ما يحدث تجاه الإعلام والصحافة الآن هو بلاشك عصف بحرية الرأى والتعبير والعودة بها مرة أخرى إلى ما كان يحدث قبل ثورة 25 يناير، فبالنظر للاتهامات التى وجهت لبعض الإعلاميين والصحفيين الخاصة بإهانة رئيس الجمهورية هى ذاتها تهم العصور الغابرة، وللعلم فقد كانت تسمى إهانة «الحضرة الملكية» قبل تعديل قانون العقوبات. وفى حقيقة الأمر، فإن استعادة هذه التهم لها دلالة فى اتجاه عودة سياسة تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأى والتعبير، وفى ضوء ذلك يصبح التساؤل الآن: هل هذا هو مصير حرية الإعلام والصحافة بعد ثورة يناير العظيمة التى تعتبر الحقوق والحريات عمادها ومرجعيتها الأساسية، وأكبر من هذا التساؤل كانت هناك مخاوف أن تنسحب هذه المصادرة لباقى الحقوق كالحق فى حرية التجمع والتنظيم، وحرية التظاهر السلمى وخلافه، فضلاً عن قيم المساواة ودولة القانون واستقلال القضاء، ويقودنى الحديث حول هذه الجزئية إلى قضية بالغة الأهمية، ألا وهى ضرورة تضمين الدستور لائحة للحقوق والحريات «bill of rights»، على النحو الذى يضمن صون وحماية الحقوق جميعا من أية ممارسات وقرارات وقوانين فوقية، إذ تصبح الحقوق فوق السلطات.
والجدير بالذكر أننى كنت قد أكدت فى مقالات سابقة ضرورة أن يتضمن الدستور الجديد بابا لحقوق الإنسان ونصا يقيد المشرع الدستورى فى حالة تعديل مواد الدستور لا يجوز بمقتضاه الانتقاص من الحقوق والحريات الواردة فى هذا الدستور، كما ينص أيضاً على أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، وهنا نرى أن هذه اللائحة واجب تضمينها شقين، أولهما: يتضمن حزمة من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وثانيهما: يتضمن حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن أمثلتها الحق فى العمل، الحق فى الصحة، الحق فى السكن، الحق فى الرعاية الاجتماعية.
ومن بين التجارب المطروحة فى هذا الصدد، تجربة جنوب أفريقيا، جاء الفصل الثالث لعام 1994 «المواطنة وحقوق الإنسان» ويلفت النظر هنا إشارات اللائحة إلى «التصدى لسوء تصرف الحكومة» و«للأغلبية الساحقة» «وتوازن الحقوق أمام بعضها الآخر (مثل كرامة المواطن وحرية تعبير الآخر!)»، أو حق الفرد فى الاعتراض بنفسه أو من ينوب عنه، وحق فئة أوطبقة فى الاعتراض على القوانين، وحق الحماية إزاء جماعة أخرى.
وفى تونس، طرحت بعد الثورة وثيقة حقوقية تعكس مطالب الحرية والكرامة وهى «عهد تونس للحقوق والحريات» لتتضمن 8 حقوق بالغة الأهمية وهى الحق فى الحياة الكريمة، الحق فى الحماية والأمان، الحق فى الاختيار الحر، الحق فى المساواة وعدم التمييز، الحق فى المواطنة والمشاركة، الحق فى التنمية الإنسانية، الحقوق الفكرية والثقافية والإبداعية، الحق فى بيئة سليمة ومتوازنة، هذا بخلاف تضمين العهد ضمانات عدة لصون هذه الحقوق.
ومن هنا، فإن هذه رسالة للجمعية التأسيسية للدستور من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان – التى تضع قضية الدستور والإصلاح الدستورى فى مقدمة أولوياتها منذ عام 2004 حيث «مؤتمر الإصلاح الدستورى بين التأجيل والتعجيل» والذى انبثق عنه تأسيس المنبر الدستورى المصرى والذى ضم آنذاك نخبة من أساتذة القانون الدستورى ومؤسسات المجتمع المدنى والإعلام والصحفيين وخلافه، ومنذ ذلك الحين ويستمر نضال المنظمة المصرية فى هذا المضمار بغية صياغة دستور ديمقراطى يلبى آمال وطموحات الجماهير العريضة – حول ضرورة أن يتضمن دستور مصر الجديدة تنظيما كاملا للحقوق والحريات يكفل لحدودها المشروعة ألا تتحول إلى قيود غير مشروعة، ويكفل ضمانات ممارستها حتى تجد طريقها إلى التطبيق العملى ولا تصبح مجرد نصوص على الورق، فلائحة حقوق للمواطن المصرى البسيط تعتبر وثيقة مهمة على الجميع الدفاع عنها والعمل على تضمينها فى دستور مصر الثورة الذى نحلم به جميعا، حيث تحترم فيها الحقوق والحريات وتصان لا أن تنتهك وتهان مثلما يحدث مع حرية الإعلام حالياً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة