أمام أكثر من ألفين من الحضور مصريين وسفراء أجانب وأغلب أعضاء البرلمان والشورى يعلن الرئيس مرسى أن المجالس المنتخبة سوف تعود، ثم يكرر الكلمة ويصفق الحضور، وتدور الكاميرا فتأتى على وجه د.سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنحل، جاء ذلك فى خطبة الرئيس محمد مرسى أثناء الاحتفالية التى أقيمت له بجامعة القاهرة يوم السبت الماضى. لكن من الواضح من دعوة أعضاء البرلمان ورئيس المجلس وإعادة حلف اليمين أن الرئيس لا يعترف بحكم المحكمة الدستورية الصادر بالحل، أو بتعبير أدق عدم دستورية المادة الثالثة من المرسوم بقانون بشأن مجلس الشعب والخاصة بالسماح للأحزاب السياسية بالترشح على الثلث المخصص للمستقلين، وقد اعتبر الحكم أن مجلس الشعب فى حكم المنعدم من تاريخ إنشائه، ولا يحتاج إلى قرار بالحل لأن المنعدم لا يحل. وقد تابع الرأى العام بدقة هذا الموقف ذلك أن أساس الحكم فى الدولة -لاسيما بعد ثورة 25 يناير- هو سيادة القانون، والموقف ببساطة أن الرئيس قد قرر أن يتحدى حكما صادرا من أعلى محكمة فى مصر مختصة بالنظر فى مدى دستورية القوانين، ومما زاد من قلق المتابعين أن قيادات فى حزب الحرية والعدالة قد روجوا لفكرة أن البرلمان عائد، ولم يكن مصدر القلق هذا فقط، وإنما أيضا الاعتصام الذى قام به حزب الحرية والعدالة فى ميدان التحرير وكان أحد المطالب الرئيسية هو إلغاء حل البرلمان، وقد طرح هذا الشعار فى صورة لتضليل الرأى العام وتصوير الأمر وكأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الذى قام بحل البرلمان.
فى الحقيقة أن الساعات الأولى لتولى السلطة يمكن أن يحدث ارتباك أو تصريحات ووجود فقرات فى خطابات الرئيس قد تكون تعبيرا عن لحظة انفعال، لكن يجب فى ذات الوقت أن تكون هناك مراجعة، وأعتقد هذا ما حدث فى موضوع حل مجلس الشعب، عندما صرح المتحدث الرسمى باسم الرئيس بقوله إن الرئيس لم يقصد إعادة البرلمان، وإنما يقصد بحث ما إذا كانت هناك إجراءات قانونية تتبع أو الدعوة لانتخابات جديدة هى خطوة للخلف. أما الموضوع الثانى الذى يعبر عن لحظة ارتباك أخرى -جاء فى خطاب الرئيس فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى- هو قضية د.عمر عبدالرحمن، حيث جاء الحديث عن هذه القضية فى خطاب عاطفى وحماسى أمام الجماهير، فقد وعد بإعادته للوطن عندما رأى صورة الشيخ عبدالرحمن مرفوعة من قبل الجماهير ومطالب للإفراج عنه، وهنا صور الأمر على أن الشيخ عبدالرحمن أسير واستخدم هذا التعبير بدقة، وهنا لا أنكر عليه حقه والسعى لإعادته إلى مصر، ولكن واجب التنبيه لأمر ما، أن الحل فى هذه القضية يجرى عبر إجراء اتصالات دبلوماسية ودون إعلام، وعلى خلفية إنسانية باعتباره رجلا بلغ من الكبر عتيا، ولكن طرح القضية على أساس أنه أسير أمر يستدعى التوقف، لكونه حوكم أمام القضاء الأمريكى، فضلاً عن أنه من قواعد الدبلوماسية احترام القضاء ومؤسسات الدول الأخرى وعدم التعدى عليها استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، لذلك جاء رد الفعل الأمريكى غاضباً من خطاب الرئيس لأنه بدا وكأنه لا يعترف باستقلال القضاء الأمريكى ويشكك فى حيادته ونزاهته.
وهنا واجب التأكيد على أن الفرق كبير بين أن يكون شخص ما رئيسا لحزب سياسى ورئيسا للبلاد، لكون الأخير هو المفوض بممارسة السيادة نيابة عن الشعب وعليه حماية مصالح الدولة العليا، وكذلك الالتزام باحترام سلطات الدولة وأحكام القضاء، لأن المصريين جميعا أمام القانون سواء لا فرق بين مواطن بسيط أو رئيس جمهورية، فاليوم الذى تسقط فيه هيبة القضاء أو التشكيك فى حيادته أو نزاهته هو اليوم الذى تسقط فيه الدولة ويسقط حكم القانون.. وهو ما لا أتمناه ولا نقبله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة