لم تشهد بلادى مصر عبر تاريخها، لغطا قضائيا حول مسألة قانونية، كالحالة الزمنية التى بدأت بعد مارس من العام الماضى، وتحديدا بعد صدور الإعلان الدستورى الذى يمثل – حسب واضعيه والمستفتين عليه – البناء الدستورى للدولة خلال المرحلة الانتقالية، والتى كان من المفترض أن تنتهى بتسليم الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم فى الأول من يوليو الجارى.
فقد بدأ التعامل مع الإعلان الدستورى بحالة هادئة إلا أنها لم تكن منضبطة، وتم الالتفاف عليه، لحاجة فى نفس القوى الثورية، والأحزاب والتيارات الدينية اللاعبة على الساحة السياسية، مع نوع من الخنوع من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان يدير البلاد فى تلك الفترة، والذى استجاب لضغوط قوى الحشد البشرى فى الميادين والساحات، حتى تم بناء سياسى على اساس غير دستورى، بدءا من الانتخابات البرلمانية، وانتهاء بالإعلان الدستورى المكمل، وانتخابات الرئاسة مرورا بتكوين الأحزاب على أسس دينية.
وقد تناولنا هذا الشأن فى الكثير من المقالات، وحذرنا فيها مما نعانيه الآن من حالة التفاف على القوانين، واللجوء إلى اجتهادات وتفسيرات أغلبها حسب الهوى، وليس لها علاقة بالقانون أو الدستور، وكانت النتيجة أن حدث ما حذرنا منه ووقعت الحياة السياسية فى شرك دستورى، وتم الحكم ببطلان مجلس الشعب، والبطلان ذاته فى طريقه إألى مجلس الشورى وتمت إطالة الفترة الانتقالية.
واستمرت تلك الحالة حتى صدر قرار رئيس الجمهورية الأخير بعودة البرلمان وإلغاء قرار المجلس العسكرى بحله، والذى يأتى تنفيذا لحكم الدستورية العليا، وليس افتئاتا منه على السلطة التشريعية حتى يحتفظ بها لنفسه، وهو الأمر الذى كشف عن أى مدى، أصبح القانون والدستور محل تأويل واجتهادات يصيب بعضها ويخطى أكثرها.
فالحالة التى أحدثها قرار عودة البرلمان، بينت إلى حد كبير، أننا مازلنا نعيش فترة المراهقة السياسية، ولم نصل بعد إلى مرحلة تقدير الأمور وتبعاتها، وإعلاء مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، وكانت كل الاجتهادات والتفسيرات، وحالة الانشاق بين صفوف القضاة، والسياسيين، وكافة فئات المجتمع التى انقسمت على نفسها بسبب قرار عودة البرلمان، تؤدى أيضا إلى بطلان البرلمان، وعدم القدرة على إحيائه بعد ممات.
وكانت الطامة الكبرى أن عقد البرلمان جلسته بناء على قرار الرئيس، والتى قال عنها د.سعد الكتاتنى إنها للنظر فى تنفيذ أحكام الدستورية ، وقرر خلالها تحويل القضية برمتها إلى محكمة النقض، فى واقعة أظنها تضيف إلى الجهل بالقانون جهلا إضافيا، وإلى حالة الانقسام انقساما آخر فى المجتمع، وإلى التهريج السياسى مزاحا جديدا.
واستند البرلمان إلى نص المادة 40 من الإعلان الدستورى التى جعلت النظر فى صحة العضوية، من حق محكمة النقض، وفقا لما أقره البرلمان قبل بطلانه حينما أنهى مقولة "البرلمان سيد قراره"، إلا أن البرلمان ومن يعتبر نفسه رئيسه، قد غاب عنه وعن مستشاريه، كما غاب عن مستشارى الرئاسة، أن نص المادة حدد فترة زمنية للتقدم بالطعن أمامها وهو مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ إعلان نتيجة الانتخابات، فضلا عن أنها لم تحدد صاحب الحق فى تقديم الطعن أمامها، هل هو المرشح الخاسر، أم الحزب الذى خاض الانتخابات بالقائمة، وحدث هذا فى تجاهل واضح وصريح لرأى الدستورية العليا، والذى لخصته فى عدم دستورية قانون الانتخابات برمته، مما يعنى أن البرلمان لا أساس دستورى له، ومن ثم فهو فى حكم العدم، وعلى ذلك فإن تحويل البرلمان القضية إلى محكمة النقض سقطة قانونية جديدة ارتكبها البرلمان، إذا كان يعتبر نفسه شرعيا حتى هذه اللحظة، وأضاف إلى بطلان البرلمان أيضا سببا جديدا لتؤدى كل الطرق إلى بطلانه.
ولقد حاولت – وغيرى كثيرون – أن أجد تفسيرا لقرار عودة البرلمان فلم أجد سوى أنه محاولة للدخول فى صدام حقيقى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والبدء فى مرحلة تصفية الحسابات، تقودها جماعة الإخوان المسلمين، منذ البداية والتى أصرت فى احتشادها، على أن يكون الرئيس كامل الصلاحيات، رغم أنه لم ينتقص له حق، وأن الشعب هو الذى يدفع ضريبة هذا الصراع الخفى بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بعد أن بدت تحذيرات، ومواجهات، وبيانات، كلها تصب فى إطار فتح الصراع على أكثر من جبهة، بين السلطات المختلفة فى الدولة، فى وقت يقف فيه المواطن، وهو يشعر بالهزيمة، والقهر، والندم، بعد أن كان يحدوه الأمل، فى أن تعود له آدميته، وحقوقه، وأمنه، واستقراره، وإحساسه بالمواطنة، بعد الإطاحة بنظام مبارك الساقط، وظل المواطن يعيش تلك الأحلام حتى صحا من غشيته على واقع مرير وهو أنه يسير من نظام دكتاتورى إلى نظام مراهق سياسيا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالباسط القصاص
سقطات و ليست سقطة من المحكمة الدستورية العليا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبدالهادي
هو فين الدستور اللي بتحكم علي اساسه المحكمه الدستوريه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
شخص
تعددت المهاترات.. و الكذب واحد
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدة
السنة السيئة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام الكبابى
الإعلان الدستورى الذى يمثل البناء الدستورى خلال المرحلة الانتقالية