العالم المصرى محمد صوّان يحلم بمفاعلات نووية لم تشهد مثلها الأعين

الثلاثاء، 19 فبراير 2013 09:56 ص
العالم المصرى محمد صوّان يحلم بمفاعلات نووية لم تشهد مثلها الأعين العالم المصرى محمد صوّان
نقلا عن الحياة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بعض الأحيان، عانى علماء عرب فى الغرب من أزمة عدم قدرتهم على إرواء الحنين إلى الوطن بالعودة إليه، لكنها أزمة حملت لبعضهم أشياء إيجابية لم تكن فى حسبانهم. تصلح سيرة عالِم الذرّة الأمريكى المصرى البروفسور محمد السيّد صوّان (مواليد دمنهور 1947)، نموذجاً عن هذه المفارقة، إذ حصل صوّان على بكالوريوس فى الهندسة النووية من جامعة الإسكندرية (1967) وعيّن فيها معيداً لسنتين. وفى 1969 تلقّى منحة دراسية من جامعة ولاية ويسكونسن الأمريكية، مهّدت له طريق الحصول على شهادة الدكتوراه. والتمع فى خياله أنه سيعود بعد الدكتوراه إلى مصر، مزوّداً ببرامج وخبرات متطوّرة تساهم فى تعزيز جامعة الإسكندرية، الحديثة العهد فى الهندسة النووية حينذاك.


حقّق صوّان حلمه بالعودة إلى الإسكندرية وبحرها وترابها. ودرّس فى جامعتها 6 سنوات، أشرف خلالها على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، كما تعاون مع «وكالة الطاقة الذريّة المصرية» عبر مساهمته فى تطوير مفاعل البحوث الذرى فى «أنشاص». لم يستمر الحلم طويلاً إذ ضربته البيروقراطية المترهلة التى عرقلت حصول صوّان على وظيفة تليق بعلمه. وتلا ذلك، خيبة وإحباط وألم. وسرعان ما التمع ضوء أمل من مكان آخر. وتلقى صوّان عرضاً من جامعة ويسكونسن للمشاركة فى بحوث تستمر لعامين. وبعد انتهائهما، حاول صوّان تمديد عقده السابق فى جامعة الإسكندرية، ممنيّاً النفس بالعودة مرّة اخرى الى المدينة التى «ترابها زعفران»، وفق أحد الأمثال المشهورة عنها. وخاب أمله مجدّداً إذ فصلته الجامعة، بل أنهت خدمته فيها. اجتذبته مجدّداً جامعة ويسكونسن. وما زال فيها أستاذاً وباحثاً فى قسم الهندسة النووية، منذ 1982.

أبدى صوّان اهتماماً مميّزاً فى تكنولوجيا الاندماج النووى. وفى مقابلة مع "الحياة"، أوضح أن مجمل بحوثه تتمحور حول إيجاد تصاميم وتقنيات جديدة لجيل من المفاعلات الذرية يكون أكثر تطوّراً وأماناً واستدامة وإنتاجاً للطاقة، من الأنواع المستندة إلى الانشطار النووي. وشدّد على أن مفاعلات الإندماج النووى لم تر النور بعد، وأنها لا تستخدم وقوداً تقليدياً كالفحم الحجرى والغاز الطبيعى والبترول، ولا يلزمها الماء الثقيل أو أى من المواد القابلة للانصهار كحال المفاعلات المستعملة فعلياً فى أرجاء الكرّة الأرضية راهناً.

ورأى صوّان أن مادة اليورانيوم المُشعّ المستخدمة فى المفاعلات النووية كافة، تنجم عنها إشعاعات ونفايات نووية تتسبب فى حال تسربها إلى البيئة الطبيعية، بأضرار جسيمة للبشر والتراب والمياه والكائنات الحيّة كلها. وشدّد على أن هذه المفاعلات تستعمل أيضاً كميّات من الوقود الأحفورى، مما يجعلها مصدراً للغازات المتّصلة بظاهرة الاحتباس الحراري. وفى المقابل، أوضح صوّان أن الجيلين الأولين من المفاعلات النووية، عانيا مشاكل جمّة استطاع العلماء تداركها فى الأجيال التالية من تلك المفاعلات. واستطرد للقول إن هذه المفاعلات المتطوّرة باتت رائجة عالمياً، فى بلدان مثل الولايات المتحدة (104 مفاعلات متطوّرة) وفرنسا (58 مفاعلاً متطوّراً).

وأوضح صوّان أن الأجيال المتطوّرة من المفاعلات النووية بلغت درجة من الأمان سمحت بإقامة منشآت مدنية واقتصادية وتجارية وزراعية على مقربة منها. ولفت إلى أن ما جرى فى مفاعلات «تشرنوبيل» و"فوكوشيما» يندر أن يتكرّر. وأكّد أيضاً أن «مخاطر الإشعاعات الصادرة من مفاعل نووى تقلّ بقرابة 100 ضعف عن الاشعاعات الموجودة فى الطبيعة او الاشعة الكونية، وتلك التى تصدر عن الخليوى والتلفزيون»، وفق كلماته.

فى منحى يشير إلى أهمية هذا العالِم الأمريكى - المصرى، ورد فى وثائق قسم الهندسة النووية فى جامعة ويسكونسن أن صوّان «واحد من كبار العلماء الذين ساهموا فى تطوير تكنولوجيا الاندماج النووي، عبر عمله فى كثير من البرامج والمشاريع والدراسات الأميركية الهادفة إلى توليد الطاقة من اندماج الذرّات، بما فيها استخدام القوة المغناطيسية وأشعة الليزر». ومنذ عام 1988، ما زال صوّان يقود فريقاً من العلماء والخبراء، يعمل ضمن الفرق الكبرى التى تسعى لإنشاء أكبر مفاعل نووى دولى تجريبى («أيتر») فى فرنسا، يستند للمرة الأولى إلى تكنولوجيا الاندماج النووى.

فى سياق متّصل، ذكّر صوّان أنه يتولّى تنسيق الدراسات والنشاطات الدولية عن موضوع الاندماج النووى والأعمال التجريبية المتّصلة بهذا النوع من الاندماج فى مفاعل «أيتر»، كما يحلّل بيانات مشابهة تصدر فى الولايات المتحدة. وأعرب عن أمله بالتوصّل خلال السنوات العشر المقبلة، إلى معلومات تمكن العلماء من اختيار التصميم الأفضل لمفاعل يعمل بالاندماج النووى، ويولّد كميّات ضخمة من الطاقة الكهربائية النظيفة. وكذلك أعرب عن اعتقاده بأن العقدين المقبلين سيشهدان دخول تكنولوجيا الاندماج النووى إلى مرحلة الانتاج الفعلي، ما يحدث تغييراً أساسياً فى مشهد الطاقة.

وتقديراً لمكانته العلمية وبحوثه النووية المتميزة، مُنِح صوّان عام 2000 رتبة الزمالة فى «الجمعية النووية الأمريكية». وحاز جائزة التفوق فى بحوث المفاعلات النووية وتصاميمها (1994) من جامعة ويسكونسن، وجائزة «القيادة المميّزة» فى مشروع «أيتر» من وزارة الطاقة الأميركية، وجائزة «أفضل بحث قُدم فى مؤتمرات الجمعية الأميركية النووية».

كما تميّز صوّان بغزارة بحوثه ودراساته التى شملت 390 مقالاً وورقة عمل، نُشِر بعضها فى مجلات علمية أميركية ودولية متخصّصة، وقُدّم بعضها الآخر فى مؤتمرات دولية متنوّعة.

خلال ما يزيد على ثلاثين سنة من الإقامة فى أمريكا، لم ينقطع صوّان عن التواصل مع مصر. ولا يزال يؤمّها بين الحين والآخر أستاذاً زائراً أو محاضراً أو مشاركاً فى مؤتمراتها العلميّة، أو ساعياً لتأمين مِنَحٍ دراسية لبعض طلبتها بمعدل 4 مِنَح سنويّاً. فى السياق عينه، خصّص صوّان جائزة مالية سنوية للطالب المصرى الذى يحوز أعلى المعدلات عند تخرجه فى قسم الهندسة النووية فى جامعة الإسكندرية.

وأشار إلى أن عودته الدائمة ما زالت متعذّرة حاضراً، بأثر من ارتباطات عائلية، مُبدياً عزمه على توزيع وقته مناصفة بين مصر وأمريكا، بعد أن يبلغ سنّ التقاعد. ولفت صوّان الى أنه، مع عشرات العلماء المصريين المقيمين فى أميركا وكندا، عبأوا استمارات أرسلتها إليهم وزارة البحث العلمى فى مصر وأبدوا فيها استعدادهم للمساهمة بخدمة بلدهم ونهوضه علمياً، إلا أن «ما فيش حدّ سأل»، وفق كلماته.

وأضاف أن بعض هؤلاء العلماء يشغل مناصب رفيعة فى الهيئات الأمريكية والدولية للطاقة الذرية، بل يتمتع بخبرات عالمية فى تصميم المحطات النووية وإنشائها وتشغيلها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة