"إننا طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية".. كانت هذه الكلمات آخر ما قاله الشيخ أحمد ياسين، "قعيد الأمة الذى أحيا الهمة" مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، فى آخر مقابلة تليفزيونية معه، وبالفعل حقق أحمد ياسين أمنيته الكبرى فى الانضمام إلى مواكب الشهداء.. ففى يوم 22 مارس عام 2004، أطلقت الطائرات الصهيونية عدة صواريخ استهدفت أحمد ياسين، بينما كان عائداً من أداء صلاة الفجر، فى مسجد "المجمع" القريب من منزله فى حى صبرا فى غزة بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق أرئيل شارون.
وقامت مروحيات الأباتشى الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلى، بإطلاق 3 صواريخ تجاه ياسين "المقعد"، وهو فى طريقه إلى سيارته، مدفوعاً على كرسيه المتحرك من قبل مساعديه، فسقط ياسين شهيداً فى لحظتها وجرح اثنان من أبنائه فى العملية، واستشهد معه سبعه من مرافقيه.
تناثرت أجزاء الكرسى المتحرك، الذى كان يتنقل عليه ياسين، فى أرجاء مكان الهجوم، الذى تلطخ بدمائه ومرافقيه خارج المسجد، مما أدى أيضاً إلى تناثر جسده وتحويله إلى أشلاء، وهنا ارتقت روحه إلى بارئها ومات كما كان يتمنى.
ولد الشيخ أحمد إسماعيل ياسين، فى 28 يونيو 1936، ويعد من أعلام الدعوة الإسلامية بفلسطين، والمؤسس والرئيس لأكبر جامعة إسلامية، فى غزة ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، وزعيمها حتى وفاته.
شهدت قرية الجورة التابعة لقضاء المجدل، جنوبى قطاع غزة، مولد الشهيد ياسين.. لجأ مع أسرته إلى قطاع غزة بعد حرب عام 1948.. تعرض لحادث فى شبابه أثناء ممارسته للرياضة نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تاماً.
عمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية ثم خطيباً ومدرساً فى مساجد غزة، وأصبح فى ظل الاحتلال أشهر خطيب، عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته فى الحق.
شارك وهو فى العشرين من عمره، فى المظاهرات التى اندلعت فى غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثى، الذى استهدف مصر عام 1375هـ الموافق عام 1956.. وأظهر قدراتٍ خطابية وتنظيمية ملموسة، بعد هزيمة 1967، التى احتلت فيها إسرائيل كل الأراضى الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، استمر أحمد ياسين فى إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسى، الذى كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، ويجمع التبرعات والمعونات لأسر الشهداء والمعتقلين، ثم عمل رئيساً للمجمع الإسلامى بغزة.
اعتقل الشيخ أحمد ياسين عام، الموافق عام 1983، بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكرى والتحريض على إزالة الدولة اليهودية من الوجود، وحكمت عليه المحكمة الصهيونية بالسجن 13 عاماً، ثم أفرج عنه عام 1985 فى عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أسس الشيخ ياسين، مع مجموعة من رفاقه، حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد خروجه من السجن، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ضد الظلم والعدوان والإذلال المتمثل بالاحتلال الصهيونى لفلسطين، ومع تصاعد الانتفاضة بدأ العدو الصهيونى التفكير فى وسيلةٍ لإيقاف نشاط ياسين، فقامت القوات الإسرائيلية فى عام 1988 بمداهمة منزله وتفتيشه، وهددته بالنفى إلى لبنان، ثم ألقت القبض عليه مع المئات من أبناء الشعب الفلسطينى، وخلال عام 1989 وفى محاولة لوقف المقاومة المسلحة التى أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال، والمستوطنين اليهود واغتيال العملاء.
فى عام 1991 أصدرت إحدى المحاكم الصهيونية، حكماً بسجن ياسين، مدى الحياة، إضافة إلى 15 عاماً أخرى، بتهمة التحريض على اختطاف، وقتل جنودٍ صهاينة وتأسيس حركة حماس، وجهازيها العسكرى والأمنى.. وفى عام 1997، تم الإفراج عنه بموجب اتفاقٍ تم التوصل إليه بين الأردن والعدو الصهيونى، إثر العملية الإرهابية الفاشلة التى قام بها الموساد فى الأردن، والتى استهدفت حياة خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس.
عانى الشيخ ياسين إضافة إلى الشلل التام، من أمراض عديدة، منها فقدان البصر فى العين اليمنى، بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية أثناء سجنه، وضعف شديد فى قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية فى الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.
أدت ظروف ظروف اعتقال ياسين، لتدهور حالته الصحية، ما استدعى نقله إلى المستشفى مرات عدة، بل تدهورت صحة ياسين أكثر، بسبب اعتقاله، وعدم توفر رعاية طبية ملائمة له.
عايش الشيخ ياسين، الهزيمة العربية الكبرى المسماة بالنكبة عام 1948، وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاماً، وخرج منها بدرس أثر فى حياته الفكرية والسياسية فيما بعد، تمثل فى أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين أنفسهم عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الغير سواء كان هذا الغير الدول العربية المجاورة، أو المجتمع الدولى.
ويتحدث أحمد ياسين، قبل استشهاده، عن تلك الحقبة فيقول: "لقد نزعت الجيوش العربية التى جاءت تحارب الكيان الصهيونى السلاح من أيدينا، بحجة أنه لا ينبغى وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث".
وأثناء فترة الخمسينيات والستينيات كان المد القومى قد بلغ مداه، فيما اعتقل أحمد ياسين من قبل السلطات المصرية التى كانت تشرف على غزة، بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وعندما كان رجالات الحركة فى قطاع غزة يغادرون القطاع هرباً من بطش جمال عبد الناصر، كان للشيخ أحمد ياسين، رأى آخر فقد أعلن أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة والجهاد.
كانت مواهب أحمد ياسين، الخطابية قد بدأت تظهر بقوة ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذى لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التى شهدتها الساحة السياسية المصرية، والتى استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954.
وظل ياسين حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر، ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.
وفى نفس يوم اغتيال الشهيد أحمد ياسين، ولد ستة أطفال فى قريته، وتسموا جميعًا باسمه "أحمد ياسين"، وعم الحزن والغضب كافة أرجاء العالم العربى والإسلامي، وخرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشوارع للمشاركة فى تشييع جثمان ياسين وقد صلى المسلمون عليه صلاة الغائب فى عددٍ كبيرٍ من مساجد العالم، واعترضت إسرائيل على أن يبحث مجلس الأمن قضية اغتيال أحمد ياسين بحجة أنه إرهابى.
استشهاد الشيخ أحمد ياسين لم يكن حدثاً عابرا،ً فقد نعته وأدانت اغتياله آلاف المؤسسات والدول واعتبرت تلك الدول والمؤسسات، أن استهداف جسد أحمد ياسين، "جريمة حرب"، و"تجاوز خطير".. وتصاعدت التفاعلات فى كافة البلدان العربية والإسلامية، حيث تفننت كل جهة فى تخليد ذكرى استشهاد هذه الأسطورة التى مثلت منارة للجهاد والمقاومة فى فلسطين المحتلة.
اليوم.. الذكرى التاسعة لاغتيال "قعيد الأمة الذى أحيا الهمة" الشيخ أحمد ياسين مؤسس "حماس"..تمنى الشهادة فاغتالته إسرائيل أثناء عودته من صلاة الفجر.. وفى يوم الاغتيال ولد ستة أطفال فلسطينيين تسموا باسمه
الجمعة، 22 مارس 2013 11:21 م
الشهيد أحمد ياسين