هانى عياد

فى مفهوم الدولة.. الدولة الدينية

السبت، 18 مايو 2013 12:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدولة التى حكمها رجال الدين كانت هى النموذج النموذجى للدولة الدينية، كما قدمته الكنيسة الكاثوليكية، وساد أوربا خلال العصور الوسطى، فى واحدة من أبشع صور الفاشية الدينية، بيد أن «حكم رجال الدين» لم يكن هو لب الموضوع ولا مشكلة الدولة الدينية وسبب ديكتاتوريتها، فالجوهر يمكن فى استخدام الدين لممارسة القمع والتنكيل بكل من يخالف الحاكم، الذى هو فى الدولة الدينية يحكم وفق «إرادة الله» أحيانا و«بما لا يخالف شرع الله» أحيانا أخرى، فيتحول كل من يعارضه إلى خارج عن طاعة الله.

هنا على وجه التحديد يمكن جوهر الدولة الدينية ومأزقها وديكتاتوريتها، فى استخدام النص الدينى غطاء لممارسة السياسة، ومرجعية للتشريع ومصدرا لرسم السياسات، بصرف النظر عن زى وهيئة من يظهر فى المشهد رئيسا أو ملكا أو خليفة، والذين يتحدثون عن «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» يستخدمون تعبيرا خادعا لا معنى له اسمه «الدولة المدنية»، لتمرير جوهر الدولة الدينية، فالأصل فى تحديد طبيعة الدولة هو المرجعية ولا شىء آخر على الإطلاق.

الدولة التى تقول إن مرجعيتها ماركسية، هى دولة ماركسية بالضرورة، تعود إلى ما قال به ماركس، وإنجلز، ولينين، لترسم سياساتها وتصدر تشريعاتها، والدولة ذات المرجعية الناصرية، هى دولة ناصرية بالقطع، تستلهم مواقف وسياسات "عبدالناصر" فى مواقفه وإجراءاته، وكذلك تكون «الدولة ذات المرجعية الإسلامية» دولة دينية بامتياز، تعود إلى الدين لترسم سياستها وتصدر تشريعاتها وتحدد مواقفها، وإذا كان من قبيل العبث الحديث عن دولة «قومية بمرجعية ماركسية»، فإنه من باب التضليل الادعاء أن الدولة «ذات المرجعية الإسلامية» لن تكون دولة دينية.

قد يكون صحيحا أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية، لكن الصحيح أيضا أن تاريخ المسلمين (يسمونه ظلما تاريخ الإسلام) قد عرف بامتياز الدولة الدينية، التى تقاتلت فيها العائلات على الحكم، من الأمويين إلى العباسيين إلى العثمانيين، وتوارث فيها الأبناء سلطة الآباء، وحكمها دائما «أمير المؤمنين»، وطاردت غالبا المفكرين والمبدعين (ابن رشد نموذجا والنماذج كثر).

وأزمة دعاة الدولة الإسلامية (الدينية)، تكمن فى أنهم يعيدون تكرار محاولات بائسة للمزج بين ثابت مقدس ونسبى متغير، الدين والسياسة، وقد ثبت فشلها عشرات المرات منذ سقوط الدولة الدينية الكلاسيكية فى أوروبا.

وبينما جاء الإسلام (مثل كل الأديان) ليبين للناس الحق من الباطل، الحلال من الحرام، دون أن يكون من بين أهدافه القضاء على الشر، أو إكراه أحد على الأيمان بما يدعو إليه، حيث ترك لكل إنسان حق أن يختار ما يشاء، فإن أمر الدولة الدينية يبدو شاذاً وهى تسعى لإحاطة المجتمع بسور حديدى من القوانين والتشريعات يعزله عن كل ما يعتقد أولو الأمر فيها أنه حرام أو منكر، وكأنها تريد إعدام الشيطان، وهو ما لم يفعله الله جل جلاله، وإدخال الناس- قسراً- إلى الجنة.

ويتجلى بؤس دعاة الدولة الإسلامية عندما يحاول بعضهم أن يبدو وكأنه أقل تشددا أو أكثر انفتاحا، فيتحدث عن ضرورة الاستفادة من حضارة الغرب، والتعلم مما وصلوا إليه من تقدم، واستيراد ما نحتاجه منهم، وعبارات كثيرة ومتكررة بذات المعنى، إلا أن قيود الدولة الدينية سرعان ما تفرض نفسها على كل جملة وفكرة بعبارات من نوع «بما لا يصطدم بثوابت الإسلام» أو «بما هو نافع لنا» و«بما لا يخالف شرع الله» وما إلى ذلك من قيود، تقود بالضرورة إلى إعادة إنتاج الاستبداد الدينى، إذ أن الحاكم هو وحده من سوف يحدد «ثوابت الإسلام»، وهو وحده من سوف يحدد «ما هو نافع» و«ما هو ضار»، و«ما لا يخالف شرع الله» وما يخالفه، كما يراه ويفهمه هو.

ثم يبلغ بؤس دعاة الدولة الدينية إحدى ذراه المأساوية عندما يتكشف لنا أنهم لا يتفقون على مفهوم موحد للشريعة، فمنهم من يرى أن هدم الآثار هو إعمال للشريعة، وهناك من لا يتفقون معهم فى ذلك، ومنهم من يطالبون بإلغاء المايوهات ومنع الخمور، وفريق آخر يجدد تراخيص الكباريهات لثلاث سنوات، وليس سنتين كما كان معمولا به من قبل، وفيهم من يرى ضرورة إحراق كتب نجيب محفوظ تطبيقا للشريعة، لكن آخرين لا يتفقون على هذا من الشريعة، وبينهم من يدعو لتطبيق حد الحرابه بينما منهم من يرى أن الوقت غير مناسب.

ووسط هذا الجدل المحتدم بين أنصار تطبيق الشريعة، لا تجد أحدا يقول لك كيف سنطبق الشريعة للنهوض بالتعليم، والعلاج، والبحث العلمى، وحل أزمة البطالة، والتعامل جيوش الفقراء؟، ويمتد الخط على استقامته فلا يعود أحد يعرف ماهية الشريعة التى ستحكم الدولة الإسلامية؟ هل هى الشريعة التى أفتت فى ستينيات القرن الماضى أن الإسلام دين الاشتراكية، أم تلك التى حرمت التأميم، فى زمان لاحق، صيانة لحق الملكية الخاصة؟، وهل هى الشريعة التى دعمت "جمال عبدالناصر" خطيباً على منبر الأزهر عام 1956، «سنقاتل ولن يفرض علينا أحد الاستسلام»، أم تلك التى أفتت، بعدما تدفقت مياه كثيرة فى كل الأنهار، بشرعية الصلح مع العدو الإسرائيلى؟، هل هى شريعة «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» أم هى شريعة «عزيزى بيريز» من «صديقك الوفى محمد مرسى»؟.

واستطرادا لماذا يكون من حق الإسلاميين إقامة دولة إسلامية ولا يكون من حق اليهود إقامة دولة يهودية؟، الأزمة لا تكمن فى الشريعة، فمن حق كل إنسان أن يعتقد بما يقتنع به، لكنها تكمن فى هؤلاء الذين مازالوا يحاولون إعادة اختراع العجلة، غير مدركين أن زمن فرض المعتقدات على الناس قد ولى من قرون.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

سامح

مقال جيد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة