لا شك أننى كنت متوقعًا كما توقع غيرى أن قضية القرن المتهم فيها الرئيس السابق ونجلاه ووزير داخليته ومن معه ستعاد محاكمتهم مرة أخرى لضعف الأدلة، ومن ثمَّ لابد من تقديم أدلة جديدة لمحاكمة كل من قتل المتظاهرين. فقيمة العدل تعلو وتزيد وتستقر فى ضمير المجتمع عندما تأتى أحكام القضاء ناجزة سريعة لا يقيدها تباطؤ الإجراءات ولا تعطلها عقبات شكلية أو معوقات عملية. والعدل أساس الملك وهو صفة من صفات الله ورجال العدالة هم ظل الله فى أرضه وهم حصن العدالة ودرعها الأمين، فواجبهم أن يكونوا أمناء على تطبيق القانون. والقانون فى النهاية هو السياج الذى يحمى للمواطن حقوقه وأمنه وحريته واستقراره ويضمن سلامته وسلامة المجتمع.
إننا نعانى فى مصر معاناة شديدة من عدم وجود قضاء ناجز يُيسر على المواطنين فى التقاضى ويقضى حوائجهم، وللأسف انشغل الكثير من القضاة بقضايا فرعية تشغلهم عن مهامهم الأساسية، ومن ثمَّ وجب على الحكومة وكل من له علاقة بالقضاء أن يساهم فى التيسير على الناس فى عملية التقاضى.
فالذهاب إلى القضاء يأخذ وقتًا وجهدًا للحصول على الحق، ولذلك أن يخسر المرء جزءًا من حقه مقابل الحصول على الجزء الآخر أولى من السير فى دعوى غير مضمونة العواقب، ولكن إذا شعر الفرد أن القضاء سيحكم له خلال فترة وجيزة ويعطيه حقه فيفضل إقامة دعوى على الصلح الخاسر.
وللوصول إلى العدالة الناجزة باعتبارها هدفًا استراتيجيًا تسعى إليه الأنظمة القضائية فى العالم يجب عمل التالى: أولًا: انتقاء القضاة بعناية وتأهيلهم وتدريبهم على أعلى مستوى وزيادة أعدادهم بما يتناسب مع حجم القضايا وتعقيداتها وضمن تخصصات محددة وتوزيعهم على دوائر أو محاكم، كل ضمن اختصاصه. ثانيًا: إيجاد حزمة من التشريعات والأنظمة ذات جودة عالية من حيث الإعداد والصياغة تنظم عمل القضاة والكوادر المساعدة، من كتاب ضبط وفنيين وغيرهم. ثالثًا: سن أنظمة متطورة ومصاغة على نحو واضح ومبسط تبين الإجراءات التى تحدد سير الدعوى من بدايتها إلى الفصل فيها وإصدار حكم نهائى يحسم النزاع بين أطراف الدعوى يلتزم فيها الجميع. رابعًا: تنظيم مهنة المحاماة «أعوان العدالة» بحيث يخضع المتقدمون إلى هذه المهنة إلى تدريب واختبارات قبل السماح بمزاولة المهنة، وعدم السماح نهائيًا للأفراد برفع دعوى دون وجود محام نظامى، باعتباره مؤهلًا وفاهمًا للأنظمة، مما يسهل على القاضى إيجاد لغة قانونية مشتركة تسهم بحسم النزاع سريعًا.
خامسًا: الاعتماد على التقنيات الحديثة والوسائل الإلكترونية فى تسجيل الدعوى وقيدها، واستخدام الكاميرات الرقمية فى تسجيل وقائع الجلسات وأرشفتها إلكترونيًا والسماح لأطراف القضية بمتابعتها من خلال إيجاد شبكة إلكترونية مغلقة تسمح بمعرفة آخر مرحلة وصلت لها القضية، مما يسهل على القاضى عمله ويختصر الوقت المهدور فى كتابة محاضر الجلسات. سادسًا: إنشاء جهاز يراقب جودة الأحكام والمدى الزمنى لإصدارها وتقييم مدى نجاح الإجراءات المعمول بها واتخاذ التوصيات التى تكفل إزالة العقبات التى تحول دون إصدار الحكم وفق متطلبات العدالة الناجزة. هذه هى بعض متطلبات تحقيق العدالة الناجزة نأمل أن تهتم الحكومة والمعنيون بمثل هذه الأمور للتيسير على الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة