بشير العدل

قل "الشعب".. ولا تقل "النواب"

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013 06:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن نجحت جماعة الإخوان المسلحين فى القفز على السلطة ونظام الحكم فى بلادى مصر، وبمساعدة الغير، سواء عن قصد أو عن غير قصد، سعت الجماعة بكل ماأوتيت من قوة، وقوة إلى جانب قوتها، إلى محو آثار أنظمة الحكم السابقة، ليس رغبة فى نظام سياسى جديد للبلاد ولكن انتقاما من أنظمة ترى الجماعة أنها كانت ضحيتها، فى حين أنها كانت ضحية فكرها العقيم وأهدافها الخارجة عن السياق الوطنى، فهرولت الجماعة إلى مايسمى بكتابة دستور جديد للبلاد، استعانت فيه بصول البحرية الهمام – فك الله كربه- الذى كان بمثابة "المايسترو" الذى قاد عملية هدم دستور الدولة، من أجل دستور إخوانى ادعى ضمن الذين ادعو بأنه من أعظم دساتير العالم، كما ادعى "الصول" أنه اطلع على دستور 14 دولة قبل أن يشرع هو وجماعته فى صياغة دستور 2012.

غير أن أشياء فى عملية بناء ماأسمته الجماعة المسلحة بأعظم دساتير العالم كانت تبدو من خلالها الأمور أن الجماعة مشغولة بالانتقام من نظام مبارك الذى أسقطته انتفاضة الشباب، حتى سقط أمام إرادته واستسلم لها لتقفز الجماعة على أكتاف الشباب وتنسب الفضل لنفسها، حتى كاد الرئيس المخلوع مرسى، أن يتغنى بها فى كل خطاباته إلى عشيرته، ومن تلك الأشياء تغيير اسم مجلس الشعب إلى النواب، والشورى إلى الشيوخ، فى اعتقاد من جانبهم أنهم يسيرون على نهج الدول الديمقراطية، فى حين أن سعيهم كان لإلغاء كل مايحمل اسم النظام السابق أو السابقة عليه، كما تم إلغاء مشروع مكتبة الأسرة وغيرها من الأمور، ومحاولة إلغاء تاريخ 6 أكتوبر من ذاكرة المصريين، باستبدال الاحتفال بأبطال حرب أكتوبر بالمجرمين والقتلة والإرهابيين.

والحقيقة أن الجماعة فى كل مبرراتها تدعى الإصلاح وهى تفسد دائما، ليس فقط فى الجوهر وإنما حتى فى المسميات، فمعنى مجلس النواب أنه يختص بهم، وأنه معبر عنهم، فى حين أن مجلس الشعب له دلالته السياسية القوية التى تؤكد أن من بداخله هم الشعب عبر ممثليه الذين ينتخبهم الشعب، كى يكونوا وكلاء عن المواطنين كل فى دائرته.

فالأصل أن يكون المسمى الحقيقى والعملى والمعبر هو مجلس الشعب، لأن الشعب هو الذى يجلس على مقاعده عبر ممثليه، ويناقش التشريعات الخاصة بحياته اليومية فى كل المجالات سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أو تلك المتعلقة بعلاقاته الخارجية.

ومن المؤسف أن الذين يعدون الدستور الحالى ممثلون فى لجنة الخمسين، سارت على نفس الدرب ولم يفكر أى منهم فى معنى الكلمة أو حتى الإبقاء عليها، فالأصل أن يقول المواطن مجلس الشعب وليس مجلس النواب، وأن تغيير المسمى هو انتقاص من حق الشعب على الأقل من الناحية الأدبية، بعيدا عن القرارات أو الفعاليات بداخله، لتقع اللجنة الحالية لإعداد الدستور فى خطأ كبير كان ينبغى على أعضائها التنبه له نظرا لأن المجلس هو خاص بالشعب، هو من يشكله وهو من يناقش فيه أمور الدولة وحياة المواطنين، أما الإبقاء على مسمى مجلس النواب، فيعنى أنه تحول إلى قهوة يتباحث فيها النواب أمور دينهم ودنياهم وليس للشعب أية علاقة به.
المسميات قد تبدو غير ذات قيمة، إلا أن دلالاتها قوية، وواجب التنبه لها أمر مهم – على الأقل عندى- خاصة بعد أن تشكل الشعب فى صور جديدة، أرست مفاهيم سياسية هامة لدى السلطة الحاكمة، أيا كانت، بأن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه هو الذى يحدد مصير بلاده بإرادته المنفردة دون أى إملاء، سواء كان داخليا أو خارجيا، وهى مفاهيم أرستها انتفاضة الشعب وثورته ضد نظامين كلاهما فاسد، حيث هبط الأول بقيمة الشعب وعاش فى برج عاجى بعيدا عن مشاكله، بينما ارتفع الآخر بأهداف الجماعة والتنظيم الدولى على حساب الوطن، فكان كلا النظامين يستوجب المحاسبة، وإن كانت أخطاء الثانى أقوى وأشد.
الشعب إذن يجب أن يكون فى مقدمة أولويات السلطة المؤقتة، حتى فى المسميات، ولا أقصد الحالية، وإنما أعنى أية سلطة تحكم البلاد، فكل سلطة تعمل وفقا لتوقيت زمنى يحدده الشعب لها، يتوقف على مدى نجاحها أو فشلها، وينبغى أن يكون قرار الشعب هو الأشد قوة ونفاذا على أرض الواقع، وعلى السلطة الحالية بكل تشكيلاتها، ومنها لجنة الخمسين المكلفة بإعداد أو تعديل الدستور الإخوانى، أن تتعلم من دروس الماضى، وألا تتجاهل الشعب فى أى من مواقفه، سواء المطالبة بتحسين أوضاعه، أو حتى تلك المتعلقة بإعلاء اسمه واحترام إرادته، حتى لو كان فى المسميات، وينبغى على لجنة الخمسين الإبقاء على مسمى مجلس الشعب، فهو صاحب الحق فى تشكيله، وهو الذى ينطق باسمه، وأنه المصدر الأول للتشريع فى الدولة.

* مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة