«كريستال عصفور».. مجازر عُمالية دافعها الانتقام السياسى .. 495 مليون جنيه أرباح الشركة فى 2008 والعمال لا يحصلون على تكاليف علاجهم من أمراض عملهم.. والفصل التعسفى وإنهاء العقود أدى إلى تسريح ألف عامل

السبت، 23 نوفمبر 2013 04:28 م
«كريستال عصفور».. مجازر عُمالية دافعها الانتقام السياسى .. 495 مليون جنيه أرباح الشركة فى 2008 والعمال لا يحصلون على تكاليف علاجهم من أمراض عملهم.. والفصل التعسفى وإنهاء العقود أدى إلى تسريح ألف عامل كمال ابو عيطه
تحقيق - إيمان الوراقى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى :

استيقظ «حسام الغزولى» ابن الـ 33 عاماً من عمره شاعراً بإعياء لازمه فى الأيام الأخيرة رغم تأكيد طبيب شركته «كريستال عصفور» له بأنه «صاغ سليم» ولا يعانى من شىء، مكتفياً بإعطائه مسكن «ريفو»، وطالبا منه العودة إلى العمل وعدم الاستسلام لذلك الشعور.

لحظات فكر الغزولى داخل سريره فى الامتناع عن الذهاب إلى العمل فلربما زال الوجع ليستكمل حصصه المكلف بإنهائها وعددها تقفيل أربعة آلاف قطعة زجاجية يومياً لكنه تذكر مدير الشؤون القانونية وهو يفصل زملاءه لغيابهم 6 أيام خلال عام تعاقدهم.

هب «الغزولى» من سريره متوجعاً وارتدى ملابسه وتوجه إلى العمل عازماً فور انتهاء اليوم على زيارة ابنة عمه «الطالبة بكلية الطب» والتى ما إن فحصته حتى شعرت بخطورة حالته فتوجهت به إلى طبيب باطنة فاجأها بعد إجراء الأشعة والتحاليل «قريبك مصاب بسرطان الكبد وفى أيامه الأخيرة».

فى صباح اليوم التالى كان الغزولى ضيف السماء تاركاً زوجة وثلاثة أبناء فى يد شركة «كريستال عصفور» التى لم تمنحهم معاشاً كما أخفت مرض والدهم كى لا تضطر لعلاجه.. هكذا قال ابن خاله وزميل قسم «الجلى» بذات الشركة.

تحولت «كريستال عصفور» إلى وحش يمص دم العمال ويتركهم جثة رغم من ربحها الوفير الذى وصل فى 2008 إلى «495 مليون جنيه تقريباً» فالشركة التى تم تأسيسها بمدينة شبرا الخيمة عام 1961 بطاقة بشرية لا تتخطى 200 من العمال الذين يستعينون بأدوات أساسية بسيطة، توسعت لتضم 5 مصانع على مساحة تتجاوز 1.2 مليون متر مربع.

كان يعمل بهذه المصانع الخمسة قرابة 30 ألف عامل من الرجال والنساء، تم تصفيتهم إلى 17 ألفا بعد مرض أكثرهم ووفاتهم نتيجة إصابتهم بالرصاص المستخدم فى صناعة الكريستال والمسبب لأمراض خطيرة على رأسها الربو والسرطان.

استغلال العمال للتصويت لـ«مرسى»

لم يكن ما سبق هو كل ما عاناه عمال «كريستال عصفور» المملوكة لـ«وليد عصفور» - الذى يراه العمال فلسطينى الأصل وحمساوى العقيدة، إخوانى المذهب، والمعروف انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين.. وكونه الداعم لاعتصام رابعة العدوية بالبطاطين والغذاء والأدوية والمياه وربما كان هذا صائغا لدى البعض، إلا إن توجيهه للعمال بانتخاب المرشح المعزول محمد مرسى يشبه إلى حد كبير سياسة العصا والجزرة فى استغلال نفوذه بالتحكم فى رغبات العمال.

وما زاد الطين بلة قول محمود خليل العامل بالشركة: «تم صرف علاوة 20% للتصويت على دستور 2012 بنعم» وحتما كان يفعل الموظفون والعمال لابقائهم على وظائفهم وعدم إلقائهم بالشارع كما حدث مع الكثيرين.

وعلى غرار شعائر الإخوان كان من عادة عصفور إهداء عماله كُتيبات رمضانية مثل «لا تحزن، الجنة والنار، عذاب القبر، فضل قراءة القرآن، وصايا حسن البنا» إلا فى رمضان الماضى وفقاً لما قاله أحد المتحدثين نيابة عن العمال - فضل عدم ذكر اسمه - وأضاف: «فى رمضان الماضى لم يتم توزيع ما كان مقررا توزيعه علينا حيث أشيع قبل سقوط الإخوان وقبيل رمضان عن طباعته كتيب «طريق الإخوان إلى الرئاسة» إلا إنه لم يوزعه علينا».

مرسى أو الانتقام.. جملة لخص بها «على مختار» - عامل خطابات عصفور - ما قاله للعمال ذات يوم: استمرار مرسى فى الحكم يعنى الاستقرار والازدهار وخروج مظاهرات ضده وعزله يعنى خراب الاقتصاد وتوقف المصانع - خاصة كريستال عصفور - وبالتالى سيشردون.

الانتقام

بدأ وليد خميس عصفور صاحب شركة «كريستال عصفور» حملة تسريح للعمال، عبر الفصل التعسفى أو الضغط لتقديم الاستقالة، بالإيقاف عن العمل أو تحويلهم للتحقيق بحجج واهية، وذلك بعد أن أستطاع عشرات الآلاف من العمال، عبر ما يقارب من نصف قرن، أن يجعلوا منها أحد أكبر شركات إنتاج الكريستال فى العالم، نتيجة جهودهم وتضحياتهم.

لم تنتهِ تجربة هؤلاء بفقدانهم مصدر رزقهم بل إنهم خرجوا محملين بالأمراض نتيجة طبيعة عملهم، الذى يتسبب فى الإصابة بالربو والغضروف، وزيادة نسبة الرصاص فى الدم، نتيجة تفاعل مادة الرصاص الموجودة بمخزن الرصاص داخل الشركة وعليه مات البعض و«تسرطنت» أجساد الآخرين قبيل فصلهم حتى لا تتحمل الشركة نفقة علاجهم وبقى البعض بها ينتظر أحد الخيارات السابقة.

قال محمد النبوى عبدالمنصف: «أصيبت منذ 18 سنة بجرح خيطه الطبيب وترك بداخله جسم غريب ما أدى إلى إصابتى بـ«غرغينة» انتهت بالبتر وبعد العجز، أتقاضى راتبا لا يتجاوز 550 جنيها مع رفض الشركة علاجى على نفقتها الخاصة.

وأضاف أشرف عبدالعزيز «عامل غسيل أحواض»: ألتحقت بالشركة فى 2006 وأكد كشف هيئة وآخر بالتأمين الصحى عدم إصابتى بأى مرض وبعدها بعامين أصابنى انسداد فى الرئتين بسبب الصودا والبوطاس، وأكد التقرير الطبى إصابتى بعجز جزئى مستديم غير مستجيب للعلاج، ورفضت الشركة تحمل تكلفة علاجى البالغ 800 جنيه شهرياً فاضطررت للاقتراض منها وعندما بلغت ديونى 18 ألف جنيه ساومنى مسؤولو الشركة على ترك العمل مقابل التنازل عن الدين وإعطائى 10 آلاف جنيه نهاية خدمة، لكن ولأنى فى بداية حياتى ولدى أبناء أعولهم رفضت إذ كيف أتكفل باحتياجاتهم دون عمل وفى ظل إصابتى بمرض يحتاج أموالاً طائلة للعلاج منه؟

حلقات مسلسل مساومة العمال على مغادرة الشركة نظير حصولهم على مقابل مادى ضئيل لا تنتهى وفى ذلك قال ماهر عبدالحكيم: أعمل بالشركة منذ قرابة ربع قرن أصابنى خلالها عدة أمراض منها وجود فتحة بالحجاب الحاجز والكبد وغضروف وأخيراً أجريت جراحة لإزالة المرارة وساومتنى الشركة على دفع 25 ألف جنيه فقط نظير استقالتى ولأنى لازلت لم أبلغ سن المعاش ولدى 4 أبناء بمراحل التعليم المختلفة رفضت وأتساءل: من ينقذنا من هذا الوحش؟.

من جانبه أدان محمود سيف النصر أمين حزب الوفد بشبرا الخيمة ما قامت به شركة كريستال عصفور من تشريد العمال وإهمالهم صحياً وطالب ابتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها ودفعها إلى تحقيق عدالة فى الأجور والتأمين على حياتهم وتثبيت المتعاقدين وأخذ الاحطياطات اللازمة من وسائل أمان وخلافه للحفاظ على صحة العمال.

عصفور وشركاه

الأمر لا يديره وليد عصفور بمفرده بل يستعين بجيش من الإداريين فى تزييف وعى العمال وترهيب الناشطين منهم، لمنعهم من الاحتجاج على أوضاعهم، تماماً كما حدث فى شهر يونيو الماضى، مع العمال المضربين من قسم «الجلى» والمتضامنين معهم بالأقسام الأخرى، نتيجة وفاة أحد زملائهم بسبب زيادة نسبة الرصاص فى الدم، والمطالبة بمنح أهله التعويض، والعمل على توفير وسائل تقيهم من الإصابة، وتحميهم من الخطر الذى يهدد حياتهم فما حدث نتيجة ذلك هو حملة تنقلات شملت عددا من الأقسام وتحويل عدد منهم إلى التحقيق بغرض نشر الرعب بين العمال وإرسال رسالة لهم مفادها: كل من تسول له نفسه ويحاول أن يحتج أو يطالب بحقوقه، ستطوله يد الإدارة.

كما مارست الإدارة كما يقول العمال حملة تصفية لعدد كبير من العمال بدأوها عقب عيد الفطر الماضى، بأن أعدت استمارة لراغبى الخروج على المعاش مقابل مكافأة هزيلة، مع عدم التعويض عما أصابهم من أمراض نتيجة عملهم.

وشملت الحملة فصلا تعسفيا، وإنهاء العقود السنوية لعدد من العمال قضوا فترة عمل تراوحت بين سنة و7 سنوات بينما من يعملون بعقد دائم ضغطت عليهم الإدارة إما بنقلهم لأماكن عمل غير مناسبة لسنهم أو مهاراتهم، أو حتى ظروفهم الصحية أو عن طريق وقفهم عبر تحقيق أو بدون ذكر أسباب، دون منحهم أى مستند يثبت قرار وقفهم عن العمل، وكل هذا أدى إلى تسريح ما يزيد عن ألف عامل فى تلك الفترة.

وسائل الأمان

منشور شكل ملابس العامل المعلق على البوابة رقم 3 بفرع الشركة ببهتيم كان كفيلا بالدلالة على المهانة التى يتعرض لها العمال ووسائل الأمان الغير مستعملة من بالطو أبيض وجوانتى وقناع حيث اقتصر رداؤه على قميص وبنطال شديدين الاتساخ مُزقا من كثرة الاستعمال.

يعتمد وليد عصفور ورجال إدارته على عدم وعى العمال بحقوقهم، وضعف الرقابة الحكومية، فى عدم توفير وسائل السلامة والصحة المهنية وعدم تعويض العمال عن إصابتهم وفقاً للقانون فنيل العمال احتياطاتهم الأمنية ثقافة لا تعرفها الشركة، وفى ذلك يقول العامل خالد جمعة: «لا توزع علينا جوانتيات ولا ماسكات أثناء عملنا المعتمد على الرصاص والمواد الكيماوية ولذا نتنفس الرصاص وتُسد الرئة ونصاب بالسرطان» بعدها صمت خالد واستخرج تقريرا طبيا يثبت وجود رصاص فى رئته بنسبة 38% ثم قال: «فيه ناس بلغت النسبة عندها 46% والمفروض إنها تتراوح بين 4 و8%.. وهنا أشهر كثيرون تقاريرهم الطبية التى تثبت نسبة عجزهم بين كلى وجزئى ونوع المرض وقرارت فصلهم بعد انضمام بعضهم إلى الشركة لمدة تصل إلى ربع قرن».

«ما بيسلموناش أدوات أمان إلا من السنة للسنة» هكذا بادر محمود حسين بالقول وأضاف: «تقتصر هذه الأدوات على حذاء وأحيانا ركبة أما الماسكات وغيرها من عوازل فنشاهدها فى التليفزيون فقط».

فتيات جئن الاعتصام وزوجات ثكلى يمنعهن موت أزواجهن من المطالبة بحقوقهم كانت منهن منال زوجة صلاح شحات عبده المصاب بسرطان الكبد منذ خمس سنوات والتى قالت: «لم تساعدنا الشركة فى علاجه ووقعنا فى أزمات مادية بسبب أن زوجى كان مرتبه حسب الإنتاج وأساس راتبه 550 وذات شهر تطور المرض ومقدرش يروح الشغل ومن وقتها لم يصرف لنا معاش أو أموال تساعدنى وأسرتى على الحياة».

أبوعيطة مخيب الآمال.

بعد فرحة عارمة عاشها العمال فى انتظار قدوم الفرج على يد الثورى العمالى «كمال أبوعيطة» الوزير الحالى للقوى العاملة جاءت تصريحاته عبر وسائل الإعلام بشان أزمتهم قبل فض اعتصامهم مخيبة للآمال، وفى ذلك يقول صلاح عبدالعاطى المتحدث الرسمى للعمال: «لم نفض اعتصامنا ولم يتم الاستجابة إلى مطالبنا وهى الحصول على نسبة من الأرباح بالتساوى وتحسين الرعاية الطبية وتغير إدارتها وتحسين الأجور ونقل مصنع الرصاص، وصرف بدل وجبة غذائية، وتجديد جميع العقود التى قاربت على الانتهاء وتحديد بدل مخاطر عن طريق الصحة والسلامة المهنية التابعة لوزارة القوى العاملة».

وعبر المتحدث الرسمى للعمال عن استيائه من استغلال الوزير - على حد قوله – لهم حيث طلب من المفوضين التقاط بعض الصور معه ولكنه «شالها لوقت عوزة ووزعها على الجرايد ونشر أخبارا غير صحيحة عنا.. الناس متفقوش وهو مطلع تصريحات بأنه اتفق معاهم» وتابع: «لم نوقع أى اتفاق ولن نوقع والاعتصام مستمر».




















مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة