لماذا أصر المصريون على كتابة دستور جديد بعد الثورة المصرية؟ الإجابة السريعة والمختصرة هى لكى يتضمن الدستور الجديد الضمانات للحقوق والحريات الأساسية التى تم تقييدها فى ظل النظام القديم، ومن خلال مواد الدستور القديم الذى فوض المشرع العادى فى ترجمة مواد الدستور الخاصة بالحقوق والحريات فى تشريعات، وكانت النتيجة أن القوانين صادرت تقريبا كل الحقوق والحريات رغم النص عليها فى الدستور.
أيضاً كان الهدف من الدستور الجديد أن يعكس ترجمة لشعارات الثورة المصرية التى جاءت على الترتيب التالى الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. فهل عكس الدستور الجديد هذه العناوين أم أنه تقريبا أهدرتها جميعا وبشكل غير مسبوق، حتى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لم يتم ضمانها للمواطنين المصريين بالشكل الذى يحفظ عليهم كرامتهم، فلكى يتمتع المواطن برعاية صحية عليه أن يقدم شهادة فقر سيئة السمعة فى مصر، حتى الأجر الذى يجب أن يكون قابلا لتحقيق وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين للعيش بكرامة أى أن يتم ربط الأجر بالأسعار إلا أن النص الدستورى ربط الأجر بالإنتاج انتصارا لرؤية أصحاب الأعمال، مما يوضح انحياز المشرع الدستورى لقوى رأس المال وليس للقوى العاملة.
أيضاً أن يكتب الدستور كل أطياف الشعب المصرى أن يشاركوا ممثلى كل الفئات فى المجتمع فى صياغة الدستور، لكن ما حدث هو انفراد تيار اليمين المتطرف بصياغة الدستور وتجاهل انسحاب الكنائس المصرية الثلاث، وهو عيب خطير ينسف تمثيل الدستور لكل المصريين، فضلا على غياب القوى السياسية التى شاركت فى انتصار الثورة، وقد انعكس هذا على نسبة التصويت، حيث إننا أمام دستور جاء بموافقة فقط من المصريين المقيدين فى كشوف الناخبين أى أنه يظل فاقدا للشرعية.
الأهم هو الانتقاص من استقلال السلطة القضائية، وقد اتخذ هذا أشكالا متعددة منها أنه أعطى لبعض المؤسسات الصفة القضائية دون أن تكون تعمل بالقضاء بالمفهوم العلمى لتعريف الجهة القضائية، أى التى تقوم بالفصل فى المنازعات القضائية سواء بين الإقراض بعضهم بعضا أو القضاء الجنائى أو الإدارى أو الدستورى، وأبرز مثال هو هيئة قضايا الدولة، وهى هيئة محامى الحكومة تدافع عن تصرفات الحكومة أمام جهات القضاء، لكن الأخطر هو المواد الخاصة بالمحكمة الدستورية، أولا وضعت المحكمة مع هذه الجهات التى لا تمت للقضاء من قريب أو بعيد، رغم أنها محكمة لها اختصاصات بالرقابة على التشريع والقرارات بمدى دستوريتها وأحكامها ملزمة لكل جهات القضاء وكل الجهات الحكومية، فكان واجبا أن تكون فى باب خاص بها لكن الرغبة فى الانتقام من المحكمة كان واضحا فى هذا النص، ثم سلب اختصاص المحكمة فى الرقابة على التشريعات الخاصة بالانتخابات والمقصود هى الرقابة اللاحقة بعد صدور التشريع واحتكاكه بالواقع وظهور عواره الدستورى.
الأهم هو إصرار الدستور فى تناقض تام بين مواده، ففى حين ينص على عدم قابلية القضاة للعزل فإننا نجد النص على تقليل عدد المحكمة إلى 11 عضوا من 19 دون أى مبرر موضوعى غير الإطاحة بقضاء المحكمة والانتقام منهم، لاسيما أن الدستور تمت صياغته فى الوقت الذى حاصر فيه أنصار حزب وجماعة الرئيس المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذى أدى إلى تضامن قضاة المحاكم العليا فى العالم فى بيان قوى مع المحكمة الدستورية المصرية، والأهم هو تقديم دليل قوى على انهيار القضاء المصرى، وأصبح استقلاله محل شك بعد ما انتهك من قبل السلطة التنفيذية وأمام العالم. العزل تم لقضاة المحكمة الدستورية، وتم تخفيض العدد فور دخول الدستور حيز النفاذ وخرج ثمانية قضاة فورا بعضهم تم تسكينه فى مفوضية المحكمة وأنا أرى أنهم بهذا أيضاً عزلوا من موقعهم بنص الدستور المخالف لنص آخر، والمثال الواضح والفج للعزل هو القاضية تهانى الجبالى فهل كانت أهداف الثورة تمكين تيار من تصفية حساباته مع مخالفيه، وهل تدفع المحكمة الدستورية ثمن مواقفها من الدفاع عن الحقوق والحريات أم أنها رسالة لإنهاء الدور الرقابى على التشريع وقرارات الرئيس. الحقيقة هى أن العزل للقضاة فى مصر بعد الثورة بنص الدستورى، لاسيما أن قانون السلطة القضائية القادم هو استكمال لمذبحة القضاة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة