عاشت الطائفة اليهودية فى مصر حتى النصف الأول من القرن الماضى، فى حالة من التسامح والاحتواء داخل المجتمع المصرى، بجانب عشرات الجاليات والطوائف، ولم تكن تتعدى الجالية اليهودية وقتها 76 ألف يهودى، أغلبهم يحملون جنسيات أجنبية، إيطالية ويونانية، وقد أصروا على الاحتفاظ بها، بسبب ما كانت تمنحه الجنسية الأجنبية وقتها من ميزات، لا يحصل عليها المصريون، وقد اتسمت الجالية اليهودية بالثراء، وسيطر أفرادها على أهم الشركات والبنوك، وإنشاء الفقراء منهم مجتمعات معزولة فى حارة اليهود، بالقاهرة والإسكندرية، وقد انقسم اليهود المصريون إلى طائفتين، الأولى «الربانيين»، وهى الطائفة الأكبر، والتى ينتمى إليها معظم يهود العالم، أما الثانية فهى طائفة اليهود «القرائيين»، الذين يؤمنون فقط بتوراة العهد القديم، ولا يؤمنون بالتلمود، وكان معظمهم من الفقراء.
وبرز عدد من الأسماء اليهودية فى تلك الحقبة التاريخية، والتى ما زالت تتردد حتى الآن، مثل موسى قطاوى باشا، الذى أسس خط سكة حديد أسوان، وشركة ترام شرق ووسط الدلتا، وعدس الذى أسس الشركة المصرية للبترول، وشركات بنزايون، وريفولى، وهانو، وعمر أفندى، وشيكوريل الذى كان رئيسا لغرفة التجارة وقاضيا فى المحكمة المختلطة، وموريس جاتينيو الذى أسس شركة جاتينيو واحتكر تجارة الفحم، وكان له دور فى دعم الحركة الصهيونية، وسوارس رئيس الجالية اليهودية فى الإسكندرية، وكان صرافا وأسس بنكا، وفى المجال الفندقى برز اسم عائلة موصيرى، فى فنادق الإنتركونتننتال، وميناهاوس سافوى، وسان ستيفانو، وعائلة موصيرى هى التى شيدت معبد شارع عدلى، أحد أشهر أحياء القاهرة التجارية والذى تم تجديده عام 1988.
ويكشف التاريخ كذب ادعاءات اليهود، الذين يزعمون تعرضهم للتهجير خارج البلاد، فقد كان يقف دائما وراء كل موجة من موجات هجرة اليهود إلى خارج مصر حدث تاريخى، لا علاقة للحكومة المصرية به، سواء قبل ثورة يوليو، أو بعدها، إذ يعود بداية تاريخ هجرة اليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر إلى الحرب العالمية الثانية، فمع انتصارات هتلر، خشى اليهود فى مصر من تعرضهم لما قيل إنه اضطهاد، على يد القوات الألمانية فى حالة دخولها إلى مصر، وقتها صفى عدد من اليهود المقيمين فى مصر أعمالهم، وباعوها بأثمان بخسة، بإرادتهم الحرة، ودون ضغط من أحد، وهاجروا إلى الخارج، وفى عام 48، وبعد نكسة فلسطين، تشجع الكثير من فقراء اليهود لفكرة السفر إلى أرض الميعاد، بحثا عن حياة أفضل.
وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 والقبض على خلية يهودية استهدفت إجراء تفجيرات بدور السينما وعرفت بفضيحة ليفى، زادت موجات هجرة اليهود خارج مصر، خاصة بعد صدور قرارات التأميم التى لم تقتصر على اليهود وحدهم، ولا على أملاك الجاليات الأجنبية، بل شملت العديد من الشخصيات المصرية، وحدثت فضيحة لافون عام 1954، عندما سعت العصابات الصهيونية لدفع اليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر، للهجرة خارج إسرائيل، فقامت عبر شبكة تجسس، بتنفيذ عدة عمليات إرهابية، فى عدد من المحال، ودور السينما فى القاهرة، والإسكندرية، خاصة مناطق تجمع الطائفة اليهودية فى مصر، وقتها شعر اليهود المقيمون فى مصر بعدم الأمان، وقرروا مغادرة مصر، بلا رجعة، وقد ازداد الأمر سوءا عقب هزيمة 67، التى زادت من شعور العزلة، لدى اليهود المتبقين فى مصر، فهاجروا بدورهم.
أحوال الطائفة اليهودية
وتنحصر أملاك الجالية اليهودية فى مصر فى 14 معبدا، أهمها معبد شارع عدلى، ومعبد القرائيين بالعباسية، ومعبد النبى دانيال بالإسكندرية، إضافة إلى 4 مدافن، أهمها مقابر البساتين، ومقابر الإسكندرية، و5 مدارس مؤجرة للحكومة المصرية، وجميع تلك الأملاك تحت إشراف الطائفة اليهودية، والتى ترأسها كارمن أينشتاين، وتتخذ مقرا لها بالعباسية، ولا يتجاوز عدد أفراد الطائفة اليهودية فى مصر 70 فردا، أغلبهم من العجائز، الذين هاجرت عائلاتهم من سنوات، بينما تمسكوا هم بذكرياتهم داخل مصر، وهم على علاقة جيدة بجيرانهم، ولم يتعرضوا لحوادث اضطهاد داخل أحيائهم.
بكائية صهيونية
ويقود المطالبات باسترجاع أملاك اليهود، عدد من الجمعيات التى أسسها يهود سبق لهم العيش فى مصر، خلال الثمانينيات من القرن الماضى، وعقب توقيع معاهدة كامب ديفيد، التى أحيت المطامع الصهيونية، فى العودة إلى مصر، عن طريق ادعاء وجود أملاك تم الاستيلاء عليها بطريقة غير شرعية، من قبل الحكومة المصرية.
ومن أشهر تلك الجمعيات، التى تطالب بعودة أملاك اليهود فى مصر، جمعية النبى دانيال، التى تأسست عام 2003 بفرنسا، وسميت باسم أشهر معابد اليهود بالإسكندرية، ويرأسها إيف فيديرا، وأعضاؤها من الأكاديميين البارزين الذين ينتمون إلى حاخامات المعابد اليهودية السابقين بمصر، كـ«روجر بيلوب» الذى رأس عمه الجالية اليهودية، خلال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضى، وأليكساندر ناكامولى، من مواليد الإسكندرية عام 1943، والذى كان جده الرئيس الفخرى للجالية.
كما يسهم المجلس العالمى ليهود مصر فى إثارة القضية، بعد أن عقد مؤتمر «اليهود فى مصر والسلام فى إسرائيل»، نهاية عام 2005، وكان أول مؤتمر حاشد، يناقش قضية أملاك اليهود فى مصر تحديدا، وترأسه عايدة أهارونى، أكثر اليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر شهرة، والتى تعمل بجامعة حيفا، وتسعى منذ سنوات للحصول على جائزة نوبل للسلام، والجمعية التاريخية ليهود مصر، ومقرها ولاية بروكلين بأمريكا، وتضم أحفاد أشهر العائلات المصرية، كفكتور صنوع، ويوسف موصيرى، والتى دائما ما تطالب الحكومة المصرية بإسناد إدارة الآثار اليهودية إليها، وترفض أن تظل تلك الآثار تحت قبضة المجلس الأعلى للآثار، وقد سعت الجمعية إلى المساهمة فى ترميم عدد من تلك الآثار، فضلا عن تبنيها لمشروع ترميم مقابر البساتين.
مطالب مشبوهة
وتوالت الفعاليات المطالبة باستعادة أملاك اليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر، ففى عام 2006، أقام عدد من اليهود الذين سبق لهم العيش فى الدول العربية، مؤتمرا تحت اسم «العدالة لليهود النازحين من الدول العربية»، عقد فى القدس المحتلة، تحت رعاية وزارة العدل الصهيونية، وشارك فيه وفد من 40 جمعية يهودية على مستوى العالم، وانتهت بإقرار أحقيتهم فى تعويضات من الدول العربية، تصل إلى 100 مليار دولار، كما أوصى المشاركون فى المؤتمر برصد وتسجيل أملاك اليهود فى الدول العربية، وجمع شهادات النازحين منهم.
وبناء على ذلك المؤتمر، تحركت عدد من الجمعيات، الخاصة باليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر، وقامت بتوزيع بيان فى مصر، والعالم موجه إلى اليهود ممن سبق لهم العيش فى مصر، وألمح البيان إلى المحرقة النازية، وربطها بما حدث لليهود فى مصر، وادعى تعرضهم للاضهاد والتهجير القسرى والإبادة منذ هزيمة 1967، ويصف اليهود الذين سبق لهم العيش فى مصر باللاجئين الذين سقطوا من حسابات الأمم المتحدة، ويطالبهم بتسجيل تفاصيل حياتهم، وأملاكهم التى استولت عليها الحكومة الحكومة المصرية.
كما تبنت جامعة برنستون الأمريكية مشروع دراسة أوراق الجنيزة المصرية، فى الثمانينيات من القرن الماضى، وهى نفس الفترة التى نشطت خلالها جمعيات، كونها يهود سبق لهم العيش فى مصر، مطالبين باسترداد إرثهم التراثى والثقافى والعقارى، ويرأس مشروع جامعة برنستون مارك كوهين، رئيس الدراسات الإسرائيلية بالجامعة. ومن المعروف أن وثائق الجنيزة هى وثائق خاصة بدراسة التاريخ الفاطمى،، ودائما ما يخشى التلاعب فى تلك الوثائق بالتزوير، لتغيير الحقائق التاريخية، خاصة أن تلك الوثائق تشهد نهبا منظما، منذ اكتشافها.
مطامع وادعاءات ويصل عدد القضايا المرفوعة ضد الحكومة المصرية إلى 3500 دعوى قضائية، تصل قيمة التعويضات بها إلى 6 مليارات جنيه، أشهرها دعوى قضائية أقامتها عائلة بيجو اليهودية، ضد الحكومة المصرية، بزعم استيلائها على أملاك العائلة، وكانت العائلة قد استقرت فى مصر عام 1901، وفى عام 1932 قاموا ببناء مصنع على أرض يملكونها، بمدينة هليوبلس، وفى عام 1955 قاموا بتشييد مصنع لصناعة زجاجات وأغطية المشروبات الغازية، وبخاصة شركة كوكا كولا، وذلك طبقا للوثائق التى تملكها العائلة. وفى عام 1962 قامت الحكومة المصرية بتأميم أملاك العائلة، ونقلت ملكية المصنع، والأرض إلى الدولة، وتحاول عائلة بيجو إبراز الأمر كأن نزع الملكية جاء بسبب كون العائلة يهودية فقط، وليس بسبب انتهاج الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مبدأ التأميم.
وتدعى العائلة إجبار أفرادها على الهجرة خارج مصر، بأوراق خاصة باللاجئين عام 1965، وتزعم عائلة بيجو أنه خلال عصر السادات، حين عادت بعض الأملاك المصادرة إلى أصحابها، حصل رفائيل بيجو، أحد أفراد العائلة، على وثائق خلال عام 1980، تثبت ملكية العائلة لأرض المصنع، لكن الجهة المالكة رفضت الامتثال، هنا اتجه بيجو إلى المحكمة المصرية، لكن القضية علقت، وفى عام 1993 باعت الحكومة المصرية الأرض إلى شركة كوكا كولا، بمبلغ 150 مليون دولار.
كما تطالب عائلة مزراحى، بتعويض قدره 6 ونصف مليون دولار، من الحكومة المصرية، تعويضا عن نزع ملكيتها لعدد من المنشآت، والفنادق فى مصر، وهى العائلة التى يمتد نسبها إلى توجو مزراحى، أحد رواد السينما فى مصر، الأمر الذى يعكس مدى ما كان يتمتع به اليهود وقتها من حرية داخل المجتمع المصرى، كما تطالب عائلة مصيرى باسترداد عدد من الفنادق فى حلوان والقاهرة والأقصر، فقد كانت عائلة نسيم موصيرى تملك شركة فنادق فلسطين، التى تشرف على إدارة عدد من الفنادق، يذكر أن نسيم موصيرى كان يرأس البنك الأهلى، وهناك قضايا تنازع ملكية بينه وبين البنك، على فندق داود بفلسطين المحتلة.
ومن أشهر القضايا التى أقامها يهود مصر لاسترداد ممتلكاتهم، قضية ورثة جوزيف سموحة والتى قيدت برقم 146 لسنة 8 قضائية أمام محكمة القيم ضد هيئة الإصلاح الزراعى ووزير المالية ورئيس جهاز تنمية وتعمير منطقة سموحة، والتى طالبوا فيها برد مساحة 37 فدانا من أرض منطقة سموحة، وفى العام الماضى حاولت عائلة سموحة مرة أخرى، التقدم إلى محافظة الإسكندرية، بطلب لاسترداد أملاكها بالمحافظة، خاصة نادى سموحة، الذى أسسه جوزيف سموحة اليهودى، لكن الحركات الشعبية هناك وقفت دون تلك المطالبات، ونظمت عددا من المظاهرات، للتنديد بتلك المطالب.
وفى عام 2009، حاول ورثة ليندا كوهينكا اليهودية من أصل فرنسى استعادة أتيليه القاهرة، الواقع فى شارع كريم الدولة، بوسط البلد، والذى تؤجره الجماعة الثقافية منذ السبعينيات من القرن الماضى، بعد التأخر فى دفع الإيجار لمدة ثلاث سنوات، حتى تراكم الإيجار، ليصل إلى 70 ألف جنيه، الأمر الذى يمكن الورثة من طرد المؤجرين فى حالة رفع دعوى قضائية بالطرد، ودارت معركة طاحنة بين مجلس الأتيليه، والجمعية العمومية، التى نجحت فى نهاية الأمر بعزل المجلس المسؤول عن التأخر فى دفع الإيجار، وعودة الأتيليه إلى ملكية الجماعة الثقافية مرة أخرى.
اليهود يرفعون 3500 قضية لاستعادة أملاكهم المزعومة بمصر..ويطالبون بـ 6مليارات جنيه تعويضات ..وإسرائيل ترعى مؤتمرات للمساندة منذ «كامب ديفيد»..وجمعيات صهيونية تقود الخطة وتطالب الأمم المتحدة بحق العودة
الأربعاء، 12 سبتمبر 2012 10:21 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عرباوي
رجاء من اليوم السابع
عدد الردود 0
بواسطة:
رأفت
لماذا لا يفعل الفلسطينيين مثلهم
لماذا لا يفعل الفلسطينيين مثلهم
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
ciro
عدد الردود 0
بواسطة:
متابع
العدل
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصرى
مرحبا بيكم....لضربكم على القفا
عدد الردود 0
بواسطة:
سهير
الذهب والفلوس اللى سرقوها من شعب مصر و هما خارجين مع سيدنا موسى إحنا عايزينها هما حوالى 2
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
كسر حقكو
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن العدوى
الحقوق التاريخية
عدد الردود 0
بواسطة:
عزت المصرى
بالوضع دة يبقى احنا حرامية
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
مأخذالجد