«الجدال العلمانى- الإسلامى.. صراع النماذج»، كان هو عنوان مقالة الأستاذ كمال حبيب (اليوم السابع- 6 مايو 2013)، وقد كشف فى أول سطر أن هذا هو ذاته عنوان الورقة التى قدمها فى المؤتمر التركى – العربى الثالث للعلوم الاجتماعية.
لسوء الحظ لم أقرأ نص الورقة البحثية، وأظنها جديرة القراءة، لكن ما جاء فى المقال، يستحق وقفة وتعليقا، فالأفكار تستمد أهميتها من كاتبها.
أظن أن الحديث عن «صراع نماذج» يتطلب بالضرورة توفر «نماذج» يمكنها خوض صراع، وفى حدود ما أعلم ليس لدينا، لا فى الواقع ولا على الورق، نموذج واحد متكامل لدولة إسلامية، قادر على الدخول فى أية منافسة، فضلا عن الصراع.
نماذج الدولة الإسلامية القائمة على الأرض، من السودان والصومال وحتى أفغانستان، تعانى من كل الأمراض الاجتماعية المعروفة والمستجدة، وصولا إلى التقسيم، لا تعرف ديمقراطية ولا تعترف بالآخر، فضلا عن التخلف العلمى والثقافى والتكنولوجى المرعب، وعندما جاء دورنا فى مصر، أظن أن ما نعيشه واقعا ملموسا على الأرض، يغنينا عن أى تعليق، فالذين صدعوا رؤوسنا لسنوات طويلة بشعار «الإسلام هو الحل» لم يكن بوسعهم –عندما أصبحوا فى السلطة- ترجمة شعارهم إلى «حل» عملى لمشاكل وأزمات مصر، وما أكثرها، رغم أن أبجديات العمل السياسى تقول إن الشعار هو بالضرورة تكثيف لبرنامج، أو عنوان له، لكن أصحابنا لم يكن لديهم سوى شعار يدغدغون به مشاعر الإيمان الفطرى لدى المصريين، والبسطاء منهم خاصة.
وفى حدود ما أعلم، فإن كل الكتابات النظرية عن «الدولة الإسلامية» و«النظام الإسلامى» و«الحكم الإسلامى» تفتقد المقومات الضرورية لإقامة دولة «إسلامية عصرية حديثة» قادرة على التعاطى مع مستجدات العصر ومواجهة تحدياته، فضلا عن إشباع الحاجات المادية والمعنوية لشعبها، ولئن وُجِدت مثل هذه الكتابات، يبقى السؤال لماذا لم تجد لها ترجمة عملية على الأرض؟.
وظنى –ولست فقيها فى الدين، لا دينى ولا الأديان الأخرى- أن المشكلة ليست فى الإسلام، لكن فيمن يحاولون حشر الدين فى السياسة، وأعرف أن الفقه الإسلامى اقتصر على ثلاثة مجالات لا غير، فقه العبادات وفقه المعاملات وفقه الأحكام، بينما «فقه السياسة»، فيما لو جازت التسمية، وجاز لنا استخدامها فى التفاصيل، اتسع كثيرا، ليتضمن –بين ما يتضمنه- فقه التكنولوجيا وفقه ثورة الاتصالات وفقه العلاقات الدولية، فضلا عن فقه الأزمات المستحكمة التى تعانى منها شعوبنا، فى العلاج والتعليم والبطالة والغلاء.. الخ، وكذلك كان طبيعيا أن يبقى شعار «الإسلام هو الحل» شعارا بلا مضمون، لأن الذين اخترعوه ألصقوه عنوة بالدين، بينما الدين يصرخ فى وجوهنا جميعا «أنتم أدرى بشئون دنياكم».
يسحبنا هذا– بالضرورة- إلى ما يقول به بعض الإسلاميين، ومنهم الأستاذ حبيب، «بالتمييز بين الدينى والسياسى، وليس الفصل بينهما»، وهى رؤية لا تعدو أن تكون أكثر من محاولة للالتفاف والعودة من جديد إلى المربع رقم واحد، حيث أن «التمييز» يقف عند حدود تعريف ما هو السياسى وما هو الدينى، وهو تعريف أظنه واضح للجميع، ثم يأتينا «عدم الفصل» ليسحبنا من جديد إلى ذات الطريق وذات المأزق، شعارات بلا مضمون، عاجزة عن بناء دول تصلح أن «نباهى بها الأمم» وأنظر حولك لترى بنفسك.
ربما يكمن مأزق بعض الإسلاميين، فى الاعتقاد أن الفصل، وليس مجرد التمييز، بين الدينى والسياسى، يعنى بالضرورة العداء بينهما، وهو مأزق وهمى وضعوا فيه أنفسهم بأنفسهم، وبوسعهم– لو أرادوا- أن يخرجوا منه بسهولة ويسر، بدلا من إضاعة الوقت فيما يسميه الأستاذ كمال البحث «عن الوجه غير المخاصم للدين والإنسان فى العلمانية »، فمنذ ظهور العلمانية كنظام للحكم، لم تعرف البشرية سوى عدد محدود جدا من تجارب «العلمانية المعادية للدين»، منها تجربة ستالين فى الاتحاد السوفييتى، وتجربة هتلر فى ألمانيا، والمرحلة الأولى من عمر دولة «ألمانيا الديمقراطية»، وقد سقطت جميعها واندثرت، ولم يعد لها من أثر، فضلا عن أنه لم يعد هناك من هو قادر على إعادة إنتاجها، ونماذج النظم العلمانية القائمة حاليا على أساس فصل الدين عن السياسة، ( وليس فقط مجرد التمييز بينهما )، هى ذاتها النماذج التى يذهب إليها قادة الجماعات والتكوينات الإسلامية، للعلاج أو التعليم أو المنفى الاختيارى، أو حتى لقضاء إجازة، وكأنى بهم يحاربون الفكرة هنا ثم يذهبون ليعيشون فى نعيمها هناك.
وعلى الجانب الأخر، فإن الأنبياء والرسل، جميعا وبلا استثناء، لم يكن من بين أهدافهم إكراه الناس على الإيمان وإجبارهم على ترك طريق الشر والمعصية، ولذا يبدو مثيرا للدهشة الحديث عن «دولة إسلامية» تسعى لفرض « شرع الله » قسرا على الجميع، يكون بين مهماتها إدخال المواطنين قسرا إلى الجنة، بينما وظيفة الدولة إدخال المواطنين إلى مدارس للتعليم ومستشفيات للعلاج، ووظائف لتوفير العيش الكريم، وتكون النتيجة فشلا ذريعا فى الاثنين معا، فلا هى نجحت فى إدخال الناس إلى الجنة «قسرا» ولا هى استطاعت أن توفر لهم حياة إنسانية محترمة.
يبدو غريبا، فضلا عن كونه منافيا للحقيقة أن يقول الأستاذ حبيب «استكثر التيار العلمانى على الإسلاميين وصولهم للسلطة، ويريد حتى ولو بشكل غير واع- إظهار عجزهم وفشل نموذجهم»، حيث أظن أن الأستاذ حبيب يعرف تمام المعرفة أن «التيار العلمانى» هو من ساند الإسلاميين للوصول إلى السلطة، ووقائع جولة إعادة الانتخابات الرئاسية لم تزل حاضرة فى الأذهان، وقد ظل «العلمانيون» يدعمون الإخوان فى السلطة، وينتظرون إنجازاتهم، أو حتى وفاء بوعود قطعوها على أنفسهم، إلى جاء «إنجازهم» الأعظم متمثلا فى الإعلان الدستورى الذى أعاد شق صف كنا نظن أن السلطة «الإسلامية» مسئولة عن إعادة اللحمة إليه.
واستطرادا، فإن الإسلاميين هم من بدأ شق الصف منذ واقعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، 19 مارس 2011، فبينما كان من الطبيعى أن تختلف الآراء والمواقف من تلك التعديلات، كان الإسلاميون هم من جعل من الاختلاف «معركة» وأصبح الرافضون لها كفار معاديين للإسلام، وأظن أن الأستاذ حبيب مازال يتذكر ذلك، ومازال غير قادر على يذكر لنا اسما واحدا من الإسلاميين جميعا لم يشارك فى وقائع «غزوة الصناديق»، إن لم يكن بالقول الصريح فبالصمت الموافق، وكذلك كان الإسلاميون هم من أحال الاختلاف معركة شقت الصف، رغم أنهم لا يمتلكون نماذج حكم مؤهلة للمنافسة، فضلا عن الصراع، ويبقى التقدير مقيما للأستاذ كمال حبيب، ويظل الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح
النمادج والتطبيق
عدد الردود 0
بواسطة:
اخوانى سابق
الاسلام هو الحل