ليس معنى عدم صدور الأحكام على الكيف والهوى، أن يرتد بالطعن فى القضاء ومنصاته.. فللأحكام وجاهتها، وللجالسين على المنصات.. ما اقتضى حكمهم.
فى قضية قتل المتظاهرين "حدائق القبة"، صدر الحكم بسنة للمتهمين، مع إيقاف التنفيذ، وفى قسم السيدة زينب كان حكما مشابها، وفى السويس أيضا.
فى حيثياتها اعتبرت المحكمة ضباط الشرطة، استخدموا حقهم فى الدفاع عن النفس، لذلك برئتهم فى السيدة زينب، وأوقفت العقوبة فى حدائق القبة .
ماذا تعنى تلك الأحكام ؟!
تعنى أن الذين ثاروا فى التحرير، شىء، بينما الذين حاولوا اقتحام أقسام الشرطة، وسرقوا الأسلحة، وهجموا على الأكمنة، وقتلوا أفرادها شىء آخر.
لاهم ثوار، ولا هم مؤيدون بالقانون، لما لجأوا للقانون.
كالعادة، مليون دعوة بتطهير القضاء، متوقعة، وآلاف مثلها باستمرار نظام مبارك، مع أن مبارك فى السجن، ورموزه فى السجن هم الآخرون.
القصد من تطهير القضاة، كما يبدو، إصدار القضاة أحكاما تتوافق مع مطلقى دعوات التطهير.. فيعدم المتهمون، حتى ولو رأت المحكمة البراءة، ويكرم "المجنى عليهم" ولو رأت المحكمة فى سلوكهم "إثما".
لماذا هذا الآن ؟
المناسبة ليس شغبا أحدثه أهالى "شهداء حدائق القبة" فى المحكمة، إنما فى ما تحولت إليه المفاهيم تجاه الدولة والسلطة والعلاقة بين الاثنين والشعب.
بعضهم لم يعد يرى، إلا أن كل ما يخالف الهوى.. استمرارا للإفك.. وبالتالى تحول مفهوم القانون، إلى مرادف لإرادة المتقاضين، ولأن القانون لا يجبر عادة خواطر طرفى النزاع، لذلك أصبح الطعن فى نصوصه، وأحكام شيوخه دربا من العادات.. ولا يقطع لنا بعد يناير عادة !
ليس معروفا حتى الآن إمكانية إقامة دولة القانون، فيما ليس مرادفا للقانون، فى عرف المطالبين.. سوى تقنين الرغبات.. وإقرار طموحات فردية، وفئوية.
وفى الخلاف، لافتات "تطهير القضاء جاهزة"، وفى "الخناق" سريعا ما تخرج شعارات تطهير الداخلية، وإلغاء الأمن الوطنى، وتسليم مقراته لمكتبات "الأسرة"، ومراكز "تحديد النسل" !
أزمة .
حملات التشكيك مدعومة، فى "السوبر ماركت"، وفى منافذ المجمعات الاستهلاكية.
اسمها "استهلاكية"، لأن الجميع يطلبونها، ويعرفونها، ويمدون أيديهم للرفوف "بزيادة"، بينما يسعون فى الوقت نفسه إلى دولة تحكمها النصوص، جبرا لتداعيات الفساد، ومنعا لاحتمالات تكرار رجاله.
بعضهم يتصور أن مجرد الإعلان عن رئيس للجمهورية، يعيد للأمور نصابها.. ولم يعد هذا أكيدا. فالذى سيحدث فى المحاكم، سيتكرر أمام قصر الرئاسة، والذى يصير فى مواجهة أحكام الجنايات، يصير أيضا فى مواجهة قرارات الرئيس.. لا حزم، ولا حسم.. بدعوى امتصاص آثار ٣٠ عاما من حكم طاغية.. بهدوء وروية.
الله يمسيه بالخير الدكتور عصام شرف، هو صاحب هذه النظرية.. هناك اعترضوا على المحافظ، يلغى المحافظ، وهنا اعترضوا على الطريق.. يلغى الطريق.. إلى أن اعترضوا عليه نفسه.. ولم يكفوا عن الاعتراض على خلفه.. ولن يتوقفوا عن مزيد من "الاحتجاجات".
قالك "الاحتجاجات" حق دستورى.. وهو صحيح، لكن لماذا التأكيد على دستورية الاحتجاجات، مع رفع الشرعية عن أحكام المحاكم.. وفق ما يرى القضاة ؟!
لم يعد أحد يعلم !
ربك يكملها بالستر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Edward
You are right
Amen
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد فتحي أحمد
كاتب متميز
مقال فيه تشريح متميز لواقع مرير نعيشه الأن