يخشى الإنسان كل ما هو مجهول ومبهم بالنسبة له، وهذا إحساس طبيعى لأنه خوف مبرر، جميعنا يشعر به، فعندما يحل الظلام ولا ترى ما حولك تشعر بالخوف، لأنك لا تعرف ما سوف تواجهه من عقبات فى طريقك، وبالتالى أنت تخشى العواقب من هذا المجهول الذى تكونه أنت فى مخيلتك، ويخشى الإنسان القوى من العقارب مثلا لسمها، أو الخوف من الحيوانات المفترسة، وهنا لا نخشى الحيوان نفسه، ولكن نخشى على سلامتنا منه.
فالخوف رد فعل تجاه خطر محدد أقوى من الإنسان يهدد حياته أو وجوده أو احترامه أو وضعه الاجتماعى، وله القدرة على إلحاق الأذى به، ويتسم هذا النوع من الخوف بأنه وقتى مرتبط بالموقف وبانتهائه يذهب الإحساس، والشخص الخائف من مؤثر خارجى طالما مصدر الخوف بعيدًا عنه يستطيع ان يتغلب على تلك المخاوف تدريجيًا، لأن مخاوفه يكون مصدرها خارجيا، وكل ما يحتاجه بيئة داعمة مليئة بالحب والاهتمام حتى تزداد ثقته بنفسه، ويتغلب على مخاوفه بدون احتياج إلى مساعدة متخصصة.
وهناك أيضا المخاوف غير المبررة أو ما نطلق عليه الفوبيا، وتجد الشخص يخشى من أشياء غير منطقية بطريقة مبالغ فيها مثل الخوف من الحشرات أو الأماكن المرتفعة أو الأماكن المغلقة، ولا يستطيع المريض التخلص منها بدون مساعدة الطبيب التى يهرب من اللجوء إليه، لأنه لا يستطيع التحكم فى مشاعره، وهو يدرك تماما فى قرارة نفسه أن ما يخافه لا مبرر له وغير منطقى، ولكن الخوف يتملكه ويسيطر عليه، ولا وجود لدور الإرادة فى التحكم فى هذه المخاوف على الرغم من إدراك المريض وتأكده أن ما يشعر به غير منطقى، وبالتالى لا مفر من طلب المساعدة المتخصصة.
وهنا أريد أن أفرق بين المخاوف التى تسبق المخاطر، والخوف عند مواجهة الخطر، فالخوف عند مواجهة الخطر هو نتاج لحدث كون هذه المشاعر، أما المخاوف التى تسبق المخاطر نحن نكونها فى مخيلتنا قبل حدوثها، فتكون "المونة" للظروف لتكوين أحداث سلبية، ومثال مر علينا جميعا الخوف من الامتحان مهما كانت مقدار المذاكرة، فهذه المشاعر تزيد التوتر، وتفقد التركيز، وفى أحيان كثيرة تكون الأسئلة سهلة، ولكن مخاوفنا تجعلنا نرتبك ونجيب بطريقة خاطئة، فهنا المخاوف هى التى أنتجت الحدث السلبى وليس العكس.
فدعونا نتخيل أن الامتحان سيكون صعبا، هل المخاوف ستغير شيئا، بالطبع الإجابة لا، فطالما مخاوفنا لن تفيدنا فى شىء، فلماذا لا نتخلص منها، وماذا إذا لم يكن الامتحان صعبا، وقد أهدرنا الوقت فى مخاوف لا أساس لها، أما كان من الأفضل علينا أن يمر هذا الوقت فى راحة نفسية بدلا من إرهاق أنفسنا بالمخاوف التى لا جدوى منها سوى زيادة الأمور سوءًا.
فهذا النوع من المخاوف نطلق عليه "مسمى القلق" فهو رد فعل انفعالى عام ومستمر يصاحبه شعور بالعجز وقلة الثقة بالنفس والتشاؤم والغضب والتوتر وقلة التركيز والنسيان والتلعثم والضعف، وعدم القدرة على مواجهة الأخطار، وهو حالة مستمرة من التوتر وترقب الشر، فالشخص القلق تكمن المشكلة فى نفسه وذاته، ولا يستلزم وجود مؤثر خارجى واقعى أو حتى حقيقى، فهو دائم الإحساس بالرعب وبعدم الأمان مما يؤثر عليه سلبيًا ويعيقه، فلا يجرؤ على المخاطرة، ويخاف من ارتكاب الأخطاء خوفًا من الخطأ أو الفشل أو النقد الدائم، وتكون النتيجة قلة الثقة بالنفس والفشل.
وبالتالى نجد أن كل المخاوف بجميع أنواعها هى مشاعر ناتجة إما من موقف وقتى حدث بالفعل، أو من أفكار نحن نوجدها بالتخيل قبل حدوثها، وطالما أن هذه المخاوف بقدر معقول ومنطقى تكون فى صالح الإنسان، لأنها تجنبه الكثير من المخاطر، فالاعتدال فى المشاعر يجنبنا كثيرا من المتاعب، والاعتدال يأتى باتباع هدى الله، وصدق الله العظيم فى قوله "فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
صورة ارشيفية