قبيل وقوع أحداث سيناء واستشهاد الجنود المصريين، كان هناك اعتقاد يتكرر على لسان المسؤولين المصريين بأن سيناء «آمنة» ولا يوجد بها عناصر «إرهابية»، فى حين أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوى المعنون «الدول والإرهاب 2011» إلى أن سيناء منطقة «مثيرة للقلق»، وقال التقرير «إن تهريب الأسلحة والبشر والأموال وأشياء أخرى عبر سيناء إلى إسرائيل وغزة، أدى إلى تكوين شبكات إجرامية، ربما يكون لها صلات بجماعات إرهابية فى المنطقة». أما إسرائيل فقد حذرت رعاياها من دخول مصر، وهذا ما حدث قبل تفجيرات شرم الشيخ وطابا فى العام 2005، ولكن من الواضح أن التحذيرات الإسرائيلية والقلق الأمريكى من سيناء لم تستوقف المسؤولين فى مصر، إذ استمرت حالة التردى الأمنى بشبه جزيرة سيناء، فقبل ثورة 25 يناير كان هناك عناصر إرهابية بسيناء، ولكن لم يتم التعامل معها بحزم، وتكرر ذات الأمر بعد الثورة، وجاءت أحداث رفح التى راح ضحيتها أكثر من خمسة وعشرين قتيلا ومصابا من جنودنا.
وأعتقد أنه بغية حماية أمن واستقرار مصر أولاً، والحيلولة دون تحويل سيناء إلى منطقة «فوضى» و«عنف» تستوطن بها البؤر الإرهابية والجماعات المحظورة ثانيا، ينبغى وضع استراتيجية واضحة المعالم ومحددة لاستعادة هيبة الدولة فى سيناء، أولى معالم هذه الاستراتيجية تعزيز التواجد الأمنى بسيناء ومعالجة الانفلات الأمنى هناك، والقضاء على البؤر الإرهابية، والكشف عن حقيقة أنفاق سيناء والسيطرة عليها لحماية مصر من النتائج المترتبة على سوء استخدام هذه الأنفاق، مع تكثيف القوات الأمنية والحماية للمنشآت الحيوية هناك، أما الخطوة الثانية فتتمثل فى إعمار وتنمية سيناء، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة فى تحقيق خطط التنمية، فبرغم من اتساع مساحة سيناء فإن «التصحر وندرة الموارد» يشكلان أكبر عائق فى تنميتها، فضلاً عن عدم وصول مياه الشرب إلى معظم مناطق سيناء، حيث تقتصر فقط على المدن وانعدام الخدمات الصحية والتعليم، وعدم توافر فرص عمل، مما يؤدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وتفشى البطالة، إذ يمكن القول بأنه لا توجد تنمية تذكر فى شمال سيناء، حيث إن أغلب مشروعات التنمية التى أقيمت على أراضى سيناء هى فى الواقع على المناطق الملاصقة لقناة السويس وخليجى السويس والعقبة فقط، ولا تتعدى %3 من جملة أراضى سيناء، أما قلب سيناء فحتى اليوم لم ير أى مشروعات تنمية حقيقية تمت فوق أراضيها.
وثالث معالم الاستراتيجية تتمثل فى إعادة النظر فى السياسات المتبعة إزاء بدو سيناء، والعمل على استعادة الثقة المفقودة، وبالتالى توفير أسباب الاستقرار والاطمئنان لأهالى سيناء، الذين تزايد شعورهم بالغربة!! فى السنوات الأخيرة، حتى أصبحوا مقتنعين بأنهم «مواطنون من الدرجة الثانية»، وإتاحة الفرصة لسكان سيناء للتعبير عن احتياجاتهم ومتطلباتهم، والعمل على رفع الظلم الاجتماعى الواقع على البدو، مع الإقرار بتميز سيناء الثقافى واللغوى، والعمل على إعداد خطة تنموية اجتماعية واقتصادية شاملة من أجل سيناء بالتشاور مع أهالى البدو، وتوفيرالتمويل اللازم لهذه الخطة وتنفيذها.
وتبقى كلمة أخيرة أنه بعد القبض على مرتكبى حادث رفح ومحاكمتهم، وتعدد السنياريوهات المطروحة بشأنها سواء كان المنفذون جماعات جهادية أو إرهابية أو عناصر من فلول النظام السابق، هذا بخلاف سيناريو العامل الخارجى للحادث متمثلا فى المخطط الإسرائيلى لزعزعة سيطرة مصر على سيناء، لابد من اعتراف الرئيس محمد مرسى وحكومته والقوات المسلحة بأن الوضع فى سيناء قد أصبح بالغ الخطورة، ولابد من تكاتف الجميع لتنفيذ الاستراتيجية - سالفة الذكر - على وجه السرعة، والتخلى عن منهج التناسى فى التعامل مع الأزمات التى تشهدها سيناء، مثلما كان يحدث أيام النظام السابق، وذلك قبل أن تخرج سيناء عن السيطرة، بل قد تكون هذه الاحداث مقدمة لتدخل دولى يخرجها عن السيادة المصرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة