مشاعر العزلة والخوف تكبل الأسد داخل قصره مع تداعى أركان نظامه

الأحد، 30 ديسمبر 2012 08:41 ص
مشاعر العزلة والخوف تكبل الأسد داخل قصره مع تداعى أركان نظامه بشار الأسد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تزال الصورة الرسمية للأسد تشير إليه على أنه «أمل» الأمة السورية، إلا أن هناك مؤشرات متزايدة تبين أن الرجل الذى يجلس على رأس النظام السورى المتدهور لم يعد لديه بصيص من ذلك الأمل من أجل نفسه، إذ تسلط الروايات التى تتحدث عن الأوضاع داخل النظام السورى فى الأيام الأخيرة ضوءا جديدا على ما تحدثه الحرب الأهلية التى شارفت على إكمال عامها الثانى من عبء نفسى على الأسد، حيث أظهرت مدى شعور الرئيس السورى بالعزلة والخوف وسط ما يبدو من أن نظامه يقف على شفا الانهيار من حوله.

وبعد شهر من الانتكاسات شبه المتواصلة التى لحقت بنظامه، اختفى الأسد تقريباً عن أنظار الناس خلال الأسابيع الأخيرة، فلم يجر أى حوارات أو يلق أى خطب، ولم يسجل أى ظهور «حى» أمام كاميرات التليفزيون الحكومى. ويكشف مسئولون أمريكيون وشرق أوسطيون الآن عن أن الأسد قد اختفى بالقدر نفسه عن عالم رئاسته الآخذ فى الانكماش، ليقصر اتصالاته على دائرة صغيرة من أفراد الأسرة والمستشارين من أهل الثقة.

وفى إهدار لأى جهد علنى من أجل حشد قواته المحاصرة، أصبح اهتمام الأسد منصباً على سلامته الشخصية، وذلك بحسب ما ذكره المحللون وما جاء فى الروايات الإخبارية. وقد رصدت روايات الإعلام السورى والناشطين هذا التحول، حيث تتحدث هذه الروايات عن مدى حرص الرئيس على زيادة التدقيق فى التفاصيل الأمنية، من خلال الانتقال إلى غرفة نوم مختلفة كل ليلة، وتشديد الرقابة على إعداد الطعام من أجل إحباط أى محاولات اغتيال، إلا أن هذه الأقاويل لا يمكن التأكد منها بصورة مستقلة.

وعلاوة على ذلك، فاستنادا إلى روايات من منشقين لم يمكن التحقق من مدى صحتها، يقول مسئولو استخبارات شرق أوسطيون، إن الأسد قد توقف عن الخروج خلال ساعات النهار، خوفاً، كما هو واضح من أن تصيبه رصاصة من قناص أو أى نيران أخرى. وذكر مسئول شرق أوسطى رفض الإفصاح عن اسمه، بسبب التطرق إلى معلومات استخباراتية حساسة، أن «تحركاته توحى بحالة دائمة من الخوف».

ومع ذلك، فإن كلام الأسد ما زال يوحى بالتصميم على البقاء فى السلطة، ففى آخر حوار متلفز أجراه مطلع نوفمبر الماضى، تعهد الرئيس السورى بأن «يعيش فى سوريا وأن يموت فى سوريا»، كما لم يبد عليه أى تغيير فى رأيه أو يظهر أى استعداد يذكر للقبول بحل وسط أثناء الاجتماعات الشخصية التى عقدها مع مبعوثى الأمم المتحدة الذين زاروا دمشق هذا الأسبوع من أجل بحث خطة لتشكيل حكومة انتقالية.

ويقول مسئولون تمت إحاطتهم علما بهذه الاجتماعات، إن الأسد كان يبدو رابط الجأش وواثقا من نفسه. وحتى أثناء انعقاد تلك الجلسات مع المسئولين الأمميين، استمر إرسال الدبلوماسيين السوريين إلى موسكو - التى تعد واحدة من القلة القليلة الباقية من حلفاء الأسد - من أجل بحث فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وسط تزايد مؤشرات اقتراب القوات المسلحة السورية من الانهيار فى مناطق كثيرة من البلاد فى مواجهة تزايد فعالية الهجمات التى يشنها الثوار.

ورغم أن الجهود التى بذلت سابقا من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض عادت بخفى حنين، فقد أبدى المسئولون الروس ومسئولون داخل مجلس الأمن تفاؤلا حذرا بشأن الجولة الأخيرة من المحادثات، حتى فى ظل التساؤلات التى يثيرها ما يحققه الثوار من تقدم على عدة جبهات بشأن ما إذا كانوا سيقبلون بأى شىء أقل من النصر الكامل.

وقد ذكر مسئول أممى، طلب عدم ذكر اسمه لأنه ليس مخولا بالحديث عن هذا الموضوع، «يبدو أن الأمور تسير بسرعة كبيرة، إن الأحداث على الأرض ربما ترتب الأمور قبل أن يتم ترتيب الأمور داخل المجلس أو فى العواصم». وامتنع المسئولون الأمريكيون عن تناول الحالة النفسية السائدة داخل الدائرة الداخلية للأسد، غير أن مسئولا كبيرا مطلعا على تقارير استخباراتية أشار إلى أن ما يحققه الثوار من تقدم مطرد نحو دمشق لا بد حتما أن يكون له تأثير.

وأضاف هذا المسئول، الذى اشترط الحفاظ على سرية اسمه بسبب تناوله معلومات استخباراتية، «ربما ما زال الأسد يعتقد أن سوريا ملكه، إلا أن الإرهاق النفسى الذى يسببه الكفاح ضد عدو يمتلك التصميم والموارد لا بد أن يكون له أثره».

ويؤكد المسئولون الأمريكيون أن الإحساس بالعزلة داخل القصر الرئاسى تزايد بفضل الانشقاقات الجديدة- التى كان أحدثها انشقاق رئيس الشرطة العسكرية السورية - بالإضافة إلى الخطوات التى تتخذها القلة القليلة التى تبقت من حلفاء سوريا من أجل النأى بنفسها عن الديكتاتور ذى الـ47 ربيعا. ففى ضربة نفسية قوية، صرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الأسبوع الماضى بأن روسيا «ليست منشغلة أو مهتمة بمصير نظام الأسد». وقد علق المسئول الاستخباراتى الشرق أوسطى على ذلك بقوله، «إن تصريحات بوتين تمثل ضربة قاصمة، لأنه مع انسحاب الروس يزداد الإحساس بأن السفينة تغرق».

كما تزايدت المخاوف بشأن السلامة الشخصية للأسد وطاقمه بفضل سلسلة من الهجمات التى تستهدف كبار مسؤولى النظام، حيث تسبب قيام أحد الثوار بتفجير اجتماع وزارى سرى عقد فى شهر يوليو (تموز) الماضى فى مقتل 3 من كبار المستشارين الأمنيين لدى الأسد، كان من بينهم صهره الذى كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع.

كذلك فإن النظام يعانى من انتكاسات داخل ميدان المعركة، حيث فقدت قواته السيطرة على جميع محافظات البلاد البالغ عددها 14 محافظة، باستثناء محافظتين فقط، ويقول المحللون العسكريون إن الجنود السوريين يموتون بمعدل ألف جندى شهريا، وحتى وحدات النخبة يبدو أنها قد فقدت القدرة على شن هجمات يمكن المحافظة عليها.

وقد ذكر جيفرى وايت، وهو محلل عسكرى سابق لدى «وكالة استخبارات الدفاع» التابعة لـ«البنتاغون»، «الاحتمالات الأكثر ترجيحا هى أن يتدهور موقف النظام أكثر فأكثر، أو حتى بصورة دراماتيكية، خلال الأسابيع المقبلة». ومع التراجع الظاهر فى سيطرة النظام، بدأ الأسد فى الاتكال على دائرة تتقلص باستمرار من المساعدين، وجميعهم تقريبا من أبناء طائفته العلوية. ويقول محللون أمريكيون وشرق أوسطيون، إن الحرم الداخلى للأسد يتكون من شخصيات عنيدة ومتشددة، ومن بينها بعض الشخصيات التى تبدو عازمة على التشبث بأماكنها حتى النهاية. ويقول أندرو تابلر، وهو مؤلف كتاب «فى عرين الأسد» الذى يتحدث عن النظام السورى، إن مستشارى الأسد- على غرار رئيسهم- لم يبدوا أى لمحة استعداد للتوصل إلى حل وسط، مضيفا أنه رغم الجهود المتكررة التى تبذلها الحكومات الغربية من أجل إغراء مسؤولى النظام بالتخلى عنه «فإنه لم تحدث أى انشقاقات كبرى من جانب كبار المسؤولين العلويين».

ومنذ بداية الصراع، تنبأ العديد من الخبراء بأن تتخلى القيادات العلوية فى النهاية عن الأسد أو- على العكس- أن يخون الرئيس أقاربه مقابل الحصول على وعد بتدبير ملجأ آمن له فى المنفى، إلا أن أيا من هذين التوقعين لم يتحقق، رغم كل ما يعانيه النظام من خسائر فى الأراضى والجنود والموارد وكذلك- على ما يبدو- الأمل. وينهى المسئول الأمريكى الكبير حديثه قائلا، «إن أذرع التحكم لدى الأسد تبلى، ومجال سيطرته يتضاءل، بيد أن جوهر النظام هو مثل البندقة الصلبة التى لا يبدو أنها قد بدأت فى التكسر بعد. رغم تصاعد الضغوط، فمن الصعب تحديد متى تأتى نقطة التحول، لأنه لا يوجد ما يوحى بأن الأسد من النوعية التى يمكن أن تفر من ميدان القتال».

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة