د. محمد صلاح أبو رجب

مسودة الدستور فى الميزان (1)

الثلاثاء، 04 ديسمبر 2012 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقييم المسودة النهائية للدستور أمر فى غاية الأهمية حتى نصل إلى تكوين رأى إيجابى أو سلبى تجاه الدستور، الذى قد يحكم مصر لخمسين عاما قادما أو أكثر.

وفى بادئ الأمر لابد من إيضاح بعض الأمور قبل التعرض لمواد مسودة الدستور.

ما هو الدستور؟ ببساطة هو عقد اجتماعى يتم بالتوافق بين جميع الأطياف السياسية حتى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعيداً عن الآراء والميول والعصبية والحزبية.

والسؤال عندى الآن هل تم التوافق بين جميع الأطياف السياسية فى تشكيل الجمعية التأسيسية الحالية، التى وضعت مشروع دستور مصر؟ والإجابة عندى أيضًا بالنفى، لأنه ببساطة لو قارنا بين هذه اللجنة ولجنة كتابة دستور عام 1954 لعرفنا الفارق، فلجنة عام 54 كانت مكونة من خمسين شخصًا يمثلون 17 طيفا من أطياف الشعب، وكانت المقاعد مقسمة بينهم بشكل متوازن، أما اللجنة الحالية فمكونة من مائة شخص وليس بها هذا التمثيل، والتقسيم فيها غير متوازن بالمره، والدليل على ذلك حالات الانسحابات التى تمت فضلا عن حالة الانقسام الموجودة حاليا بسبب تشكيل الجمعية والمشروع الذى صدر منه.

وما ذكرته بشأن عدم التوافق السياسى يؤدى إلى فقدان مشروع الدستور، الذى سيتم التصويت عليه للشرعية السياسية.

أما عن المسودة ذاتها فهناك ملحوظات عامة تتمثل فى طول مواد الدستور وكأنها أصبحت عادة أن يتعدى الدستور مائتى مادة، رغم أن الدستور يضع فقط مبادئ عامة ولا ترد به تفصيلات بهذا الشكل الموجود فى المسودة الحالية.. وكذلك هناك العديد من المواد التى لا تصلح أن تكون مواد دستورية، فضلا عن أن كثيرا منها يمكن أن يرد فى قانون وليس دستورًا، وأخيرًا هناك فى المسودة العديد من الألفاظ المطاطة والفضفاضة، والتى تتسم بالغموض.

ونبين سلبيات وإيجابيات هذه المسودة من خلال التحليل المتعمق لأبوابها الخمسة على النحو التالى:

1- الباب الأول الخاص بالدولة والمجتمع هو باب جيد عدا المادة التى تتحدث عن تعريب التعليم والعلوم والمعارف فهى مادة تعيدنا للخلف إلى عهد الدولة العثمانية، حينما سيطرت على المنطقة العربية وبدأت الأصوات تنادى بتعريب العلوم الغربية الحديثة، فهذه المادة بمثابة النكبة التى تفصلنا عن عصر العلوم.

2- الباب الثانى الخاص بالحقوق والحريات فهو باب به العديد من السلبيات تتمثل فى الآتى:
جاءت المادة الخاصة بحرية الصحافة بعبارات فضفاضة ليس لها مدلول محدد وفقا للدستور والقانون، وقد تقيد الصحافة ولا تعطيها الحرية، كذلك أباحت ذات المادة وقف الصحف وغلقها ومصادرتها بحكم قضائى، وهذا لم يكن له وجود فى دستور 1971.

كما جاءت المواد المتعلقة بحق التظاهر والاجتماعات وتكوين الجمعيات والنقابات سيئة، حيث سمحت بتكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمجرد الإخطار دونما أى قيد ثم أقرت حق التظاهر بموجب إخطار ينظمه القانون، أى أن القانون هو الذى ينظم أمر التظاهر، وبالتالى انقلب الأمر من إخطار إلى ترخيص وهنا قد يقيد القانون كثيرا من هذا الحق، وأنا متفق على أن تكون هناك ضوابط لهذا الحق، ولكن تأتى فى صلب الدستور بحيث يكون القانون محكوم بهذه الضوابط ولا يتعداها، وكذلك لابد أن تشمل هذه الضوابط أيضاً تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

وبشأن النقابات أجازت مسودة الدستور حل النقابات والاتحادات والتعاونيات بحكم قضائى والمفروض أن يقتصر الحل على مجالس الإدارة فقط، كما أورد ذلك بالنسبة للنقابات المهنية.

أما عن المادة المتعلقة بتقديم الرعاية الصحية فإنها ألزمت جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ومن المفترض أن تكون المنشآت الصحية ملزمة بتقديم الرعاية الصحية فى جميع الحالات، كما أن هناك بعض الأمراض، التى من المفترض أن تلتزم الدولة بتقديمها للمواطنين لعدم قدرة الأغلبية منهم على التكفل بها، مثل الفشل الكلوى والعناية المركزة والجراحات الكبرى كالقلب المفتوح.
وأكدت هذه المادة على التزام الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى بالمجان لغير القادرين، دون تحديد من هم غير القادرين بدقة، وأخيراً لا يوجد نص واضح فى المسودة يمنع خصخصة نظام التأمين الصحى على نحو قد يفتح الباب لإباحته، كما أنه يفتح الباب أيضا لإضافة عبء على المريض بتحميله رسوما ومساهمات أثناء تلقيه الخدمة العلاجية، وفقا لهذا النظام.

وجاءت المادة المتعلقة بشرعية الجرائم والعقوبات مصاغة بشكل مختلف عن كافة دساتير مصر السابقة وعن كافة دساتير العالم، حيث جاء نص المادة كالتالى: "العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى.."فى حين أنها كانت تأتى دائما بالصياغة التالية" العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون....." وهناك فارق كبير فى الصياغة، حيث إن الأولى تعنى أنه لابد من وجود نص صريح فى الدستور أو القانون حتى يمكن تجريم واقعة ما أو العقاب عليها، أما النص الثانى فيعنى أنه يكفى أن تكون الجريمة أو العقوبة بناء على قانون فقد تكون الجريمة منصوصًا عليها فى لائحة مستندة إلى قانون مثل جداول المخدرات أو جرائم البورصة، كما أن هذه المغايرة قد تؤدى إلى تطبيق المادة الثانية والمادة 219 (وهى المواد الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية) مباشرة بلا قانون، وهذا فى حد ذاته ليس مشكلة، ولكن المشكلة فى أنه قد تقوم محكمة بهذا التفسير وتطبقه، وقد لا تأخذ محكمة أخرى بهذا التفسير ولا تطبقه فتختلف الأحكام، وهذا أمر عن جد خطير، فضلا عن أن التغيير فى صياغة النص لا مبرر ولا معنى له.

وسنوالى مع حضراتكم فى المقالات القادمة باقى أبواب مسودة دستور مصر بالتحليل الموضوعى لكل باب حتى نصل إلى رأى نهائى بشأنها قبل الاستفتاء عليها.

•الخبير فى مجال القانون الجنائى الدولى





مشاركة




التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

سيد بلال المحامى

مصيدة الأخوان للشعب : إما القبول بدستور مشوه لخدمة فصيل او أن نحكم بإعلان دستورى مستبد

عدد الردود 0

بواسطة:

مستشار سيد عبد المنعم

الأستفتاء على الدستور مصيدة لكسب الوقت و إعتراف بقانونيته و لإعطاءه شرعية

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الرؤوف

الى تعليق رقم 2 المستشار سيد عبد المنعم

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل

الدستور ملغم ومليئ بالثغرات المقصودة وأعد بليل فى المقطم - وحسبنا الله فيك ياغرياني

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد فهمي

سلق الدستور مع اني بحب المشوي احسن

عدد الردود 0

بواسطة:

كان نفسى فى حرية

مرسى والعصر الحجرى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة