تعرضنا فى مقال الأمس إلى المتطلبات الرئيسة لتفعيل البرنامج الرئاسى، وفى المقدمة منها تشكيل الفريق المعاون لرئيس الجمهورية من نواب الرئيس والمساعدين والمستشارين، وسرعة تشكيل الحكومة التى ستتولى مسؤولية تنفيذ برنامج «النهضة» بعد أن تعثر هذا التشكيل لفترة استمرت ثلاثة أسابيع. واليوم وقد أعلن تكليف رئيس للحكومة، تظهر بوضوح أهمية اختيار مجموعة الوزراء الذين تتوافر فيهم الكفاءة والقدرة على مواجهة التحديات والخبرة والحنكة السياسية، إلى جانب التناغم والتواصل الفكرى فيما بينهم ليكونوا فريقاً متجانساً وإن تنوعت خبراتهم واهتماماتهم العلمية والمهنية.
وإذ نحن بصدد تكوين الحكومة فى غضون أيام، لا بد من التزام الشفافية الكاملة فى بيان قدرات وكفاءات المرشحين للمناصب الوزارية وعرض هذه المعلومات، لمدة بضعة أيام، على الشعب صاحب المصلحة الأساسية فى نجاح التشكيلة الوزارية الجديدة، والتماس ردود أفعال المواطنين والأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وتقييم أصحاب الخبرة والشخصيات العامة الوطنية، ثم يكون بعد ذلك الاستقرار على التشكيل الحكومى الذى يتمتع بأكبر قدر من القبول الجماهيرى والسياسى.
وبالنظر إلى التشكيل الحكومى المنتظر، فلا بد لنا من أن نؤكد رفضنا للفكرة التى يتم ترويجها وهى تقسيم الحقائب الوزارية بين مجموعة الأحزاب والقوى السياسية التى ستشارك فى الحكومة، وفى مقدمتها حزب الحرية والعدالة الذى تتردد أنباء بأنه اختص أعضاءه بعشر وزارات! ويقينا فإن ذلك التوزيع للحقائب الوزارية يعتبر أقصر طريق لتشكيل وزارة محكوم عليها بالفشل، ليس فقط لافتقاد التناغم والتواصل الفكرى بين ممثلى الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فى ذلك الخليط الوزارى، وليس لعدم ضمان اتفاق الوزراء المختلفين من أحزاب أو قوى سياسية لم تشارك فى صياغة البرنامج الرئاسى المفروض عليهم الالتزام بتنفيذه، ولكن وبالدرجة الأولى، لسبب توزع ولاء الوزراء بين الأحزاب والجماعات المشاركة فى الحكومة، وهذا ما سيشكل العقبة الرئيسة أمام رئيس الوزراء فى الحصول على التوافق بين أعضاء الحكومة على السياسات والقرارات، وسيكون من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات جريئة تتعامل مع المشكلات المزمنة وتحتاج إلى حلول غير تقليدية.
ومن أبرز متطلبات نجاح الحكومة أنها تمثل تجربة ديمقراطية جديدة فى نظام الحكم بعد انتهاء الفترة الانتقالية وانتقال سلطة تشكيل الحكومة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى رئيس جمهورية مدنى منتخب. فقد سبقت الحكومة المنتظرة حكومات تولاها الفريق أحمد شفيق والدكتور عصام شرف ثم الدكتور كمال الجنزورى، وكلها حكومات كانت تعتبر، بشكل أو بآخر، حكومات تسيير أعمال وبخاصة الحكومة الأخيرة للدكتور الجنزورى. أما الحكومة المنتظرة، فهى أول حكومة يتم تشكيلها وفق إرادة شعبية عبرت عن نفسها بانتخاب رئيس الجمهورية. ومن ثم فهذه الحكومة ستكون خاضعة للرقابة الشعبية وستكون سياساتها تحت منظار الرأى العام بشكل متصل، ومن هنا تكمن الأهمية القصوى فى بلورة وتوضيح سياسات الحكومة المعبرة عن البرنامج الرئاسى، والإفصاح عن توجهات الحكومة بالنسبة للقضايا الوطنية والمشكلات الحياتية لجماهير الشعب، وضرورة بيان اختيارات الحكومة، المعبرة عن توجهات الرئاسة، بحيث تكون الجماهير على بينة من تلك التوجهات والقرارات المحتملة فى أمور حياتية صعبة. ومن نافلة القول وجوب التأكيد للشعب أن الحكومة الجديدة هى فعلاً «حكومة الثورة» تعبر عن أهدافها وتلتزم بتحقيقها، وأنها تتمتع منفردة بجميع صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة شاملة رسم السياسات واتخاذ القرارات.
ومن أهم السياسات التى يجب توضيحها للناس تلك المتصلة بقضايا الحياة اليومية ومصادر الدخل لأغلبية المصريين، وأخص بالذكر قضايا الدعم، والخصخصة ومصير قطاع الأعمال العام وسياسة الحكومة نحو إحياء شركات قطاع الأعمال العام وإنقاذها مما أصابها من إهمال وتبديد لطاقاتها وإمكانياتها ومحاسبة المسؤولين عما أصاب هذا القطاع الوطنى من تدهور.
كما تمثل قضية أموال التأمينات العامة ومصير مدخرات الناس فى نظم التأمينات الاجتماعية قضية ذات اهتمام جماهيرى بالغ تحتاج إلى الحسم والصراحة، فإن الموقف المعلن لوزارة المالية يؤكد أن مدخرات المصريين فى نظم التأمينات الاجتماعية مصونة وفى أمان، بينما يقطع مختصون وسياسيون، وأنا منهم، أن تلك الأموال قد تم إنفاقها لسد عجز الموازنة العامة منذ سنوات وأن بضع ملايين منها قد بددت فى مضاربات فى البورصة على عهد وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالى، وأن حصيلة التأمينات الاجتماعية الآن لا تكفى لسداد المعاشات.
وثمة قضايا أخرى لا تقل أهمية منها بلورة سياسة واضحة لمسألة الاقتراض الخارجى وتضخم الدين العام، وتآكل رصيد العملات الأجنبية لدى البنك المركزى، وضآلة مستوى الصادرات المصرية وتفاقم العجز فى الميزان التجارى. ناهيك عن ضرورة توضيح سياسات تطوير منظومات التعليم والبحث العلمى وتطوير تقنيات الإنتاج فى جميع المجالات.
ومن القضايا ذات الأهمية ستكون سياسة الحكومة بشأن التعامل مع أركان النظام البائد الذين أسهموا فى إفساد الحياة السياسية وتزوير إرادة الشعب فى جميع الانتخابات التشريعية، واستغلال النفوذ والإضرار بمصالح الشعب، وتمرير القوانين المحققة لمصالح أركان النظام والمرتبطين به من أصحاب الأعمال، فضلاً عن التفريط فى الثروة الوطنية ببيع شركات قطاع الأعمال العام والعديد من الأصول المملوكة للدولة بأسعار لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية. ويرتبط بهذه القضية سياسة الحكومة فى الإصلاح المؤسسى ومراجعة أوضاع جميع أجهزة الدولة لتطهيرها من الفساد واستبعاد العناصر المفسدة، مع تطوير أساليب وتقنيات العمل لرفع كفاءة الأداء.
وهذه السياسات والاختيارات لابد أن تكون موضوعات للحوار المجتمعى بين أصحاب المصلحة والأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية، وأن تنظم الحكومة، وفى غياب مجلس الشعب، جلسات استماع المواطنين واستطلاع آرائهم، وتخصيص أوقات على وسائل الإعلام المرئية لشرح أبعاد السياسات المقترحة والتداعيات المتوقعة لتنفيذها، حتى لا يفاجأ الناس بقرارات صادمة تكون لها انعكاسات وردود أفعال سالبة.
إن الخروج من الحالة المصرية التى استمرت خلال العقود الثلاثة الماضية والتى شهدت تردياً فى جميع مناحى الحياة المصرية أيام حكم مبارك، والإعداد للانطلاق إلى وضع أفضل يحقق الارتفاع بمستويات الإنجاز الوطنى ويؤكد فرص التنمية المستدامة، لا بد أن يرتكز على منطق ومنهج «الإدارة الاستراتيجية» الذى يقوم على مجموعة أفكار منطقية، واستقراء وتحليل الواقع، ورصد الفرص والمهددات سواء فى المحيط المحلى أو الخارجى، والتقييم العلمى لمصادر القوة الوطنية «الموارد والإمكانيات، والعلم والمعرفة، والبشر سواء القوة الصلبة أو الناعمة، ومواطن الضعف، وتحديد الرؤية المستقبلية للوطن والغايات والأهداف المرجوة. ثم يكون بعد هذا التحليل وضع الاستراتيجيات والسياسات وصياغة البرامج والمشروعات التى تحقق الرؤية والغايات المستقبلية من خلال استثمار الفرص بتوظيف مصادر القوة، والتعامل العلمى مع المخاطر والمهددات بتخفيض وعلاج أو إنهاء مواطن الضعف».
إن مهمة الحكومة الجديدة شاقة تتطلب قدراً هائلاً من الكفاءة والعزم والخبرة السياسية فى جميع أعضائها بلا استثناء، وينبغى أن تتاح لها الفرصة لبلورة سياساتها وبرامج عملها بشرط إعمال الشفافية الكاملة ومصارحة الناس بالاختيارات المطروحة حتى يصبروا على مشكلات الحياة وتتاح للحكومة فرصة للحياة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
مقال رائع وحلول مخلصه ولكن يادكتور ما سر تخلفنا طوال 60 عاما رغم توفر اهل الخبره والكفاءه
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
ماهى حدود الصبر التى تقترحها للشعب لكى يتحمل الحكومه القادمه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
من حق كل مصرى ان يمتلك قطعة ارض يقيم عليها مسكنه او مشروعه - بقروض ميسره
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
هل الشعب تجاوز حدوده عندما قال عيش حريه وكرامه وعداله اجتماعيه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
هل لديك ثقه فى تحسن الاوضاع فى ظل نفس القوانين والعشوائيه وتبادل الادوار والمصالح
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
mona e
لكى الله يامصر
عدد الردود 0
بواسطة:
almsry
المجلس