"لم أكن أتصور أن أجلس بجانب ملكة الدنمارك على بعد أمتار قليلة من صناديق القمامة التى كنت أتغذى عليها.. وأن الشاب الذى نام فى كبينة التليفونات لأنه لم يستطع تحمل كلفة السرير سيملك أكبر مجموعة فنادق حول العالم" هكذا قال "عنان الجلالى" الذى أصبح رمزاً اقتصادياً يشار له بالبنان كشخص عصامى بدأ من تحت الصفر بكثير ووصل إلى أعلى من القمة بكثير، فرفيق المتشردين الذى اعتاد النوم متكئا على صفائح القمامة بالأمس أصبح خليل الملوك اليوم، الجلالى حكى لـ"اليوم السابع" عن أسوأ وأسعد لحظات حياته وأكد لنا أنه لن يدر ظهره إلى مصر بعد ثورتها العظيمة وأن مشاريع التنمية قادمة.
حدثنا عن ظروف سفرك إلى الدنمارك ولماذا لم تعد لمصر حينما فشلت فى بداية حياتك هناك؟
فشلت فى الحصول على شهادة الثانوية العامة ولم يكن بمقدورى الرجوع إلى مصر مهما أسودت على الليالى لأننى لم أحصل على شهادة الثانوية العامة واعتبرنى أهلى وأصدقائى وصمة عار عليهم، وكنت أرى فى السفر بعيداً للدنمارك الأمل ولكننى انضممت إلى صفوف المتشردين هناك.
وكيف تدبرت ظروف معيشتك فى ظل هذه الظروف القاسية؟
لم أجد مأكلا ولا مأوى فأصبحت كبائن التليفونات العمومية سريرى وحمايتى من البرد القارص، وصناديق القمامة هى مصدر وجباتى الغذائية ولكننى عانيت وتعبت كثيراً وقتها.
ما هى أول مهنة لك فى الدنمارك؟
عملت بكل شىء ولكن أول مهنة شغلتها فى الدنمارك كانت غاسل أطباق بفندق وكان مرتبى عبارة عن وجبة طعام واحدة أتناولها آخر الليل وأسعد لحظات حياتى حينما سألنى الشيف فى المطعم متى ستأتى غداً لأننى عرفت وقتها أننى سأحصل على وجبة طعام حقيقية ثانية.
ما هو سبب التحول الجذرى الذى دفع غاسل الأطباق يصبح واحدا من أهم رجال الأعمال؟
(العنصرية) التى تعرضت لها وأنا أغسل الصحون فى بداية حياتى هى ما دفعتنى للنجاح، حيث كان بعض الدنماركيين ينادوننى بالكلب أو الخنزير، وأعتقد أنى مسئول عن جزء كبير من هذه المعاملة، فقد كنت شخصاً غير متعلم وغير رياضى كأى مواطن من الدرجة الخامسة هناك وكان كل طموحى وقتها الحصول على مأوى ومأكل مثلى مثل الماشية، لذا قررت العمل بقدرة 10 أشخاص معاً وتغيير نفسى حتى أحصل على احترام الآخرين.
البعض يتهمك بأنك أدرت ظهرك لمصر لتصل لهذه المكانة.. ما قولك فى ذلك؟
لم أدر ظهرى لوطنى وأهلى ودينى فى أى يوم من الأيام، فقد قابلت مصريين وعرب ممن يغيرون أسماءهم من محمد إلى جون ومن إبراهيم إلى ماكس واعتادوا أكل لحم الخنزير وما إلى ذلك ولكننى لم أعاقر الخمر يوماً ولم أرض بتناول لحم الخنزير مهما قرصنى الجوع كما أنى أسدد زكاتى دون تأخير حتى يبارك الله لى فى عملى فقد رفعت اسم بلدى فى كل المحافل، كما أنادى بعدم ابتعاد المسلمين عن أصول الإسلام الصحيح فى الخارج.
ولكن الدنمارك اشتهرت بتشويه صحفها لصورة الإسلام والرسول (ص) فى مرحلة سابقة!!
الصحف هناك حرة ولا تملكها الدولة أو رجال الأعمال مثلما يحدث فى مصر ولكنها عبارة عن مؤسسات مساهمة وبالتالى لا يمكن الضغط عليها من أى طرف فهم يهاجمون كل من يريدون حتى أكبر المساهمين فى الجريدة، ولكن هذا بالطبع لا يشفع لهم فأنا ضد إهانة أى إنسان بسبب انتمائه لديانة معينة فأنا ضد التمييز بين البشر على أى أساس.
بالرجوع إلى مصر.. كيف ترى حال الناس بعد مرور أكثر من عام على ثورة 25 يناير؟
المصريون تائهون، فالديمقراطية شوهت فى أعينهم وحتى ثورة 25 يناير أصبحت نموذجاً لا يحتذى به حول العالم لأنها لا تتبع برنامج محدد لتنفيذ أهدافها ولا تملك رأسا أو قيادة للثوار وهذا أحد أسباب عدم ترددى على مصر كثيراً فنحن نعيش فى فوضى ولا نملك خطا واضحا للدولة التى يجب أن تكون مصر الثورة عليها.
إذا ما السبب وراء زيارتك لمصر فى الفترة الأخيرة؟
أنا سفير العلاقات التاريخية لدولة الدنمارك لدى الشرق اللأوسط والعالم العربى حتى 2018 وأقوم الآن ومجموعة من السينمائيين المحترفيين بتصوير فيلم عن تاريخ دولة الدنمارك والدول الأوربية الأخرى مع مصر فى الربع قرن الأخير بهدف تنشيط السياحة فى مصر وتوثيق الرحلة الاستكشافية ما بين مصر والدنمارك.
ومما صورته هل ترى أن السياحة ستنشط من جديد فى مصر؟ وهل ترى مخاوف من التيار الإسلامى عند الأوربيين من القدوم لمصر كوجهة سياحية؟
من الممكن جداً أن تعود مصر إلى مكانتها السياحية ولكن علينا أولا أن نضع نظاما واضحا للدولة، وثانياً أن ننظف الشوارع من القمامة، ففى الوقت الذى كنا نصور فيه كانت القاذورات بجوار الآثار وفى كل مكان حولنا وهذا منظر غير حضارى ولا يليق بدولة فى مكانة مصر، أما بخصوص الجزء الثانى من السؤال فأعتقد أنه (لا خوف من الإسلاميين) فالإسلام دين سماحة، كما أطالب بالحرص على مصالح أصحاب الديانات الأخرى خاصة بعد معاناتى كمسلم فى دول الغرب.
كيف تغلبت على هذا الاضطهاد والصورة النمطية للمسلمين فى الخارج؟
بالرجوع للأصول فرسالتى بعدم التمييز بين مسلم ومسيحى أو أى ديانة أخرى بدأت من هنا فى مصر، حيث صورت فيلماً يوضح لجوء المسيح والعائلة المقدسة إلى مصر التى احتضنتهم، وهذه رسالة أوجهها للعالم الغربى فنحن لم نضطهد أعلى رموز المسيحية عندما لجأوا إلينا حتى يضطهدوا المسلمين الآن.
هل أعطيت صوتك الانتخابى للتيار الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟
أنا فى الأصل رافض للتصويت، كما لا يعجبنى النهج الذى تتبعه وسائل الإعلام المصرية، حيث أجد أن الأحزاب تسب بعضها بعضاً ولا توافق بينها على بناء مصر، فهم يعيشون فى خلافات الماضى ويلقون باللوم على النظام القديم فى كل شىء لذا لم أضع دقيقة من وقتى فى التصويت.
لماذا لم تشارك بدور سياسى فى مصر قبل الثورة أو بعدها؟
عرض على الدخول فى السياسة كثيراً بمصر والدنمارك طوال الـ15 عاماً الماضية ولكنى رفضت أن يراقبنى ملايين الناس ولو لساعة واحدة وأنا من تعودت على مراقبة آلاف الموظفين وعمرى 22 عاماً فقط فهذه مسئولية كبيرة لا أقدر عليها كما أن تدخل السياسة فى رأس المال وبااااااااااء.
ما حقيقة ما نشر عن محاربة النظام السابق لك فى السنوات الأخيرة؟
هذا صحيح فالنظام السابق حاربنى واضطهدنى لسببين أولهما هجومى على حكومة رجال الأعمال فى إحدى المقابلات الصحفية عندما قلت إن مصر لن ترتقى طالما نجد رجال الأعمال فى الأفراح والمأتم يجاملون وفى وزاراتهم وطالبتهم بالعودة لمصانعهم وأعمالهم وترك الوزارة، والسبب الثانى نجاحى بشكل أكثر من المسموح به فقد كنت أملك 15 فندقاً بمصر قبل الثورة وصلوا لـ 5 فقط حتى أظل تحت السقف ولكن لا أركز على ما فعله النظام السابق لأن الأهم هو المشاريع القادمة وخطوات التنمية التى أنوى القيام بها الآن.
ما هى قصة تكريم أوباما وملكة الدنمارك لك؟
ملكة الدنمارك أعتطنى لقب (فارس العلم الدنماركى) وهو أرفع الأوسمة ولا يمنح إلا لأفراد العائلة الدنماركية المالكة وكنت أول عربى يحصل عليه، كما كرمنى أوباما فى البيت الأبيض وعينت رئيسا لمجلس كبار المستشارين بالاتحاد العالمى لرؤساء الجامعات على مستوى العالم مع أننى غير متعلم ولم أحصل على الثانوية العامة.
وراء كل عظيم امرأة عظيمة.. من هى المرأة التى وقفت وراء "عنان الجلالى"؟
زوجتى فأنا أحبها وأقدرها كثيراً وهى أجمل امرأة فى العالم ولكنها مريضة بسرطان الدم وأحضر معها جميع جلسات العلاج وأتابع حالتها الصحية باستمرار، حتى إننى سافرت بطائرة خاصة بعد تكريم أوباما لى قبل أن أخذ صورة معه لحضور جلسة علاج معها والحمد لله فبالرغم من أن طبيبها أكد أنها لن تعيش أكثر من ستة أشهر إلا أنها مازالت بجوارى حتى الآن وهى أكبر نعمة فى حياتى.
فى النهاية ما هى أسعد لحظة مررت بها فى حياتك؟
هم لحظتان وليست لحظة واحدة الأولى عندما طلب منى الشيف الحضور غداً وضمنت وقتها وجبة طعام ثانية بعيداً عن الأكل من صناديق القمامة، والثانية عندما حصلت على فيزا للدنمارك لأنى أدركت حينها أن الفتى الذى نام طويلا فى كبائن التليفونات أصبح يمتلك مجموعة فنادق وبوسعه النوم على أى سرير الآن.
بالصور.."الجلالى": أكلت من صناديق الزبالة وأول مرتب لى وجبة طعام
السبت، 17 مارس 2012 05:30 م
عنان الجلالى