركة الإصلاح الداخلية فى جماعة الإخوان المسلمين ودور تيار القطبيين فى الجماعة وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر فى وأد تلك الحركة والانتصار للتنظيم على حساب أى مبادئ، وقدم الكتاب اثنان من قيادات الجماعة ومن رواد حركة الإصلاح فى الجماعة والمنشقين عن الجماعة وهما كمال الهلباوى ومختار نوح.
وقال "الهلباوى" فى مقدمته للكتاب "هذه الوثيقة الغالية بها إضاءات وإيضاحات وشىء من تاريخ معاصر، من أخ عاصر الأحداث وشارك فيها مشاركة فعالة، وهو يروى ما رآه نافعاً لمصر وللحركة فى إطار الإسلام العظيم".
ويضيف: هيثم أبو خليل هو نموذج للتيار المستنير الإصلاحى داخل الجماعة، والذى حاول إصلاح التنظيم داخلياً كثيراً لكنه واجه تيارا عنيدا يأبى التصحيح ويعتبر هيثم أبو خليل ورفاقه من الاصطلاحيين هم امتداد للحركة الوسطية الإسلامية التى خرجت منها كيانات متعددة مثل حزب الوسط وحملة الدكتور أبو الفتوح والعديد من قيادات الحركة الإسلامية الوسطية فى مصر.
ومن أبرز شخصيات تيار الإصلاح فى جماعة الإخوان المسلمين من الحاليين والسابقين كما يوضح الكتاب الدكتور إبراهيم الزعفرانى، والدكتور كمال الهلباوى، والأستاذ مختار نوح، والمهندس حامد الدفراوى، والمهندس خالد داوود، والدكتور السيد عبد الستار المليجى، والمهندس محمد هيكل، والأستاذ أحمد ربيع غزالى، والدكتور عمرو أبو خليل، والمهندس محمد سامى فرج، والمهندس كمال سمير، والدكتور أنور عبد العزيز، والأستاذ محمد حشيش، والمهندس حازم قريطم، وغيرهم كثير.
ويوضح "أبو خليل" أنه من الإنصاف أن نطلق على التيار الإصلاحى داخل جماعة الإخوان المسلمين اسم التيار الأصلى، لأنه هو من يعبر عن النبع الصافى وعن فكر الإمام المؤسس حسن البنا، بل ظل هذا التيار يقاوم انتشار التيار القطبى المحافظ داخل الجماعة الذى ظل يعمل فى السر ويحقق نجاحات فى السيطرة على مفاصل الجماعة دون أن يلتفت إليه الكثير، ولهذا كان لا بد من ظهور هذا التيار الإصلاحى كنوع من المقاومة لعملية التغيير القسرى التى تتم.
وتتناول هذه الأوراق معضلة أزلية لم تحاول أو تسعى إليها قيادة الإخوان خلال العقود الأخيرة، وهى حسم موضوع السرية أو العلنية أو البحث عن شرعية للجماعة، فالتنظيم كان معلنًا حتى 1940 وبعد تشكيل النظام الخاص لظروف تاريخية معروفة غلب عليها الطابع السرى على الحركة فى الخمسينيات والستينيات، ومنذ خروج الإخوان من السجون والتنظيم يعانى من ازدواجية بين سرية بلا معنى وعلنية المخبر السرى، ويوضح "أبو خليل" أن خطورة السرية أنها تكون مبررًا للاستبداد بالرأى والانفراد باتخاذ القرارات تحت دعوى أن القيادة تعرف أكثر، فيتحول النظام إلى جهاز تواكلى راكد يورث الاستبداد والخمول والركود وعدم الفاعلية، لوجود آراء مختلفة وحلول متعددة، وعدم وجود قنوات لتوصيل هذه الآراء والحلول – إن وجدت – فيشعر الفرد الإخوانى بهامشيته فينسحب، وهكذا أصبحت السرية ملجأ مفتوحًا تلجأ إليه القيادة لتمارس حقها المقدس فى الوصاية على القاعدة.
وتنقلنا الأوراق إلى نقطة خطيرة – كما يؤكد الكاتب – ألا وهى أهمية النقد الذاتى للجماعة التى يتهم من يقوم به هذه الأيام بأنه مفتون وضعيف الإيمان ناقض للبيعة، وأن أهم ما تحذر منه الأوراق فى هذه القضية نقطتين، أولهما هو التداخل المغلوط بين التنظيم والدين كجهد بشرى قائم على أساس تعاقدى وعلى شروط ينتقض العقد بانتقاضها، وبين الدين باعتباره الإطار المرجعى الذى تُرد إليه الأمور ولا سبيل للاعتراض أو الاجتهاد مع نصوصه القاطعة، وهذا التداخل ناتج عن أخطاء فى المفاهيم المتعلقة بالإسلام والأزمة وطبيعتها والتنظيم نفسه ودوره، ويؤدى هذا التداخل إلى إعاقة التنظيم وحركته بمصادراته للاجتهاد والتفكير المستقل، وهو ما يقوله "سعيد حويّ" فى كتابه "من أجل خطوة إلى الأمام" فيقول "لقد رأيت أناسًا يزعمون أن التنظيم إذا قال لا يحتاج لدليل شرعى، وهذا نوع من إعطاء العصمة لمن لا يملكها، وطريق للاستبداد وتعطيل النصوص".
ويقول "حويّ" أيضًا "لقد رأيت أناسًا يجعلون الفريضة محرمة باسم التنظيم.. نحن لا نعطى للجماعة فى العمل الإسلامى عصمة، ولا نعطى لقيادة أى فرد عصمة، ويخطئ من يقول إذا قالت الجماعة شيئًا أو قال التنظيم شيئًا فإننا لا نبحث عن دليل، فهذا نوع من البابوية والإمامية، ولقد رأينا نتيجة لذلك أن بعض المنتسبين لتنظيمات تظن فيهم روح قتلة الحسين منهم من يرتكبون أبشع أنواع الظلم باسم الإسلام وهم مرتاحو الضمير، ورأينا بعض القيادات تخدع أتباعها فتصدر حكمًا خاطئًا، ورأينا قيادات تغلبهم الأهواء، ورأينا قيادات تكذب، ورأينا قيادات تستعمل خداع الشعارات: فمثلاً فى البيعة فى الاصطلاح الفقهى غير البيعة فى اصطلاح العمل الإسلامى، ولقد رأينا من يحاول أن يخدع السذج فيعطى البيعة التى تعطى لبعض أمراء الجماعة الإسلامية مضمون البيعة التى وردت فى الأحاديث النوبية، ورأينا قيادات تعامل المختلفين معها على أنهم خوارج".
وتحت عنوان "أزمة التنظيم التربوية"، يوضح "أبو خليل" أن أسلوب المدارسة داخل الجماعة يفتقد إلى تنمية القدرة على التلخيص والتركيز والفهم والتوصيل، فيشير إلى تصنيف المواد التى يتم تدريسها للإخوانى وهى "قرآن كريم، سنة، حديث، سيرة، فقه ودعوة، تزكية روحية"، متسائلاً: أين إذن بقية المحاور التى تقوم عليها الشخصية الإسلامية السوية والتى تخدم العقل وتزيده اتساعاً وفقهًا من دراسات سياسية وأدبية واجتماعية؟، كما تغيب تمامًا الدراسات والمناهج التى تعالج مشاكل الواقع، مثل الموقف من الأقباط والقومية والوطنية والتراث والمرأة والتفاوت الطبقى والمشاكل الاقتصادية وتجارب التغيير والثورة فى التاريخ القديم والمعاصر، مؤكدًا "ومن هنا يمكن القول بأن محتوى البرامج تجريدى يختزل القضايا ويبسطها تبسيطًا مخلاً.
وتحت عنوان "خيرت الشاطر..المفترى عليه..والمفترى علينا" يكشف "أبو خليل" عن جوانب متعددة ربما تكون مخفية لدى كثيرين، ومنها أن "الشاطر" على الرغم من إيمانه بدور الإعلام المهم فى التأثير إلا أنه يكون إقصائيًا أحيانًا مع الإعلام المعارض والمناوئ، فلقد تدخل بنفسه عند رئيس تحرير حزب لفصل محرر فى جريدة الحزب نشر عنه خبر صحيح، وتم فصله بالفعل، وحاول أن يفعل هذا الأمر مع جريدة مستقلة وقورة، إلا أن رئيس التحرير هدد بأن استقالته ستسبق طرد المحرر من الجريدة.
ويقول "أبو خليل" يجيد "الشاطر" التعامل الأمن، وظهرت مهاراته منذ قضية سلسبيل، وفى القضية العسكرية الأولى عام 1995، فكان يرسل لضباط السجن ما يطلبونه مباشرة إلى منازلهم من ثلاجات أو غسالات أو ما شابه ذلك، ولن ينسى زملاؤه ارتفاع صوت الشاطر ومشادته مع أحد ضباط السجن، وغضبه أثناء الفسحة فى مزرعة طره فى محنة 1995 وعندما عاد إلى الزنزانة أخبر زملاءه عن حاجة الضابط الذى أرسل له كل الأجهزة التى طلبها على مدار الشهور الماضية إلى سيارة، بل وذكر أحد رجال لجنة السياسيات فى الحزب الوطنى البائد لأحد الأصدقاء الثقات أنهم سعوا بقوة عند جمال مبارك للإفراج عن الشاطر فى القضية العسكرية الأخيرة، لأنه رجل الجماعة القوى الذى يمكن التفاهم معه.