1 – الدولة العلمانية الديمقراطية
من المفارقات الطريفة، إن كان ثمة ما يحتمل وصفه بالطرافة فى هذا الزمن الأغبر، أن يجتمع كل الفرقاء والمتناقضين فى مصر على مبدأ إقامة «دولة مدنية». الإسلاميون يقولون بالدولة المدنية، والليبراليون والقوميون والاشتراكيون يرفعون ذات الهدف، وحتى من يطالبون اليوم بعودة الجيش إلى الحكم يقولون أيضا إنهم يريدون بناء الدولة المدنية. لماذا إذن يختلفون فيما بينهم، إلى حد التناقض فى أحيان ليست قليلة؟
واقع الأمر أن مصطلح «الدولة المدنية» غريب وشاذ، لا تعرفه معاجم وقواميس العلوم السياسية والاجتماعية، بما فيها علم الاجتماع السياسى، التى تتحدث فقط عن الدولة «العلمانية» أو الدولة «الدينية». فالمدنى هو نقيض العسكرى (ملكى وميرى) ولم يكن أبدا (حتى فى علوم اللغة) نقيضا للدينى، وبما يعنى أن الجميع اتفقوا على إقامة دولة لا عسكرية «مدنية»، ثم اختلفوا (ضمنا) على هوية تلك الدولة « اللاعسكرية »، وراحوا يتصارعون على ما هو غير معلن.
والذى حدث أن مصطلح الدولة العلمانية كان قد تعرض لحملة منظمة من التشويه والشيطنة، من قبل الجماعات والتيارات الإسلامية، دفعت أنصاره إلى التخلى عنه واختراع المفهوم الذى اعتقدوه بديلا «دولة مدنية»، فكان أن وجدنا أنفسنا أمام مصطلح بلا معنى ولا مضمون.
وكذلك يصبح لدينا مفهومان يحددان بدقة طبيعة الدولة وجوهرها، الدولة العلمانية، الدولة الدينية، وبين دفتى كل منهما أنماط وألوان متعددة.
نشأت الدولة العلمانية من رحم الدولة الدينية التى أقامتها الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى، على أساس الفصل بين الدين والدولة، وبما يعنى أن ترسم الدولة سياستها وتضع قوانينها وفق مصالحها العليا وبما يحقق مصالح مواطنيها بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية، لكن سرعان ما عرفت «العلمانية» مدارس واتجاهات مختلفة، منها من تعسف فى تفسير هدف الفصل بين الدين والدولة، وصولا إلى حد معاداة الدين.
وقد كانت تجربة هتلر فى ألمانيا هى الأنموذج فى النظام العلمانى المعادى للدين، حينما مزق الإنجيل، معتبرا أنه «كتاب ضعف وخنوع»، وعقف الصليب سخرية من الضعف الذى وصل إلى حد صلب المسيح، وأصبح الصليب المعقوف شعارا للنازية، وشن حربا ضروسا ضد اليهود، فقط لأنهم يهود. ثم تكرر نموذج العلمانية المعادية للدين، وإن كان بدرجة أخف وطأة، فى تجربة ألمانيا الديمقراطية (فى مرحلتها الأولى)، وقبلهما فى الاتحاد السوفييتى فى عهد ستالين. لكن نموذج (العلمانية المعادية للدين) انتهى تماما من العالم ولم يعد له أثر، بعدما ثبت بالقطع استحالة إكراه الناس على التخلى عن دينهم.
ثم كان أن ظهرت أيضا مدرسة العلمانية الديكتاتورية التى تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتحترم حق جميع مواطنيها فى ممارسة شعائرهم الدينية، وبناء دور عباداتهم، بينما تكشر عن أنياب ديكتاتوريتها ضد كل من يعارض أو يختلف مع الحزب الحاكم، أيا كان انتماؤه الدينى أو المذهبى (صدام حسين وحافظ الأسد نموذجان). وهو نموذج راح – بدوره- ينحسر ويتراجع فى العالم أجمع.
ويبقى نموذج العلمانية الديمقراطية، الآخذ فى التوسع والانتشار فى أرجاء العالم، وفيه لا تكون مؤسسات الدولة محايدة إزاء الأديان المختلفة وحسب، ولكنها أيضا محايدة أمام كل الاتجاهات والرؤى والبرامج السياسية المختلفة مع السلطة القائمة.
النظام العلمانى الديمقراطى يؤمن قولا وفعلا بتداول السلطة، وبحق كل مواطن فى أن يعتنق ما شاء من أفكار سياسية ومعتقدات دينية، حيث الجميع (دون أية استثناءات) متساوون فى الحقوق (كل الحقوق) والواجبات (كل الواجبات). وقد أصبح هذا النظام هو السائد فى معظم بلدان العالم، باستثناء معظم بلدان الشرق الأوسط، وتلك التى تسعى لإقامة «دولة بمرجعية دينية».
وربما كان من المفارقات الجديرة بالملاحظة أن الذين يرمون الدول العلمانية بأبشع الاتهامات، هم أنفسهم من يذهبون إليها طوعا وباختيارهم الحر الواعى، حيث تجدهم هناك فى بلدان أوربا الغربية وأمريكا وكندا (البلاد العلمانية الكافرة الفاسقة) للعلاج أو التعليم أو قضاء إجازاتهم، أو حتى للمنفى الاختيارى هربا من قمع سلطة هنا أو هناك، لن تجد أيا منهم فى السودان للتعليم، ولا فى أفغانستان للعمل، أو فى باكستان منفيا باختياره. إنهم يشوهون الدولة العلمانية هنا، ويذهبون لينعموا بدفئها هناك، ونسقط نحن ضحية ابتزاز سخيف مفضوح.
الدولة العلمانية الديمقراطية هى الحل.
عدد الردود 0
بواسطة:
جرجس فريد
فضحت المنافقين
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى إمام
افهموها بقى