تقرر أخيرا بعد تأجيله مرتين أن يعقد اجتماع السادة وزراء الرى لدول إثيوبيا والسودان ومصر، لبحث موضوع سد النهضة، وذلك فى الثانى من شهر نوفمبر القادم فى العاصمة السودانية الخرطوم.. ويتساءل العديد من المراقبين على المستوى المحلى والإقليمى والدولى حول خطة التحرك المصرى فى هذا الاجتماع لما لهذا السد من تداعيات خطيرة على الأمن المائى المصرى فى ظل استمرار إثيوبيا فى بنائه على قدم وساق، والهدف من هذا الاجتماع كما جاء على لسان المسؤولين فى الدول الثلاث هو النظر فى توصيات اللجنة الثلاثية الخاصة بسد النهضة، والتى أصدرت تقريرها النهائى فى شهر يونيو الماضى، وكانت اللجنة الثلاثية المشكلة من الدول الثلاث وبعض الخبراء الدوليين انتهت إلى أن الدراسات المقدمة من الحكومة الإثيوبية لسد النهضة عبارة عن دراسات مبدئية لا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم، وأن التصميمات الإنشائية للسد لا تضمن عدم انهياره وما لذلك من آثار وخيمة على مصر والسودان. ونص التقرير على ضرورة إعادة الدراسات البيئية والهيدرولوجية بمواصفات دولية مقبولة لتقييم آثار السد على دولتى المصب، فهل هذا الاجتماع فى الخرطوم للاتفاق حول إعادة هذه الدراسات بالمواصفات الدولية المقبولة؟ إذا كان ذلك هو الهدف فإن النتيجة الحتمية هى استمرار إثيوبيا فى بناء السد لمدة عام أو عامين آخرين حتى يتم الانتهاء من بناء السد وفرض الأمر الواقع على مصر، وبذلك نكون قد فرطنا فى حقوق مصر وحقوق أجيالها المستقبلية.
الحقيقة أن إثيوبيا حتى الآن نجحت فى أن يكون سد النهضة حقيقة واقعة وذلك بدعم إقليمى ودولى، وأصبح غير مقبول الآن التحدث أو المطالبة بإلغاء السد، وبدلا من التفاوض مع مصر حول السد وأضراره طالبت إثيوبيا الجانب المصرى بالمشاركة فى استثمارات السد وكأنه مشروع استثمارى مجدٍ لمصر وشعبها!! هذا المخطط ليس جديدا على إثيوبيا فقد قامت بتنفيذه مسبقا مع كينيا بخصوص سد جيب 3 على نهر أومو وما له من آثار سلبية شديدة على نقص إيراد المياه إلى بحيرة توركانا فى كينيا وانخفاض منسوب المياه فى البحيرة وتأثير ذلك سلبا على عشرات الآلاف من المواطنين الكينيين الذين يعتمدون على البحيرة فى أنشطة الزراعة والرى، والآن هذا السد جيب 3 على وشك الانتهاء وتقوم حاليا الأمم المتحدة بالوساطة بين البلدين للاتفاق حول سياسة تشغيلية تقلل من الآثار السلبية للسد على كينيا والمشكلة الحقيقية ليست فى سياسات التشغيل، ولكن فى سعة التخزين وفى استخدامات المياه فى الزراعة
.
ولكن إذا كان هذا هو ما تخطط له إثيوبيا وتعمل على تحقيقه فماذا يجب أن يكون عليه التحرك المصرى للدفاع عن الحقوق المصرية؟ فى رأيى أن الهدف العملى من التفاوض حاليا مع إثيوبيا هو العمل على تقليل أضرار السد على مصر إلى أقل حد ممكن، وذلك من خلال ثلاثة ثوابت أساسية تتمثل فيما يلى:
- تخفيض السعة التخزينية للسد إلى أقل حد ممكن وبما يحقق الاحتياجات المحلية لإثيوبيا من كهرباء السد ويحقق الفوائد السودانية من تقليل المواد الرسوبية فى سدودها وتنظيم تصرفات النيل الأزرق
- التوافق حول عدد سنوات تخزين المياه أمام السد وسياسات التشغيل وبما يحقق التوازن بين الهدف الإثيوبى من تعظيم اقتصاديات السد والهدف المصرى لتقليل أضرار السد على مصر
- التوافق حول التصميمات الإنشائية للسد نظرا لأن انهياره سيؤدى إلى كوارث تدميرية لكل من مصر والسودان.
يجب أن تمثل هذه الثوابت فى رأيى الأهداف المعلنة للمفاوض المصرى ويجب عدم الرضوخ للمخطط الإثيوبى، والموقف السودانى الحالى الداعم له ويجب ألا نخشى رفض إثيوبيا للمطالب المصرية، فهناك العديد من الأدوات والقنوات الأخرى الممكن التحرك من خلالها للمحافظة على حقوق مصر المائية ومكتسبات شعبها، نعم الظروف المصرية الداخلية صعبة والضغوط الإقليمية والدولية كبيرة، ولكن مصر دولة لها مكانتها ولم ولن تضحى بحقوقها أبدا على مدى تاريخها الطويل.
وهناك ثلاثة بنود يجب التأكيد عليها ومناقشتها وعدم السماح بمرورها دون توضيح، أولها صمت الحكومة غير المبرر وعدم نشرها تقرير اللجنة الثلاثية رغم أنه يؤيد مطالب مصر ويؤكد مخاوفها من إنشاء السد، خاصة بعد التأكيد على أن الدراسات الإثيوبية لا ترقى لمستوى السد، وأكدت أن به عيوبا عديدة قد تؤدى لانهياره.
ثانيا: المفاوض المصرى لم يعلن حتى الآن ماذا يريد من عملية التفاوض مع الجانب الإثيوبى وما هو المطلوب تحقيقه صراحة وما هو المرجو تحقيقه من التفاوض مع دولة السودان.
ثالثا: الموقف السودانى غريب ولافت للنظر بشدة، ويؤكد أن التنسيق مع الجانب المصرى ليس فى أحسن حالاته، خاصة أن السودان تؤيد الموقف الإثيوبى بعد أن كانت شريكا استراتيجيا لمصر.
ونحن نتساءل ما هى جهود الدولة المصرية ووزارة الخارجية التى تبذل لسد الفجوة بين الموقفين المصرى والسودانى، فإلى جانب العلاقات والروابط التاريخية والثقافية بين مصر والسودان هناك التزامات قانونية على دولة السودان تم النص عليها فى اتفاقيتى 1929 و1959.
لذا يجب الاهتمام واليقظة فى التفاوض والمناقشة، خاصة أن تحويل مجرى النيل الأزرق تم بالفعل والإنشاءات مستمرة والآن تطالب إثيوبيا مصر بالشراكة فى بناء السد، وما تنادى به إثيوبيا يمكن وصفه بالفخ الإثيوبى لمصر تحت دعاوى الشراكة فقد يتطور الأمر لأن تطالب إثيوبيا مصر بالمساهمة فى تكاليف الدراسات وتستمر هى فى البناء وتضعنا أمام الأمر واقع.
محمد نصر الدين علام يكشف: أخطر أسرار «النهضة» ..دراسات سد النهضة لا ترقى للمستوى المطلوب ولا تضمن عدم انهياره..الهدف من التفاوض هو تقليل الأضرار بتخفيض السعة التخزينية للسد
السبت، 02 نوفمبر 2013 04:46 م
محمد نصر الدين علام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة