النجاح له ألف أب، بينما الفشل لقيط، لا أب له، يتبرأ منه الجميع، ويلقى كل طرف بمسئوليته على الآخرين، هذه المقولة التى لا تخطئ، وجدت لها تجسيدا للمرة المليون، بعد عودة جنودنا السبعة المخطوفين سالمين، مع فارق أن «الآباء الألف» هذه المرة ربما يكونوا صادقين.
كل الفرق الإسلامية على ما بينها من اختلاف أو اتفاق راحت تعرض دورها وتستعرض بطولتها فى إدارة التفاوض مع الخاطفين لاستعادة المخطوفين، فبدا الأمر وكأننا نشاهد مسرحية كل من فيها أبطال، وحده الشعب هو الكومبارس الذى لا يعرف ماذا جرى وكيف جرى، والمفارقة أن الستار لم يُسدل بعد، والعرض لم يزل مستمرا، والوقائع توحى بمزيد من المشاهد الدموية، عودة جنودنا سالمين كان بالتأكيد هو الهدف الرئيس فى التعامل مع هذه الجريمة، لكنه بالقطع لم يكن ولن يكون الحلقة الرئيسية، ولا هو مشهد الختام.
الحلقة الرئيسية مرتبطة بمسلسل الجرائم الذى تعانى منه سيناء، ويستهدف غالبا القوات المسلحة ورجال الشرطة، دون استثناء الأهالى، منذ جريمة خطف أربعة رجال من الشرطة (ثلاثة ضباط ومجند) فى فبراير 2011، ثم قتل 16 مجندا فى أغسطس 2013، مرورا بجرائم اعتداء تكاد تكون يومية على مقرات ومعسكرات للشرطة، وترويع وتهجير أهالى، وصولا إلى اختطاف الجنود السبعة أخيرا، وربما ليس آخرا.
ومشهد الختام يبدأ على وجه الدقة فى لحظة تطهير سيناء من بؤر الإجرام المتستر بالدين، وإلقاء القبض على كل المجرمين الذين ارتكبوا كل الجرائم السابقة، وليس فقط هذه الجريمة، وتقديمهم لمحاكمة علنية، وهو مشهد لا يكاد يأتى، بل ربما لا نتجاوز كثيرا إن قلنا أن هناك من يسعى جاهدا لتعطيله، والتستر على الفعلة، وإبقاء المسرحية مفتوحة بلا نهاية.
حقيقة ما جرى من أجل تحرير الجنود السبعة لم تزل غائبة أو مغيبة، لكن هناك سيناريو جرى تسريبه بصورة غير رسمية يتحدث عن نجاح قوات الجيش الثانى بالتعاون مع المخابرات العسكرية فى تضييق الخناق على الخاطفين، الذين شعروا أنهم باتوا فى مصيدة يصعب عليهم الخروج منها، فتركوا الجنود وهربوا، وهو سيناريو يمكن قبوله، لكن تبقى نقطة ضعفه الأهم والأبرز هى كيف هرب الخاطفون رغم الحصار الخانق الذى وضعهم فى «حارة سد» وأجبرهم على ترك الجنود؟، ولأن الخاطفين بشرا، والبشر ليس من بين سماتهم القدرة على التبخر، فالخاطفون- وفق هذا السيناريو- لم يهربوا لكن جرى تهريبهم، وهنا يأتى دور هؤلاء الذين يدعون البطولة فى الإفراج عن الجنود، عبر مفاوضات قالوا عنها إنها كانت صعبة وعسيرة، لكن المؤكد أنها انتهت إلى صفقة الإفراج عن الجنود مقابل تهريب الخاطفين، وهو ما يتوافق تماما مع ما أول رد فعل على الجريمة لمكتب إرشاد «الجماعة» صدر على لسان الناطق باسم رئاسة الجمهورية، بضرورة الحفاظ على حياة الخاطفين.
من الطبيعى أن يكون من حق الدولة وحدها أن تجرى مفاوضات مع الخاطفين لتحرير الرهائن، مع إبقاء كل الاحتمالات الأخرى مفتوحة حتى لا تضطر لتقديم «تنازلات» تهدر القانون وتذهب بهيبة الدولة ومكانتها إلى الحضيض، وبين هذه «التنازلات» المحظور الاقتراب منها أو التفكير فيها، إطلاق سراح الخاطفين مع المخطوفين على السواء، وبما يبدو معه وكأن الدولة تكافئ المجرمين ولا تعاقبهم.
ولئن كان من الطبيعى أن تقوم مؤسسات الدولة من أجل الإفراج عن الرهائن، فى إطار من السرية والتكتم، وبعيدا عن وسائل الإعلام وكاميرات الفضائيات، فإن إطار السرية والتكتم، يصبح مثيرا للريبة ومبعثا للشك إذا ما استمر مفروضا على وقائع ما جرى، بعد انتهاء العملية وتحرير المخطوفين.
ومع استمرار تمسك مؤسسات الدولة بإطار السرية وعدم الكشف عما جرى وكيف جرى، تنفتح كل الأبواب لتصديق مدعى البطولة، أصحاب الدور الرئيسى فى إدارة عملية تفاوض، لم يكن الهدف منها تحرير المخطوفين فقط، إنما أيضا إطلاق سراح الخاطفين، ما لم نكن بصدد صفقة أكبر، تبرر للجميع إبقاء كل الوقائع طى الكتمان داخل ظرف مغلق مكتوب عليه «سرى للغاية».
وكذلك يكون هؤلاء الذين ينسبون لأنفسهم أدوار البطولة فى مفاوضات الإفراج عن الجنود المخطوفين، وأنا أميل إلى تصديقهم، شركاء للمجرمين الخاطفين، إن لم يكن مباشرة، تخطيطا وتنفيذا، فبصورة غير مباشرة، تعاطفا وتأييدا، وقد أجروا مفاوضاتهم مع الجانبين، مع الخاطفين لتحرير الجنود، ومع الدولة لعدم التعرض للجناة وتركهم يهربون، والأخطر أنهم «شركاء» برعاية الدولة.
ولئن كان الأمر كذلك، فإن عودة الجنود سالمين إلى حضن الوطن- وقد كان هدفا بذاته- لن يؤدى إلى إنزال الستار على مسرحية الإرهاب المستمر عرضها فى سيناء منذ فبراير 2011، وبلا نهاية، فالمؤكد أن ثمة المزيد من مشاهد الإرهاب قادمة، طالما بقى الإرهابيون بعضهم يفاوض بعض، والجميع يحرص على سلامة الخاطفين، وربما يكون مشهد النهاية كما رسمه ويريده هؤلاء، هو تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية، ليبدأ فصل جديد فى مسرحية الدولة الإسلامية.
أقول «ولئن كان الأمر كذلك»، وأتمنى ألا يكون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة